SlideShare a Scribd company logo
مجموعة سنا الومضة مجلة الكترونية شهرية 
تصدر عن مجموعة سنا الومضة في الفسيبوك 
هيئة التحرير ..د.جمال الجزيري ـ مصرـ أ.عصام الشريف ـ مصر 
م .عباس طمبل ـ السودان ـ العدد الخامس ـ شهر أكتوبر) 2014 ( ...... في هذا العدد محمود الرجيبي يكتب )الحزن يرحل بعيدًا(......... 
تصميم وإخراج .. 
مهندس /عباس طمبل ــ السودان 
تصميم وإخراج/مهندس /عباس طمبل ــ السودان
اسم الكاتب رقم الصفحة الموضوع 
1ـ 2 ـ 14 قراء نقدية في ومضات حزينة ـ لجمال الجزيري محمود الرجيبي 
15 ـ 15 كلمة ونظرة عين تعليق على ومضة جمال الجزيري أ.د.بهاء مزيد 
16 ـ 16 اللغة الأديبة أ.د.بهاء مزيد 
17 ـ 18 اللغة والتمرد الأدبي د.جمال الجزيري 
19 ـ 23 العلاقة العضوية بين القصة القصيرة جدًا والقصة الومضة عباس طمبل 
24 ـ 29 ارتباك النص ملاحظات نقدية على ثلاث ومضات د.جمال الجزيري ـ عباس طمبل 
30 ـ 40 الأدب والمبدع والنقد د.جمال الجزيري 
40 ـ 53 العنوان في الومضة مقدمة نقدية د.جمال الجزيري 
53 ـ 59 فلسفة القصة الومضة د.جمال الجزيري 
60 ـ 65 مفهوم النص الأدبي د.جمال الجزيري 
66 ـ 67 من الومضة إلى الومضة الشارحة ـ بسام جميدة وجمال الجزيري أ.د. بهاء مزيد 
1 
68 ـ 68 أسماء..أسماء ..أسماء .. تعقيب على ومضة) حصن المعرفة( 
لجمال الجزيري أ.د بهاء مزيد 
69 ـ 69 مقال عن مجموعة «سنا الومضة » إدارة المجموعة 
فهرس
جمال الجزيري 
الحزن يرحل بعيدًا حتى الحزن !!رحلة لتذوق الدهشة محمود الرجيبي 
قراءة في ومضات حزينة للكاتب جمال الجزيري ـ بقلم محمود الرجيبي ـ الأردن 
لا بأس بمقدمة على عجل، حول مفهوم القصة الومضة وبعض شروطها 
وخصائصها، علما بأن فن )القصة الومضة( ما زال على النار، لم 
يقرر أحد بعد أنه نضج وأصبح جاهزا للأكل تماما،ً من حيث اكتماله 
وتميزه بشروط خاصة به وحده، وتحديده لمقاسات وقوالب تميزه 
عن الأجناس الأخرى من فنون القصة القصيرة، فهو ما زال يتأرجح 
بين الرفض والقبول، بين التأطير والتنظير، بين الاعتماد والتجربة !! 
أجمل شرح وقعت عليه لخصائص ومميزات القصة الومضة، 
كتبه الكاتب داود سلمان الشويلي: )القصة الومضة هي: لحظة 
زمنية، أو مشهد قصير جدا، أو موقف سريع جدا، أو إحساس 
شعري خاطف يمرّ في الذهّن ويصوغهُ القاص بكلمات قليلة.ٍ 
وهي نوع من أنواع السرد المتعارف عليها في فنون السرد، 
كالقصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة، والاقصوصة، والرواية. 
وهي أيضا وسيلة من وسائل التجديد السردي، أو شكل من 
أشكال الحداثة في الفن السردي تعبر عن هموم ومشاغل 
واماني وتطلعات القاص لتناسب مبدأ الاقتصاد والتكثيف 
الذي يحكم عصرنا هذا عصر السرعة في كل شيء. 
بدأت الكتابة لهذا النوع في اواخر النصف الثاني من القرن الماضي، 
وكانت على شكل ق.ق.ج حتى وصلت الى ان تكون القصة 
الومضة، اذن هي وليدة القصة القصيرة جدا، وابنها الشرعي، 
لما للتحولات الفكرية والفنية من أثر كبير في نشأتها، وكذلك ما 
تتطلبه الحياة اليومية ذات النزعة السريعة جدا في كل شيء من 
منازع الحياة، وكذلك ما للتأثيرات الاجنبية على الآداب العربية. 
الومضة مثل مصباح الفلاش يومض وينطفئ بسرعة، واي قصة 
تأتي بهذا الاسلوب هي ومضة، وهذه الومضة السريعة تحمل 
التكثيف والادهاش. فالقصة الومضة هي نوع من السرد الجديد 
الذي يعتمد على التكثيف باعتمادها على معنى واحد، ودقة في 
التعبير، وعلى كلمات قليلة تحمل المعنى، بإيحاء ودلالية مقتصدة 
مكثفة، ولا تأخذ بالوصف الموقف لعملية السرد، وإيراد التشبيهات. 
2
خلاصة القول، ان القصة الومضة هي قصة النهاية، فعندما تكون 
النهاية مدهشة، وتحمل مفارقتها، كانت القصة هي قصة ومضة 
بامتياز، لان عدد الكلمات )الاقتصاد اللغوي(، وايحائية تلك الكلمات، 
ووحدتها العضوية، يكون كل ذاك ممهدا لهذه النهاية المدهشة.( 
فالكاتب والناقد – هذه الأيام – يسيران في اتجاهين مختلفين تماما، 
وكأنهما في صراع إثبات وجود، فالناقد يبني القوالب لسجن الكاتب 
فيها، والكاتب ماهر في تحطيم كافة القوالب والقفز دائما إلى الأمام، 
دون اهتمامه سوى بما يؤمن به هو وبطريقته هو، لأن الإبداع في 
حركة تجديد دائمة تتعب القارئ والكاتب والناقد في نفس الوقت!! 
نعم، لا يمكن الاتفاق على تعريف للقصة الومضة، 
لأنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على تعريف للقصة 
القصيرة نفسها، فما بالك بالفنون الأخرى المستجدة: 
فإذا بحثنا في تعريف فن القصة القصيرة، نجده يتنوع ما بين 
اعتبار أنها: )سرد مكتوب أو شفوي يدور حول أحداث محدودة. 
وأنها ممارسة فنية محدودة في الزمان والفضاء، والكتابة( )د. 
سعيد علوش، في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار 
الكتاب اللبناني، سوشبريس، الدار البيضاء، 1985 ، ص: 181 (. 
وأنها: )نموذج فني يتصل بكثير مما يهم الناس مما قد يضمن الفنان 
عمله...تجمع الفن إلى شيء آخر هام. فهي تعطي اللذة الفنية، 
والمتعة الجمالية، التي يعطينا كل عمل فني، إلى جانب ما لها هي 
من خاصية أخرى تتصل بما يشغل الناس ويهمهم في الحياة( )د. 
محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة: أصولها، 
اتجاهاتها، أعلامها، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1983 ، ص: 5(. 
ويعتبرها ولسن ثورنلي، أنها:) سلسلة من المشاهد الموصوفة 
التي تنشأ خلالها حالة مسببة، تتطلب شخصية حاسمة ذات صفة 
مسيطرة، تحاول أن تحل نوعا من المشكلة من خلالها بعض الأحداث 
التي ترى أنها الأفضل لتحقيق الغرض. وتتعرض الأحداث لبعض 
العوائق والتصعيدات حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك الشخصية 
النهائي( )ولسن ثورنلي، كتابة القصة القصيرة، ترجمة، د. مانع 
حماد الجهني، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 1992 ، ص: 20 (. 
أما فاليري شو، فيرى أنها:) انسجام بين المتناقضات، تفاعل بين 
التوترات والمقولات المتعاكسة. قصيرة لكنها رنانة...مكتوبة نثرا 
لكن بها كثافة الشعر...مصنوعة من كلمات سوداء، على صفحة 
بيضاء، لكنها تومض باللون والحركة...مكتوبة لكنها تحاكي الكلام 
الإنساني...يبدو أن العامل الوحيد المشترك فيها، هو هذا التوازن 
الذي تسعى إليه( )د. خيري دومة، تداخل الأنواع في القصة المصرية 
القصيرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998 ، ص: 76 (. 
3
جمال الجزيري في ومضاته يتكلم مثلي ومثلك، ولكن بلغة تختلف، 
لغة تتميز بحساسية مذهلة لما يجري حولها، أو كما يقول الشاعر 
المبدع أسعد الجبوري في حديثة عن حساسية اللغة:) كنت أدرك 
بأن اللغة تفكر بالمؤلف في أثناء الكتابة. وتعلمت أن أزج نفسي في 
لحظة تفكيرها بي كشاعر يحاول الدخول في مجرى فكرها المعقد بنا 
وبما يحيط بنا من كائنات وأفعال. مرة ظننت بأن أجمل ما في اللغة 
هي حيواناتها الملتهبة الشراسة. فتلك الحيوانات صعبة المراس، 
لكنها كانت تتحمل عبْ عمليات نقل الأفعال والدلالات والمجاز من 
منطقة إلى أخرى ومن نص إلى آخر. وإذا كان المؤلفون يقوم بالعمل 
نفسه مع بداية كل نص، إلا أنهم لا يجيدون ذلك العمل بمثل إخلاص 
حيوانات تعايشت مع أسباب نمو عوالم اللغة الداخلية لأن اللغة ما 
كانت كلمات وحسب، بقدر ما هي أرواح سحرية تعمل في تيه مطلق.( 
فالخطاب الأدبي يعيد خلق اللغة من جديد ويحررها من 
عاديتها، ويشحنها بدلالات وإيحاءات مبتكرة. لكل ذلك أمكن 
القول بأن لغة الأدب هي أسمى مستويات اللغة البشرية، 
ولا ريب في أن اللغة البشرية هي نتاج تطور اجتماعي. 
جمال الجزيري يحسن التعامل مع اللغة ويعاملها برقة هائلة، 
تجعلها تنزع ألفاظها التي اعتادت عليها، وترتدي كل ما يختاره 
لها من ألفاظ، قد تكسبها وجودا جديدا لم تعهده سابقا، أنظر إلى 
جمالية مفردات اللغة وحساسيتها المفرطة في ومضاته التالية: 
قافلةٌ 
أتيقَّظُ لحظةً. يصدُمًني الغيابُ ويعصفُ بي النومُ، فأعودُ 
لتناوُمِي كأنَّ القافلةَ تسيرُ. 
توع د 
قبرٌ وقبرٌ وبينهما قبرٌ. يتساقطُ المطرُ. تطرحُ الأرضُ رؤوسًا 
مُتَوَعِّدَةً. 
إغراءٌ 
مطرٌ يسخرُ من أغسطُس ويُغْرِيني بالبقاءِ، فَهَلِ الخطواتُ 
تاريخٌ أم التاريخُ حصارٌ؟ 
موت 
تلمَّسَ الوميضَ في الكلمات العابرةِ. عَبَرَ العابرون، وظلَّ 
هو يتخبَّطُ في دماءِ ظلامِه. 
فَرْقُ سُرُعاتٍ 
أخذ استراحة من الغوص في جماليات الأسلوب 
وحوار النصوص، ودخل مُسْتَأنِسًا. وجد الأبجدية تبكي 
اغتصابَها. 
تفجيرٌ ذاتيٌّ 
دعا الخطيب أن يردَّ الله كيدَ أعدائنا. أمَّنتُ بحرارة. انتظرتُ 
أن يعملَ تفجيرُنا الذاتيُّ تلقائيا. 
4
وإذا كانت اللغة عبارة عن رموز وإشارات وصور مشحونة بالمعاني 
والدلالات، فإن الأدب هو عمل وسرد لغوي إيحائي مشحون بالمشاعر 
والأفكار والخبرات، يرصد حركة الواقع ليحولها إلى عالم تخيلي، 
ليعيد تركيبها من جديد عبر لغة تقوم بعملية توصيف العالم التخيلي. 
من هذه الحركة التي تقوم بتحويل وتصنيع الواقع إلى متخيل 
ذهني، وهذا الأخير يُصب في قوالب ورموز وسياقات، تشكل 
في مجموعها الخطاب الأدبي، شريطة أن تكون تلك القوالب 
والرموز والسياقات قابلة للتفكيك، وإعادة التركيب، ومن ثم 
الفهم من قبل القارئ أو المتلقي بصفة عامة. جمال الجزيري 
لا يتعامل مع الواقع بحيادية مطلقا، فهو يراه عدوا يجب الثأر 
منه، وكأنه في مشروع لتصفية الحساب مع الحياة الظالمة، 
إنه يفكك كل شيء يراه، ويعيد تجميع شظاياه من كل زاوية 
للرؤية ممكنة، إنه يجردنا من كل اعتقاداتنا السابقة، ويجعلنا 
عرايا أمام حقيقتنا، التي يغطيها بعباءة السخرية من أوهامنا: 
بلا دخلاء 
كنتُ أصبرُ على حرارة الخارج. اليوم دخلتُ المسجد. 
أفسد الخطيبُ مصالحتي. ابتسمتُ، وتشاغلتُ بِسَيْرِي 
الافتراضي. 
مؤامرةٌ 
اتهمهم بالعري والمادية وبمؤامرتهم علينا. دعا الله 
بتفجيرهم. خشيتُ أن أُومِّنَ فينفجرَ ويفجِّرَ المسجدَ بنا. 
هجرةٌ داخليةٌ/غيابٌ 
انتقلَ بينَ القنواتِ. تنقَّلَ قلبُه بين الأماكنِ. لم يعرفْ إن 
كان يعيشُ هناكَ أم «هناكَ .» 
لا مكان 
يدي باردةٌ. جبهتي يحنيها الانكسارُ. أهي حُمى اللقاء 
المتَُخَيَّلِ أم حرارةٌ تُفارقُني في اللامكان؟! 
لقاء 
قال: «إنني أنا » قلت: «بالتأكيد هو ». لكننا عندما التقينا 
تأكدت أنني لم أعرفه يوما. 
كَرَمٌ 
أَمْلَى عليَّ شروطَه وقال: «لا ميًكِْنُنِي أن أبخلَ عليكَ 
بشيءٍ .» 
يقول تولوستوى عن الفن، والأدب جزء أساسي منه: 
)الفن نشاط إنساني يقوم على كون إنسان ما ينقل للآخرين 
بصورة واعية، وبواسطة إشارات ظاهرية معروفة، المشاعر 
التي يحسها، فتنتقل عدوى هذه المشاعر إلى الآخرين، وينفعلون 
بها.( 
إن الأدب / الفن يقوم بعملية نقل وتصنيع التجربة من الواقع، 
وتفاصيل الحياة اليومية، إلى المتلقي عبر قواعد وإشارات 
ورموز متعارف عليها من قبل الطرفين، المرسل والمستقبل، 
وفي حالة غياب هذا الاتفاق المسبق تفقد العملية الاتصالية 
وظيفتها. جمال الجزيري يؤمن بأن كل شيء له تفصيل خاص 
به، وأن الرموز والأسماء تظلم باختصارها حياة كاملة، ومع 
أنه متخم بالتكثيف حدَّ الاختفاء، إلا أنه لا يزرع النص بالخيال 
العميق ويرحل إلى متاهات التأويل المتعبة، ولكن دون أن ينزع 
عنه صفة الحياة اليومية وبساطة الاتصال المباشر معك ومعي، 
فهو يتحدث بلسان كل من يقرأ له: 
5
بثورٌ 
سألني بجديَّةٍ تامةٍ: «أينَ سوقُ النخاسةِ؟ » حدَّقتُ فيهِ. 
دفعتُهُ ليسقطَ بحفرةِ صَرْفٍ صِحِّيٍّ تُؤرِّقُنا بالشارعِ. 
وطنُ متاهةٍ 
تتداخلُ الصورُ، فلا يعرفُ إن كان الوطنُ متاهةً أم أن 
المتاهةَ وطن. 
إخلاف 
قال الزعيمُ الافتراضيّ: «لم أنتوِ التَّرَشُّحَ »، نوى وعبر إلى 
الضباب والرماد. 
«يا عين! » 
أطالوا الوقوف على: «يا ليل ». لم يحتمل المتَُلَهِّفُ على 
الغدِ ألمَ عينيْه. 
خُلْعٌ 
أدمنَ «نعم » واحتجزَ باقيَ الكلماتِ في صمتِه. تظاهرتْ 
ضده الحروفُ فأخرستْه. 
حلقةٌ 
أبصرتُ صورتي بألْبُومٍ قديمٍ، لم أتعرَّفْ على مَنْ كنتُ 
أُجالِسُهم بصفاء. 
أُفُقٌ 
أبصرتُه مُجْرِمًا يستحقُّ السجنَ، لكنني أبصرتُ في 
الحكمِ المبالِغِ ضدَّه سجنًا لي 
يذهب هورست ريديكر صاحب كتاب )الانعكاس والفعل( إلى: 
)إن اللغة ليست مجرد شكل ظاهري للمحتوى الجمالي، إن العلاقة 
بين اللغة والفن قائمة في المحتوى ذاته، في الجوهر، ومرادفات 
كلمة أديب ـ كاتب ـ صاحب قلم ـ فنان الكلمة، وما شابه ذلك مليئة 
بالمعنى العميق، وعمل الفنان في مجال اللغة، هو عمل في مجال 
الاتصال الاجتماعي.. عمل لصالح المجتمع، وليس عملا شكليا.( 
وعلى ضوء ذلك إنما اللغة هي وسيط فعال ومؤثر، 
والأدب إن هو إلا استغلال لبعض خصائص اللغة 
على حد تعبير الشاعر الفرنسي بول فاليري. 
جمال الجزيري يحقق كل هذا التواصل مع اللغة، فهو ينقل تفاصيل 
الحياة اليومية لنا، ولكن ليس بأية لغة، إنها لغة تتنفس وتملك وعيها 
الخاص بها، فهو يقوم بكل سهولة برصد حركة الواقع ليحولها إلى 
عالم تخيلي، ليعيد تركيبها من جديد عبر لغة تقوم بعملية توصيف 
العالم التخيلي، كما تم الحديث سابقا، وهذا يتضح جليا في ومضاته: 
6
صفحة 
فتح الكتاب يتصفحه: وجد أن آخر صفحة هي أول 
صفحة، فانطوى وارتعب. 
عليه 
قال: «أعزاءي دعونا نصطنع السعادة »، دار علينا، احتضن 
كلا منا. أدار في المسجل شريطا لموسيقى حالمة وظل 
يتراقص ويبكي إلى أن خر مغشيا عليه. 
ثـم 
سمع ضجيج الفرح وصراخ المولود في الشقة المجاورة ثم 
نظر إلى زوجته فبكت. 
تخثر 
ارتمى في حضنها يداوي الجفاف بالنجوى. يواسي الفجوات 
بالنهل العذب… وجد صدرها جبال ثلج متخثر. 
الفك 
يا أيها الطير المحلقِّ في العلا أما آن لك أن تبطئ الخطى؟ 
رد على وقال: 
يا أيها البشر المكبلَّ في الحصى ألم يئن لك أن تفك القدم؟ 
الدكتور جمال الجزيري قاص وشاعر وباحث وناقد، شغل نفسه بعالم 
الكتابة منذ زمن بعيد، ومع كل هذا الانشغال، وتسرب الوقت كالهواء من 
بين أصابعه، إلا أنه يجد الوقت دائما،ً كي يمارس لذة الحزن، ويأخذنا معه 
في رحلة لا تنتهي في عالم من الحزن الذي أصبح كالوشم على قلوبنا !! 
يتقن الدكتور جمال الجزيري فن التظاهر بالابتسام والفرح، 
عند ممارسته لفن الانصهار الكتابي، فألفاظه فرحة بطبعها، 
ومعانيه ترتدي عباءة مطرزة بالسعادة، ولكن عندما تلتصق 
ألفاظه بمعانيه فإنها ترسل حزنا صافيا إلى عيوننا وقلوبنا!! 
قبل البدء في تذوق الحزن اللذيذ، في بعض ومضات الدكتور جمال 
الجزيري، وربطهم بمراحل الحزن المختلفة وتطورها، أحب أن 
أبين أن ومضات الدكتور جمال الجزيري مرت بكافة مراحل الحزن 
الخمس على اختلافها، وفي مواقع مختلفة وحالات نفسية وذهنية 
مختلفة في المكان والزمان الخاص الذي خلق فكرة الومضة، وكأنه 
يتقلب حسب الحاجة الذهنية والاجتماعية والإنسانية، لتطورات 
القلق والكآبة والشعور باللاجدوى، في داخل الإنسان المعاصر، 
فهو يطرح في ومضاته كافة الأسئلة الوجودية الممكنة، لذا لا 
غرابة أن تلتقط ومضاته مشاهد مختلفة سريعة ولكن عميقة التأثير 
فينا، وتؤرخ وتؤطر وتحدد بها الكثير من حالات آلامنا وأوجاعنا 
المتكررة التي تراوح مكانها، ولكنها في نفس الوقت تتحرك بسرعة لا 
متناهية، عبر مشاعرنا المتناقضة وأحاسيسنا المتنافرة مع بعضها!! 
7 7
فسر إيفا نيكولافيتش في خاطرتها )فخ قراءة - لماذا نفرط في 
كتابة الحزن؟( سبب تشبع نصوص الكتاب بحزن لا ينتهي، 
وكأن الكتابة أصبحت مصدرا للكآبة بدلا من أن تكون لغة تواصل 
وانفتاح ذهني على العالم، فتقول:) للمستائين لماذا نفرط في 
الكتابة عن الحزن، ولا نذكر الفرح في نصوصنا أبدا إلا قليل. 
لسنا أنانيين كما ندعي حين نفسر هذا بأننا نخشى أن تنفد سعادتنا 
إن كتبنا عنها. أبدا هذا كلام أدبي ظالم فقط لنتجاوز به الأشياء 
التي نعجز عن تفسيرها. ردات فعل الفرح واضحة يمكن التعبير 
عنها بالأفعال، الضحك، الرقص، الاحتضان، الهدايا، الزيارات، 
الأحاديث الطويلة، وأفعال أخرى كثيرة، ليس من بينها الكتابة 
لأن الفرح يكاد يكون محسوس، وطبيعي جدا أن تكون سعيدا 
وفرحا، فلا يخلق فرحك أسئلة طويلة عن سببه كالحزن المباغت 
الذي هو محفز الكتابة الأول. وإن فكر أحدهم أن يترجم سعادته 
بالكتابة سيكتفي بأول جملتين ثم يعجز، لا يجد ما يمكن أن يقوله 
لأن هناك ما يمكن أن «يفعله » ويكون أصدق في التعبير. لأن 
الفرح يعاش كله بالصخب وإلا لمر باردا بلا طعم، بينما الحزن 
تظل بعض بقاياه – وإن أشبعه صاحبه بكاء ونحيب – تعاش في 
الخفاء، الحزن طويل، عميق، وإن انتهى فبواعثه كثيرة جدا ومن 
المحال التخلص منها، كما قلت في الأعلى، نخلة، وربما ملعقة. 
قد يكون صرير الباب، أو حتى حذاء يرتبط بذكرى آفلة تجدد 
أحزان قديمة، هنا أنت بحاجة لأن تكتب، وستجد نفسك – كل مرة 
تمر فيها بباعث – مضطرا لأن تكتب بالتأكيد عن هذه الأحزان 
القديمة، عوضا عن أن المجال في اللغة أوسع وأبسط عند الكتابة 
عن الحزن. يكفي أحدهم أن يكتب: «أنا سعيد » فنكاد نراه يقفز 
فرحا فقط من هذه الكلمة لنفرح معه ونباركه، بينما الحزين يظل 
يكتب، ويكتب، ويكتب ويبقى يلازمه شعور بأن لا أحد ولا حتى 
هو نفسه استطاع أن يقدر حجم هذا الحزن والألم الذي يشعر به 
من خلال ما كتب فيستمر في الكتابة نصا بعد نص بقوالب كثيرة 
وربما مكررة حسب موهبة الكاتب بالطبع، ويظل الاحساس بما 
كتب قاصر وناقص. السعادة وقتية، الحزن طويل الأمد لتجدده. 
نسمة هواء عابرة تحمل رائحة طعام كانت تطبخه أمك المتوفاة 
كفيلة بأن تجدد شعورك بالفقد وكأنك للتو عرفت بخبر وفاتها( 
قامت )إليزابيث كيوبلر روس( بعرض تحليلي لنموذج كيوبلر 
روس المشهور بـمراحل الحزن الخمس في كتابها » عن الموت 
والوفاة »، وتصف الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع الحزن 
الناتج عن مصائب؛ كأن يكون الشخص قد شُخص بمرض 
خطير، أو عانى من خسارة كارثية، أو فقدَ شخصـًا عزيزًا 
مما أدى إلى صدمة نفسية. وقد وجه الكتاب الوعي العام إلى 
أهمية التعامل بحساسية أكثر مع الافراد في هذه الاوقات. 
8
إن المصائب متنوعة، وتأخذ أشكالاً مختلفة وأقنعة متغيرة، فإن كانت 
إليزابيث روس ركزت في شرح مراحل الحزن الخمس، على أساس 
المصائب النفسية، فإنها تنطلق من واقع محدد للحياة، الذي يحتوي 
على أشكال أخرى للحزن وعلى أنواع مختلفة من مسبباته، وكذلك 
يفعل الأدب، إنه انعكاس لنفسية وحالة الكاتب، حين يمارس فعل 
الكتابة بكل ما فيه من وعي أو عدم وعي غير مقصود، فإن أشياء 
عديدة تتسرب من روحه ونفسه إلى يديه وحروفه ومعانيه، حتى 
ولو لم يكن يقصدها، ولكنها بالتأكيد تقصده وتفضحه بكل سهولة!! 
جمال الجزيري لا يختلف عن الآخرين إلا بحساسيته 
الشديدة للحزن، والتي تقطر من كلماته ومعانيه مهما 
حاول إخفاءها بالمعنى الشامل والنهائي للنص، فحزنه 
يفضحه في كل مرة يتواصل فيها مع الحياة عبر الورق !! 
في هذه الرحلة الحزينة عبر ومضاته، سنستخدم أجنحة الخيال ونسافر 
عبر حزن ومضاته، ونتوقف عند كل محطة استراحة من مراحل 
الحزن، التي قد تصبح ألف مرحلة ومرحلة في ذات يوم قريب !! 
-1 المحطة الأولى: مرحلة الإنكار: 
ويكون مجرد مرحلة مقاومة نفسية لواقعية المصيبة لاإراديا 
للتخفيف الذاتي من الشعور الأولىّ بالصدمة «أنا بخير « ،» لا 
يمكن أن يحدث هذا، ليس لي » وهو مجرد دفاع مؤقت للفرد؛ 
هذا الشعور عامة يُستبدل بالوعي الشديد بالمواقف والأفراد... 
ويتخيل الفرد حينها أن المصيبة ما زالت في مرحلة الإنقاذ 
وان من الوارد استرجاع ما فقد )وفى بعض الأحيان لا يصدق 
فكرة الفقد في حد ذاتها ويحاول اقناع نفسه بأن الخبر ليس 
أكيدا، كنوع من إعطاء النفس بعض الأمل في احتمالية النجاة. 
جمال الجزيري يمارس في هذه المرحلة الإنكار من أوسع أبوابه 
غير المغلقة في عينيه، فهو في ومضة )صهد( يستخدم كلمة 
)إشراق( و)شمس( لوصف المرأة التي لا تمل انتظار عودة 
ابنها من غربته، كي ينير لها ظلمة الحياة من بعد غيابه عنها، 
مع أن الراحلين حين يرحلون لا يغادروننا وينتقلون للسكن في 
قلوبنا، فهي بمجرد تخيل شمس ابنها تحرقها حرارة وجوده في 
خيالها، ومع ذلك تبقى تنتظر ابناً قد لا يعود، إنها حالة إنكار 
متكاملة لظروف الحياة القاسية التي تدعونا إلى اليأس مرغمين، 
ولولا هذا الإنكار لما انتظرت ولما تجسد الأمل في قلبها!! 
)صهد( 
انتظرت الأم إشراق شمس ابنها من غربته. لفحها 
الصهد ومازالت تنتظر. 
وفي ومضة )قهقهة( 
يصنع إنكاراً من نوع مختلف، إنه إنكار الادعاء والتجاهل، 
فيتناسى الشيء كي ينساه، مع أن كلَّ نفسٍ يأخذه من 
الحياة يذكره به !! 
الهموم تهزمه كل لحظة، وهو ينظر إليها ببرود ويبتسم، إن القارئ 
لن يصدقه أبداً، فالنص يفيض بحزن الانكسار والهزيمة، مما 
يجعل القارئ يتذكر بعض همومه ويحاول أن يبتسم، ولكنه سيفشل 
بالتأكيد، وسيضحك بأعلى صوته، لأن شر البلية ما يضحك!! 
)قهقهيعرف من هو ومن أين أتى؟ وما المصير، وماذا وراء هذا الوجود؟ 
وإلى أين نذهب، وهذا يدخل في ما أطلق عليه بعض علماء النفس 
9
المعاصرين )قلق الوجود(، كما أطلقوا عليه )عصاب اللامعنى(!! 
)لقاء( 
قال: « إنني أنا « قلت: « بالتأكيد هو » لكننا عندما التقينا 
تأكدت أنني لم أعرفه يوما. 
-2 المحطة الثانية: مرحلة الغضب: 
وهي المرحلة التي تلي تأكد الوعي النفسي بحقيقة وقوع المصيبة، 
وانتهاء احتمالية انكارها، أو استبعادها، وهي مرحلة من التذمر 
«لم أنا؟ هذا ليس عدلاً « ،» كيف يحدث هذا لشخص مثلى؟ ،» 
«مَن المُلام على ذلك؟ »: وما إن يدخل الفرد المرحلة الثانية حتى 
يدرك أن الانكار لا يمكن أن يستمر؛ بسبب الغضب الذي ينتاب 
الفرد يصبح من الصعب جداً رعايته لما يكنه من مشاعر ثورة. 
يقول توم جيتس :)الغضب هو الشكل المطور والجبان عن الحزن، 
فمن السهل أن تظهر بشكل الغاضب بدلاً من الظهور بمظهر 
الحزين!!( ويقول هوراثيوس :)الغضب هو جنون مؤقت!!( 
وكذلك يفعل جمال الجزيري، فهو لا يخجل عن الإفصاح عن 
حزنه وهو في قمة غضبه، كما جاء في ومضة )صورة( وومضة 
)ركوب(، فهو يُعقْلن غضبه الشديد بإبرة حزنٍ مخدرة شديدة 
الفعالية، عندما يقف على جهة مضادة من الآخر، وينظر إليه 
ويتأمل فيما يفصل بينه وبين الآخرين، من مشاعر وذكريات 
وكرامة جريحة، إنه الغضب المكتوم بأيدي طهارة الحزن المقدس، 
الذي يخدش جروحه التي اختفت ظاهريا ويوقظ النائمة منها في 
الذاكرة، إنه الغضب بقالب من الوحدة الاختيارية، التي لا تشبه 
الانعزال، فهو يريد استرجاع الذكريات الأليمة عن طريق الصور 
وكأنه يريد أن يلمس ذكرياته أو على الأقل يشعر بألمها مجدداً !! 
)صورة( 
واقفُ بجهة. واقفةُ بأخرى. وما بيننا أنين 
ونبضات فرح وكرامةُ جريحة. 
)ركوب( 
أقلب صوري. علمها يبتهج بيدي. يخفق قلبي. 
أدمع. يتلعثم لساني. 
في ومضة )خريطة الروح( نرى الغضب المشبع بالتحدي، 
في لحظة حزن قاسية، تجعل المجابهة وحتى الموت وسيلة 
للخلاص، إنها ثورة الحزن التي تطل برأسها إلى الحياة، من 
رحم اليأس وخيبات الأمل المتكررة، الحزن يسبب الملل من 
الخوف، فالخوف أكثر ما يكره الحزن، لأنه يغلق منفد الحزن 
الوحيد ويفضحنا، الخوف يغلق العينين ويجعلها فارغة إلا من 
الارتعاش !! 
الحزن يجابه الخوف بالغضب، لأن الخوف يؤثر على تفكير 
الإنسان فيبقى متردداً، لا يستطيع اتخاذ أي قرار، ويعاني في 
داخله من صراع مرير مع الذات والحياة !! 
)خريطة الروح( 
حاصرني واقتلني كما تشاء.. بالروح النازفة مني حبر قلم 
يرسم خريطة وطن ويشكل ملامح البلاد. 
10
- المحطة الثالثة: مرحلة المساومة: 
فقط دعني أعيش لرؤية أطفالي يكبرون. « ،» سأفعل أي شيء من 
أجل أن تعود لي »: المرحلة الثالثة تحتوي على الأمل بأن الفرد 
يمكنه فعل أي شيء لتأجيل الموت/الفقد، أو استرجاع ما فقد أو 
التعويض عنه. 
جمال الجزيري في هذه المرحلة، يبدو كمن يؤمن بمقولة الشاعر 
واسيني الأعرج: )يحدث أن ننسى ذاكرتنا، وننغمس في أحزان 
التفاهات اليومية!!(، ولكنه يرفض أن يساوم إلا بشروطه هو، 
فحزنه يأبى القهر، ولكنه يرحب بالأمل حتى ولو كان ليس أكثر 
من خدعة عابرة!! 
في ومضته )نكاية( تساومه وتراوده نفسه الأمارة بالسوء، فيدخل 
في مساومة سريعة في داخله بحثاً عن النفس المطمئنة، فلا يجد 
سوى النفس اللوامة، فيقرأ المعوذتين ويصلي ركعتين، وينام 
ويحلم بيوم جديد، إنها مساومة الرضا الداخلي والهدوء الذي يأتي 
بعد العاصفة !! 
)نكاية( 
راوده في آخر الليل: «كأنك تدعو حجرا ». قرأ المعوذتين، 
وتوضأ لركعتين. 
في ومضته )ناصح( مساومة من نوع آخر، إنها مساومة الحاجة 
والشعور بالهزيمة المطلقة، وغض البصر مرغماً عن التناقضات 
التي تعصرك وتمتصك حتى التلاشي، في أسلوب حياتهم اليومي 
الذي ترفضه صامتاً، ويشير كل جزء من كرامتك الذبيحة إليه !! 
)ناصح( 
نصحني بأن أساير الفرص وألون وجهي، واستأذن ليذهب لحلقه 
عن فلسفة القيم. 
في ومضته )ومضة( مساومة الخيال، وابتكار الوهم وشرب كأس 
الأمل المفتعل، فإن لم تأت الحقيقة إلينا، لا بأس بأن نقسم لأنفسنا 
أنها كانت قبل قليل تركع أمامنا !! 
)ومضه( 
نور تجلي لي. قبضت قبضة من أثره ودوَّنتُه بأنفاسي. 
-4 المحطة الرابعة: مرحلة الاكتئاب: 
«سأموت على أي حال، ما الفائدة من أي شيء سأفعله؟ « ،» لقد 
رحلت/رحل، لماذا أستمر بعده/عدها؟ »: يبدأ الفرد في المرحلة 
الرابعة في فهم حتمية الموت/الفقد/الظروف القاهرة، ولهذا يصبح 
المرء أكثر صمتــًا، ويرفض مقابلة الزوار، ويمضي الكثير 
من الوقت في البكاء، تسمح هذا المرحلة للفرد بقطع نفسه عن 
الأشياء/الأشخاص المحبوبة له. لا ينصح أن تتم محاولة إبهاج 
الفرد الذي يمر بهذه الحالة؛ لأنها حالة يجب أن يمر بها ويتعامل 
معها. 
11
جمال الجزيري يعمل بالحكمة المجهولة النسب :)الحزن ينظر 
إلى الوراء، والقلق ينظر حوله، والإيمان يتطلع( ) Sorrow 
looks back, worry looks around, faith looks 
up ( لذا فهو يحمل نفسية شفافة من زجاج، ولكنه زجاج 
ضد الكسر، قد لا يكون منيعاً أمام الحسرة، كما في ومضة 
)حسرة( ولكنه دائماً يضع الأهداف ويعمل من أجلها، قد 
يصاب بخيبة الأمل، ليس بسبب الفشل، ولكن بسبب تجاوز 
قطار الحياة والعمر الذي لا يتوقف لأحد، وكأنه يحيا في زمن 
لم يولد فيه أو أتى مبكراً، وهذا أهم سبب للشعور بالاغتراب 
والكآبة، وهذا هو بئر الحزن الذي لا ينضب أبداً!! 
)حسرة( 
وضعت هدفي نصب عيني. حققته كما أردت. 
اكتشفت أن الطريق فاتتني. 
في ومضته )طين( نلمس بعيوننا كآبة من نوع آخر، كآبة تتعلق 
بفلسفة الوجود نفسه، والبحث عن الذات، مرحلة عشق صامتة 
للتلاشي والانعزال، مرحلة اعتراف ضمني بفشل التواصل مع 
الذات والمحيط، في لحظة يأس قاسية، فأفكار وأفعال الآخرين 
قد لا تؤذينا بمقدار ما تشككنا بأنفسنا وبآرائنا !! 
)طين( 
نمزج تفاهات الطين ونشكل منها نوراً للبشر. لم 
يحتمل نورنا. حاول أن يطفئَها بطفحِ فمِه. 
في ومضاته )توعد( و)أم المسرح( و)واردها( تُكشِّر الكآبة 
عن أنيابها ومخالبها الحزينة، ولكنه دفاع عن النفس فقط، 
وليس بقصد الهجوم أو المباغتة، إنه دفاع اليأس أو التهديد 
بالمقاومة، فالشعور بالعجز يفتح نافذة الحزن على مصراعيها، 
لكل طيور الخوف التي تحلم في السكن في اقفاص القلوب 
الدافئة، لذا تأتي الومضة كشريط سينمائي، أو صورة متحركة 
تعكس مشاهد متداخلة، يجمع بينها خيط خفي، وإن كانت تبدو 
بعيدة في الزمن والمكان، إلا إن الحزن هو سيد الموقف فيها، 
فهو الرائحة !! 
)توعد( 
قبر وقبر وبينهما قبر. يتساقط المطر. تطرح الأرض 
رؤوسا متوعده. 
)أم المسرح( 
خشبة مسرح. إعصار صناعي. تبديل أقنعة. جمهور 
غارق. إعصار حقيقي. جوقَةٌ مطارَدَة. 
)واردها( 
أرض قاحلة. غليان. ينابيع .. أرض نابته. سماسرة ماء. 
غليان. 
-5 المحطة الخامسة: مرحلة التقبل: 
«ما حدث حدث، ويجب أن أكمل الطريق « ،» لا فائدة من 
المقاومة، من الأفضل أن استعد لما سيأتي »: تمد المرحلة 
الأخيرة الفرد بشعور من السلام، والتفهم للفقد الذي حدث/ 
القادم. عامة سيفضل الفرد في هذه المرحلة أن يُتركَ وحيداً، 
بالإضافة لذلك قد تنعدم لديه مشاعر الألم، وتعد هذه المرحلة 
نهاية الصراع. 
12
جمال الجزيري هنا ينتقل بين مفهومين لتقبل حالة الحزن، بين 
ما يقوله آمبروس بيرس: )المصائب نوعان: حظ عاثر يصيبنا 
وحظ حسن يصيب الآخرين!!( وبين ما يقوله توماس جيفيرسون: 
)أنا مؤمن جداً بالحظ، وكلما عملت بجد أكبر كلما حصلت 
على المزيد من الحظ!!(، فهو يسعى للتصالح من نفسه، كي 
يتفرغ للخصام مع العالم وإقلاق راحته كما يشاء وكما يريد !! 
جمال الجزيري إذا توقف لحظة عن القلق، فهذا يعني، 
ومضات جديدة بنَفَسٍ يتصالح مع القارئ، ويزرع فيه 
الأمل، ولكنه يبقى كعادته دائماً يأتينا بثوب حزين !! 
في ومضته )ربيعي( ومع كل الأمل الذي يشع عبر كلمات النص، إلا 
أنه يُصرُّ أن يأخذه من أغنية حزينة تدمي قلوبنا، إنه ماهر جداً في 
زرع الحزن في حقول قلوبنا وإطعامنا فاكهة الحزن اللذيذة مرغمين !! 
)ربيعي( 
استمعت لأغنية حزينة تقلب الوجع وتعلو بالرأس. انفرج قلبي 
واحتضنت غدي. 
وفي ومضة )قافلة( يظهر التقبل على شكل وهم يصنعه 
بيديه، ليخبرنا أن عصير التجاهل، قد يتغلب ولو لوقت 
قصير على نكهة الحزن في كل شيء فينا وحولنا !! 
)قافلة( 
أتيقظ لحظة. يصدمني الغياب ويعصف بي النوم، فأعود 
لتناومي كأن القافلة تسير. 
وفي ومضة )قناع 12 ( يحاول أن يمارس فن التقبل، على كل شيء 
يتحرك فينا ويبعث على الشعور بالخوف والحزن، وعلى فكرة القبول 
بالآخر مهما كان مجهولاً لدينا، كوسيلة لاكتشاف راحة الذات، والخلود 
إلى الطمأنينة حتى ولو كانت الرحلة تسير خلف بوصلة معطلة!! 
)قناع 12 ( 
تتأمل صورة رجل باسم بفزع. تحترق غضبا وانفعالا. تلقي 
بنفسها في بحار أوهامها. 
وفي نهاية هذه الرحلة التي أفكر بأن لا أسميها حزينة، مع أنها تسافر عبر 
أجنحة الحزن، إلى فضاءات جمال الجزيري الحزينة والشاسعة، أتذكر 
كلمات نور البواردي :)كيف سأقول للحزن )وداعاً( دون أن أبدو خائنة 
للعشرة؟!( فكيف سنقول للدكتور جمال الجزيري :)وداعاً( ونحن لا 
نفكر في مفارقته في الأصل، ولكنْ ما يجبرنا على الابتعاد عن ومضاته، 
ولو لفترة قصيرة، هو كلمات عبده خال في )الأوغاد يضحكون( :)إذا 
كثرت أحزانك.. نم !!( .. وهو كذلك.. أنا ذاهب إلى النوم الآن، مع 
أنني أعلم جيداً، أني سأحلم بكلمات جمال الجزيري الحزينة مرغما !! 
محمود الرجبي 
المراجع 
أسعد الجبوري. «مشروع للتجريب في حساسية اللغة http:// .» 
www.alimbaratur.com/index.php?option=com_ 
773=content&view=article&id 
13
إليزابيث كيوبلر روس. عن الموت والوفاة. 
إيفا نيكولافيتش. «فخ قراءة - لماذا نفرط في كتابة الحزن؟ » 
8 مارس /http://azo0of.wordpress.com .2014 
B%D8%A7%D8%85%D9%84%D9%/08/03/2014 
-B7%D8%B1%D8%81%D9%86%D9%-A7%D8%0 
8A-%D9%81%D9% 
-A9%D8%A8%D8%A7%AA%D8%D8%83%%D9 
/2-86%D9%B2%AD%D8%D8%84%D9%A7%D8% 
جمال الجزيري. فتافيت الصورة. القاهرة: الهيئة العامة لقصور 
الثقافة ]فرع ثقافة القاهرة[، 2001 . 
جمال الجزيري. 34« ومضة ». ومضات مايو 2014 . الكتاب 
الأول في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة 
تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: 
جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 
2014 . ص 11 - 15 . 
جمال الجزيري. 81« ومضة ». ومضات يونيو 2014 . الكتاب 
الثاني في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة 
تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: 
جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 
2014 . ص 5- 15 . 
جمال الجزيري. 92« ومضة ». ومضات يوليو 2014 
والأرشيف. الكتاب الثالث في سلسلة كتاب الومضات الشهرية 
الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على 
الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك 
العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 14 - 25 . 
جمال الجزيري. 68« ومضة ». كتاب ومضات أغسطس 
2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية 
الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على 
الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك 
العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 5- 19 . 
د. خيري دومة، تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة، 
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998 . 
داود سلمان الشويلي. «القصة الومضة ... ملاحظات أولية .» 
السبت 28 يونيو http://althakife.blogspot. .2014 
html.7888_blog-post/06/2014/com 
د. سعيد علوش، في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار 
الكتاب اللبناني، سوشبريس، الدار البيضاء، 1985 . 
د. محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة: 
أصولها، اتجاهاتها، أعلامها، منشأة المعارف، الإسكندرية، 
.1983 
ولسن ثورنلي، كتابة القصة القصيرة، ترجمة، د. مانع حماد 
الجهني، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 1992 . 
هورست ريديكر. الانعكاس والفعل. 
14
كلمة 
ونظرة 
عين تعليق 
على ومضة 
جمال الجزيري 
بقلم أ.د بهاء محمد 
مزيد ..رئيس قسم 
اللغة الإنجليزية. 
جامعة سوهاج. مصر 
د.جمال الجزيري 
الومضة 
هناك ... 
سألها بعفوية: «من أين أنتِ؟ » تلعْثَمَتْ. ردَّتْ بحيادٍ: «من هُنَا »، وعيناها 
تشردانِ بعيدً ا. 
)جمال الجزيري( أخرجني هذا النّص القصير المكير من حالة وخم ألمت بي وهكذا 
تفعل النّصوص الجميلة وقليلة ما هي. أرغمني أن أوجّه وجهي حيث تشير تعابير 
الإشارة فيه. )سوف تبقى التعابير الإشارية deictic مفتاحا من مفاتيح كنوز اللغة 
البشريّة.( 
عنوان الومضة «هناك » يحيل إلى مكان بعيد - بعيد من نقطة الحدث، من حيث 
الغائب الذي يشير إليه الضمير المستتر «هو » والغائبة التي يشير إليها الضمير 
المتّصل «ها » في «سألها » وتاء التأنيث في «تلعثمت » و »ردّت » والضمير 
المتّصل «ها » في «عيناها ». وقد يكون بعيدا منك وأنت تقرأ فيشير إلى حيث يقع 
الحدث/ الحوار. إجابتها لم تكن عفوية كما كان سؤاله فقد تلعثمت قبل أن تجيب. 
إجابتها في ظاهرها بسيطة شافية كافية – «من هنا ». من المفترض أن يفهم السائل 
أنّ المسئولة تنتمي إلى المكان الذي يقع فيه الحوار، من النقطة التي جمعته بها. 
غير أنّ لغة الجسد وتعبير العينين يربك حساباته وحسابات القارئ. كيف يمكن أن 
تتصالح اللغتان لغة الحروف والكلمات ولغة العينين؟ هل تريد أن تقول «أنا من 
هنا حقّا لكنّني أتطّلع إلى هناك. لا أنتمي إلى هنا بل إلى مكان بعيد »؟ أم تريد أن 
تقول «أنا حقّا من هناك، من مكان بعيد، غير أنّه منّي قريب - فتشير إليه وكأنّها 
تعيش فيه «هنا »؟ لا بأس بأيّ من التفسيرين ولعلّ بلاغة الومضة تكمن في بقاء 
الإشارة عالقة بين «هنا » و »هناك »، بين مكان ينتمي إليه الجسد ومكان يهفو إليه 
القلب والروح. 
15
اللغة الأدبية 
أ.د. بهاء محمد مزيدـ رئيس قسم اللغة الإنجليزية ـ جامعة سوهاج ــ مصر 
اللغة الأدبية مفهوم مائع لا سبيل إلى تقييده ولا يمكن النّظر إليه بمعزل عن السياق والسياق من بين أركانه غايات 
النّص والمشاركين في الخطاب والجنس الأدبي/ الخطابي وغير ذلك. تستطيع مفردة دارجة أن تكون أدبيّة في موقف 
ما وقد تكون كلمة فخمة عتيقة نافرة في سياق آخر .... أراك يا صديقي انجرفت إلى مناقشة اللغة الأدبية بمعنى اللغة 
المؤدّبة ولم يكن هذا ما أوحى به تساؤلك من البداية. أرى أن نفصل بين الموضوعين ... 
كما اتفقنا اللغة الأدبيّة هي اللغة التي تحقق غايات النّص الأدبي. على سبيل التفصيل ينبغي النّظر إلى لغة النّص من 
خلال الزمان والمكان فلا يليق أن يقول زوج لزوجته في المطبخ «تبًّا لك يا امرأة » ثم الزمان فلا يليق أن تجد في 
نص يكتب عام 2014 مفردات تعود إلى الجاهلية إ لاّ على سبيل المحاكاة )الباروديا( أو التّناص والمفارقة التاريخية. 
ثم المشاركون في الخطاب فلغة النادل لا تشبه لغة العالم ولا تشبه لغة السياسي ولا تشبه لغة السكارى. ثم غايات 
النّص وأهدافه وغرضه بالمعنى القديم لمفهوم الغرض الشعري. ثم تتابع فقرات النّص وأجزائه وهنا تكمن أهميّة 
الملائمة ومراعاة مقتضى الحال والمقام. ثم نغمة النّص والإيقاع الذي يهيمن عليه فما يليق بالفكاهة لا يليق بالإقناع 
لا يليق بالإخبار وهكذا. ثم أدوات النصّ في تحقيق بلاغته وغاياته ومنها الاستعارة والسرد والوصف والحوار ثم 
القواعد التي تحكم إنتاج النّص )تذكّر شروط د. جمال الجزيري للومضة على سبيل المثل( والجنس الخطابي الذي 
ينتمي إليه النّص فليس النثر كالشعر وليست القصيدة كالقصّة القصيرة ولا كالومضة. هذا تبسيط مخلّ أرجو أن تسنح 
فرصة لتطبيقه وتفصيله. 
16
د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر 
د. جمال الجزيري 
الأدب والتمرُّد 
إلى روح أستاذينا شكري عيَّاد وأمين الخولي 
التمرُّد الأدبي يعني أن يتمرد الأديب على شكل ما أو عنصر ما من عناصر النوع الأدبي. وهذا يستتبع بالضرورة أن يكون قد هضم 
هذا الشكل أو العنصر واستوعبه جيدا بحيث يدرك أوجه قصوره وكيف أنه لم يعد قادرا على أن يلبي الحاجة التعبيرية الحالية 
للأديب. أن تتمرد يعني أن تستوعب كل ما سبقك وتحاول التعبير من خلال إطاره فتجده غير قادر على أن يوفي رؤيتك الأدبية 
حقها، ومن هنا تفكر في تطوير هذه الأشكال أو العناصر أو الأساليب من داخلها، لا أن ترفضها لمجرد أنك لا تستوعبها أو أنك لم 
تطلع عليها أو أنك لا تجد الوقت للإلمام بها وهنا تجد نفسك في نقطة الصفر وتعرض نفسك للسخرية من القارئ. 
هناك شكليات متعلقة باللغة لا يمكنك التمرد عليها مثل استعمال علامات الترقيم وبناء الجملة والتشكيل وأدوات التعريف 
والتنكير ومعظم القواعد اللغوية، لأنها هي التي تم التعارف عليها بوصفها أدوات للتعبير ونقل المعنى اللغوي. لو استعملت 
الفاصلة المنقوطة محل الفاصلة مثلا، ستقع في خطأ لن يغفره لك أحد لأن كل منهما له وظيفته وإذا تبدل ستتبدل الوظيفة 
ويتبدل المعنى وسيحدث خلط ولبس بالتأكيد لدى القارئ وأول تفسير منه سيتمثل في أن هذا الكاتب جاهل لا يلم بأدوات لغته. 
ونفس الأمر بالنسبة للسرد، فقد تتغير وظيفة السرد وغاياته وحتى شكله، لكنه يظل عنصرا 
أساسيا في النصوص التي تتخذ السرد عنصرا يمدها بهويتها ويميزها عن الأنواع الأدبية الأخرى. 
المنجزات التي تم الوصول إليها أوو تحقيقها في نوع أدبي ما تصير أقرب للمسلَّمات في هذا النوع. السرد الأخلاقي 
مثلا الذي كان يستعمل السرد لمجرد توصيل قيمة أخلاقية أو التعبير عن فكرة لم يعد له مجال في الأدب الحديث. 
ولذلك عندما يعود الكاتب إلى جعل النص السرد وسيلة للتعبير عن مغزى أخلاقي مباشر، لن يكون نصه أدبيا. 
اختلاف وسيلة التعبير وبيئة التعبير يؤثران على شكل التعبير ذاته. الثقافة الشفاهية لها وسائلها التي تختلف بالتأكيد 
عن وسائل الثقافة الكتابية. عندما يكون المؤلف حاضرا بجسده وسط جمهور ويتناول موضوعا يعرف هذا الجمهور 
أبعاده، يمكنه أن يتجاهل بعض عناصر الموضوع لأنها معلومة بالضرورة لكل أفراد هذا الجمهور. أما عندما يتحرر 
النص من سلطة المكان وسلطة الزمان في النص المكتوب، فلابد أن تكون كل عناصره التي تضمن بقاءه موجودة فيه. 
17
الأدب بطبعه نوع من التمرد، لكنه تمرد واعٍ يقوم على معرفة وثيقة وتفصيلية واستيعابية لما يتم التمرد عليه. عندما نشرت 
«فتافيت الصورة » في 2001 وكنت قد كتبت نصوصها في السنوات العشر السابقة على تاريخ النشر، كانت معظم قراءاتي 
كلاسيكية ومعظم النصوص التي كنت أقوم بدراستها وتحليلها بحكم عملي ودراستي كلاسيكية أيضا وكنت أستوعبها جيدا، لكنني 
عندما بدأت الكتابة كنتُ أشعر بأن هناك شيئا ما ناقصا في هذه الكتابات الكلاسيكية وأنني لا أستطيع أن أعبر عن عالَم أكبر 
مني ولا أستطيع أن أتفاعل معه إلا جزئيا إلا عن طريق النصوص القصيرة جدا التي تقتنص زاوية ضيقة أو صغيرة للنظر هنا 
أو هناك دون أن تستطيع أن تحيط بهذا العالم علما أو دراية شاملة. أظن أن القصة الومضة والقصة القصيرة جدا تنبع من هذه 
الزاوية. 
أن تخطأ في اللغة أو تستعمل تعبيرات لغوية مباشرة تهدف إلى نقل فكرة مباشرة، أو تسيء استعمال أدوات الترقيم أو لا 
تستوعب إطار الشكل الذي تكتب فيه أو تتعالى على التعليقات التي تشير إلى خطأ بيِّن - فهذا جهل ولا علاقة له بالتمرد. 
التمرد من الخارج وقوف على الشط دون تجربة ولا يُعتَد به. التمرد من الداخل يتم بناء على خبرة ومعرفة ودراية واطلاع 
وقراءة وهضم واستيعاب وإدراك لجوانب القصور، وهو الذي يستحق اسم التمرد لأنه لا ينم عن جهل. 
18
عباس طمبل ـ السودان 
العلاقة العضوية بين 
القصة الومضة والقصة 
القصيرة جدًا ..قراءة 
نقدية في ومضة 
)مشاعر نقدية(.أ محمد 
سعيد ـ مصر وقصة 
قصيرة جدا.)تمنع( 
أ.جمعة الفاخري ـ ليبيا 
19 
توطئة: في هذه المقالة سأكمل ما بدأته في العدد الثالث من مجلة سنا الومضة الالكترونية )أغسطس 2014 ( 
عن العلاقة العضوية بين القصة الومضة والقصة القصيرة جدًا، وقمت باختيار قصة بعنوان )تمنعٌ( 
من مجموعة الأديب الليبي جمعة الفاخري )عناق ظلال مراوغة( الصادر عام ) 2004 ( وقصة ومضة 
للكاتب المصري محمد سعيد بعنوان )مشاعر نقدية( نُشرت بكتاب ومضات أغسطس 2014 . نجد أن 
القصة الومضة والقصة القصيرة جدًا، في الكثير من الأحيان يفصل بينهما زمن الحدث والتوسع في 
السرد وترك الراوي الحرية للشخصيات التعبير عما بداخلها وتقديم الحدث من زاوية أوسع من القصة 
الومضة التي تقضي التكثيف الأشد، فربما تأتي المقدمة والعقدة في جملة واحدة، ويقدم بعدها مباشرة 
الراوي الحل. 
أولا: القصة القصيرة جدًا تمنع 
اِحْتَوَتْهُ بِعَيْنَيْهَا .. اِنْزَلقَ بَصَرُهُ نَحْوَ وَجْهِهَا الْبَهِيِّ .. تَبَاعَدَتْ شَفَتَاهَا عَنْ بَعْضِهِمَا .. تَخَلَّصَتَا مِنْ عِنَاقٍ 
صَامِتٍ .. سَطَعَتْ مِنْ ثَغْرِهَا ابْتِسَامَةٌ صَافِيَةٌ .. حَاوَلَ أَنْ يَرَدَّ لَهَا الْهَدِيَّةَ .. اِلْتَصَقَتْ شَفَتَاهُ بِبَعْضِهِمَا .. 
اِزْدَادَتَا تَشَبُّثًا بِالْعِنَاقِ .. 
تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ ابْتِسَامَتَهُ فِي مَكَانٍ مَا .. 
ــــــــــ 
نجد في هذه القصة القصيرة جدا أن البدايةَ حدثيةٌ، فبدأت القصة بالجملة الفعلية التي تتكون من فعل 
وفاعل ومفعول به، الفعل الماضي )احتوته(، ونجد أن المفعول به هو الرجل الذي عاد عليه ضمير الهاء 
في احتوته، والفاعل هو تلك المرأة الجريئة التي يعود لها ضمير الهاء في بعينيها. انزلاق البصر قد 
يحيل إلى فعل آتى رغما عن هذا الرجل وأنه غير مرتِّب لهذه النظرة لوجهها الجميل، ربما يكون مسلوب 
الإرادة وتعرض لصدمة من قبل ولا يقوى على تحمل صدمة أخرى..
تباعد الشفتان والعناق الصامت يوحيان بأن هذه المرأة هي من 
امتلكت زمام المبادرة.. 
عكس ما يُنظر لها، فالنظرة المتعارف عليها عن المرأة في 
المجتمعات العربية وحسب العادات والتقاليد تفرض على المرأة 
التمنع وعدم المبادرة والإفصاح عن مشاعرها للرجل حتى ولو 
بالنظر. ونجد أن هذا الرجل حاول رد الابتسامة ومبادلتها العناق، 
لكنه على ما يبدو مسلوب الإرادة لا يملك مشاعره، أو ربما يتمنع 
من القرب من هذه المرأة والاستجابة لها لأن مشاعره ليست ملكه، 
فربما قلبه وعقله في مكان آخر مع من يحب ، وربما هو مشغول 
بأشخاص آخرين ومكان آخر ولا يستطيع أن يبتسم لها لأنه موجود 
بجانبها جسدا فقط، وروحه في المكان الآخر وأنه صادق المشاعر 
لمن يحب، وقد يكون شخصا مهموما بموضوع آخر، ولا يهمه من 
يقف بجانبه، أو أنه تعرَّض لموقف من قبل كصدمة عاطفية ولا يريد 
تكرار تلك التجربة. المفارقة هنا ربما لم تظهر بالمعنى المفهوم، 
حيث لا يشترط وجود مفارقات القصة القصيرة جدا والومضة، فهنا 
سار الحدث كما تأمله المرأة وحاول الرجل أن يتجاوب معها بالفعل 
لكن ذكرياته منعته من المواصلة. ولم تحقق الابتسامة ونظرات 
الاحتواء النتائج التي كانت تتمناها، لذلك عندما أراد أن يبتسم لها 
أدرك أن سعادته موجودة في مكان آخر عند أشخاص آخرين. 
المدي الزمنى للنص في القصة القصيرة جدا ركز على فترة زمنية 
قصيرة ربما امتدت لعدة دقائق، ما بين الاحتواء بالعيون والعناق 
الصامت ونسيان مشاعره في مكان ما وانتهاء الحدث على غير 
المتوقع وسيره في اتجاه عكسي لتوقعات الشخصية المحورية. 
مكان الحدث هنا غير معلوم بالضبط أين هو، لكن يبدو أنه 
في أي مكان عام يتواصل فيه الناس مع بعضهم البعض، 
فمن الممكن أن يكون مكتبا أو مستشفى أو حديقة عامة. 
زمن الحدث هنا الزمن الماضي. 
الناظر لأسلوب السرد هنا يجد القصة مروية بضمير الغائب المفرد، 
واستعمال هذا الضمير قد يعطي خصوصية للنص، المنظور السردي. 
20
هذه القصة مروية من منظور خارجي لراوٍ لا يشارك في 
الأحداث، ولا يوجه الشخصيات ولا يفرض عليهم وجهة 
نظره، بل كأنه يقف في منطقة محايدة وينقل لنا الأحداث بشكل 
تلقائي، عدا الجملة الأخيرة )تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ ابْتِسَامَتَهُ فِي مَكَانٍ 
مَا(. وهي خاتمة للنص مروية من منظور داخلي على شخصية 
الرجل في هذه القصة، لتكشف لنا أنه مهموم وترك فكره في 
مكان آخر. 
العنوان )تمنع( يوحي بأن المجتمع أصابه شرخ في سلوكه 
وتغير حاله، وقد كانت المرأة هي المتمنعة والخجولة، والرجل 
المبادر بنظرات الأعجاب والسؤال عندما تعجبه أمراه. لكن 
هنا في هذه القصة قد خرقت نظرة المجتمع السائدة للمرأة 
حسب متغيرات السلوك العام، وهو سلوك معظم نساء هذا 
المجتمع في الآونة الأخيرة، إذ نجد أن الخجل والحياء قد رحل 
من وجوه معظم النساء في هذا الزمان، على عكس ما كان في 
السابق حيث لا تبادر عادة المرأة بنظرات الإعجاب، كانت 
تنتظر من الرجل أن يبادر. 
ثانيًا: القصة الومضة 
مَشاعِر نقدية 
قال منكسرًا: لم أعد أمتلك سوى قلبٍ يحبك. 
أجابته: إذًا.. فلتُوْصِ إليّ ببيع أعضائك!! 
ـــــــــــــ 
تعكس هذه الومضة للكاتب المصري محمد سعيد حالة منتشرة 
في المجتمعات العربية التي لا تعترف إلا بالمال فقط. بدأت 
هذه الومضة بالبداية الحدثية حيث نقل لنا الراوي الحدث 
مباشرة على غرار الحوار المسرحي، ونجد أن هذا العاشق 
المسكين ربما لا يمتلك المال إنما قبله كي يقدمه لهذه المرأة، 
في سبيل إسعادها. لكن يبدو أن هذه المرأة يسيطر على عقلها 
طغيان المادة أكثر من اهتمامها بالعلاقات الإنسانية النبيلة. 
21
)لم( حرف الجزم الذي يؤكد أنه لم يعد لديه غير ذاك القلب 
المخلص الوفي لمن يحب حتى عندما فقد الأمل في هذه الحياة. 
وربكا كان الانكسار حدث بفعل الصدمات التي تعرض لها وربما 
لم يستطع الوفاء بوعده لهذه المحبوبة أو الزوجة التي تعشق 
المال فقط. أو من زاوية أخرى ربما كان هذا الرجل صاحب ثروة 
ضخمة وخسرها تحت أي ظرف من الظروف نظرًا لمتغيرات 
كثيرة في المجتمع فرضت عليه هذا الوضع الجديد الذي لم تحتمله 
الزوجة المادية التي تريد المال ولا شيء غيره، لذلك حتى بعد أن 
يموت تريد المقابل من أعضائه البشرية. 
عندما ننظر إلى المدي الزمني للحدث، نجده يمتد فترة زمنية 
قصيرة ما بين قوله لم يعد يملكه غير قلبه الجريح وبين إجابة 
المرأة المتمثلة في طلبها منه أن يكتب لها وصية ببيع أعضائه. 
الشخصيات نستشفها من خلال السياق السردي، أنه رجل محب 
لا يملك سوء قلب منكسر وامرأة – زوجة أو محبوبة – مادية 
عاشقة للمال. 
البداية حديثة حيث ينقل لنا الراوي الحدث من خلال الفعل المنفي 
لم، فالرجل لم يعد يملك في هذه الدنيا سوى مشاعره الصادقة فقط 
وحبه لهذه المرأة. 
والنهاية حديثة توحي بأن الشخصية المساعدة لا 
تقبل هذا الحب بل تريد المقابل ولا شيء غيره. 
مكان الحدث غير معلوم في النص، لكن يمكننا أن نستدل عليه 
أنه مجتمع مادي لا يعترف بالأخلاق النبيلة، وامتداد أواصر 
العلاقات الحميمة، وقد ينتشر فيه الفقر والجهل والمرض، 
مما ينتج عن ذلك الأنانية وتقديس المصلحة الشخصية. 
الناظر للمدي الزمنى للنص، يجده الزمن الماضي غير المحدد. 
العنوان )مشاعر نقدية( يوحي بأن المجتمع مادي، وقد 
يدفع ثمن ماديته أشخاص نبلاء اعتادوا على العطاء بلا 
حدود وتقديم التضحيات وهو نعت لهذه المشاعر القاسية. 
الناظر لأسلوب السرد، يجد الومضة مروية بضمير الغائب المفرد. 
المنظور السردي منظور خارجي، فعند الوصية لهذه الشخصية 
ببيع الأعضاء يمكن لأي شخص أن يري هذا المحب فعل ذلك، 
عدا البداية في قول الراوي )قال: منكسرا( يمكننا أن نقول هنا إ 
المنظور خارجي، ربما توجد علامات خارجية للانكسار يستطيع 
أن يراها أي شخص وتظهر على ملامح وجهه، أو نبرة صوته 
وبالتالي يمكننا أن ننظر إليها على أنها تنتمي للمنظور الخارجي. 
22
وهي مشاعر خاصة بالنقود والانكسار، وهي حالة داخلية 
وبالتالي في الظاهر منقولة من منظور داخلي على الشخصية، 
لكن الانكسار والفرح والحزن والغضب وغيرهم يمكن أن تكون 
لهم في الغالب مظاهر خارجية، تمكن الملاحِظ من أن يستشفها 
دون أن يدخل داخل الشخصية يعني مثلا: يمكنك أن تقول: 
«قال غاضبا » وأنت تراه أمامك غاضبا بالفعل، وهنا لا تستعمل 
المنظور الداخلي وإنما الخارجي لأنك تراه أمامك غاضبا. 
الراوي هنا ينقل مشهد الحوار مباشرة بدون تمهيد وبالتالي السرد 
يكون بطريقة مباشرة على غرار المسرح والحوار المسرحي. 
العنوان )مشاعر نقدية( هنا عنوان آت نعت لهذه 
المشاعر السلبية، ومثل عتبة أولى جيدة مهدت بشكل 
محايد لفهم نص الومضة المستقل عن العنوان عضويا. 
المفارقة هنا ربما تكون منظورية بنظر الشخصيتين لبعضهما 
بعضا، فجملة «فلتوص لي ببيع أعضائك » ربما توحي بأن 
هذه المحبوبة أو المرأة تعرف طبيعة هذه الشخصية، وهي 
تنظر للعلاقة بينهما نظرة مادية بحتة، هو يشكو لها همه وهي 
تستغل هذا الهم، ولا تخفف عنه بل تزيد همه أكثر وتتخلى 
عنه أو تريد أن يوصي لها ببيع أعضائه وكأنها تستعجل موته. 
مراجع 
جمعة الفاخري. عناق ظلال مراغة. الطبعة الثانية. 
الإسكندرية: الدار العالمية للنشر والتوزيع، 2014 . 
محمد سعيد. «مشاعر نقدية ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب 
الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة شهرية 
تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: د. جمال 
الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجال لنشر الالكتروني، 2014 . ص 62 . 
23
عباس طمبل د.جمال الجزيري 
ارتباك النص: ملاحظات نقدية على ثلاث ومضات قصصية 
مقدمة: 
سنتناول في هذا المقال ثلاثة نصوص نُشرت في «ومضات أغسطس »2014 ، وهو الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية 
الالكتروني التي تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. وكنا نأمل بعد نشر هذه الومضات على المجموعة أولا أن يتم الحوار 
مع كُتاب هذه النصوص للوصول إلى الصيغة المثالية التي تتبناها المجموعة، وهي تأكيد نظرتها للقصة الومضة التي تنطلق من مفهوم 
أن نص القصة الومضة يجب أن يحمل مقومات السرد القصصي، من عنوان محايد منفصل تمامًا عن النص بحيث يؤدي وظيفة العنوان 
المتعارف عليها في علم السرد، والمتن يجب أن يكون نصًا سرديًا يحمل كل مقومات البقاء ومكتمل البنية الجسدية ويُفهم بعيدًا عن عنوانه. 
أو لاً : نص بعنوان )ناقم( للأستاذ حسن الفياض. 
قرأ كتابًا عن أمجاد العرب؛ طفِق يحفر قبرًا لأحفادهم. 
ـــــــ 
أول ما يستوقف القارئ في هذا النص العنوان الذي وظفه الكاتب بطريقة خاطئة، إذ يعتبر العنوان )ناقم( في هذه الومضة جزءًا لا يتجزأ من 
البنية الجسدية للنص، وهذا مخل بوظيفة العنوان إذا يقول «جيرار جينيت » إن الوظيفة الأساسية اللازمة للعنوان في النص الأدبي في المقام 
الأول هي وظيفة التسمية والتعيين التي تساعد القارئ علي امتلاك مفتاح الدخول إلى عالم النص، وينبغي على العنوان أن يغطّي جانبا من جوانب 
النص بأي شكل من الأشكال كأن يشير إلى جانب من جوانبه الشكلية أو يشير إلى جانب من الموضوع الذي يتناوله أو يرمز للحالة العامة التي 
يجسدها النص ويكون بمثابة المبدأ الرئيسي أو الفرعي الذي تقوم عليه التجربة المسرودة في النص بالنسبة للومضة هنا. وهنا نجد العنوان 
يقوم بوظيفة التسمية لأنه عنوان أولا وأخيرا، ويكننا عندما ننتقل للنص نجد أن هذا النص يقوم على العنوان كما سنبيّن لاحقا في هذه المقالة.. 
24
من المشاكل التي يقع فيها الكثير من كُتاب القصة الومضة، كتابة 
العنوان قبل كتابة نص الومضة ومن هنا يأتي الخلل، فمن المفترض 
أن تتم كتابة النص أولاً ثم يأتي بعد ذلك اختيار عنوان رمزي محايد 
حسب وظيفة العنوان في النص الأدبي، ولابد أن يكون النص مكتملا 
وتتحقق فيه جميع السمات النصية التي يتناولها جمال الجزيري في 
مقالة منفردة منشورة في هذا العدد من المجلة أيضا: التماسك، 
الترابط، الإخبار/الإبلاغ، الموقفية/المقامية/المقام/مقتضى الحال، 
التناص، القصدية، القبول. وهذه سمات عامة لابد أن تتوفر في كل 
نص سواء أكان أدبيا أم لا. أما بالنسبة للنص القصصي، والومضة 
نص قصيي في الأساس، فلابد أن تتوفر فيه سمات أخري خاصة 
بالنوع الذي تنتمي إليه بالإضافة إلى هذه السمات النصية العامة. 
فلابد أن تكون أطراف الحدث معلومة في الومضة ولابد أن يكون 
الحدث مكتملا بحيث لا يحتاج القارئ إلى اللجوء إلى عامل خارجي 
لفهمه، ولابد أن يكون السرد هو السمة الأساسية للنص وليس مجرد 
أداه يستعين بها الكاتب لتوصيل فكرة، فالفكرة في النص السردي 
تنبع من الحدث ذاته ولابد أن يظهر لنا الراوي الحدث أمام أعيننا 
بطريقة مجسّدة بفتح اسين وكسرها تمكِّنُنا من أن نستشف فكرته 
أو أفكاره، لا أن يطرح الكاتب الفكرة بشكل مباشر. ومضة «ناقم » 
لحسن الفيَّاض لا تلتزم بهذا المفهوم للنص بوجه عام ولنص الومضة 
بوجه خاص. فنظرا لتغييب عناصر مهمة من مقومات القص في 
ومضة «ناقم »، نجد أنفسنا هنا أمام نص لا نعرف الكثير من سماته 
ولا نعرف أطراف الحدث. ولا يقوم الكاتب بتجسيد الحدث أو عرضه 
أمامنا. من الذي قرأ أمجاد العرب؟ وعن أي أمجاد يتحدث الكاتب؟ 
في أي مجال من مجلات العلوم مث لاً ، أم مجال الحراك السياسي 
والديني والثقافي أم في أي مجال آخر؟ فلقد كانت أمجاد العرب 
كثيرة في كل المجالات ـ الطب والفلك والكيمياء والأدب والفلسفةـ 
على سبيل المثال. ثم هل من المفترض أن تكون قراءة هذه الأمجاد 
بشكل عام مصدرَ فخر ومدعاة للتحفيز لاستعادتها أم مدعاة للانتقام 
من أحفاد العرب؟ ما يدعو هذا الفاعل الُمغيَّب في النص أن يحفر 
قبرا للأحفاد؟! هل هذا القبر هو قبر العار والخزي؟! كل هذه أسئلة 
تدور في ذهن المتلقي. هذا على مستوى النص بشكله الحالي، وهو 
شكل يدعو للتساؤل هنا: هل يوجد سرد هنا أم أن الكاتب ألح على 
الفكرة فقط؟ هل النص متماسك لغويا؟ نعم متماسك لغويا هل النص 
مترابط؟ لا يوجد ترابط هنا لأن الفكرة التي يقوم عليها غير منطقية 
أو لا تنبع من موقف يمكننا أن نتبين ملامحه من السياق، فالشخصية 
الوحيدة التي تظهر في النص هي شخصية من قرأ ومن حفر. . 
أ.حسن الفياض 
25
ما السمات النفسية لهذه الشخصية؟ هل هي مجنونة مثلا بحيث تؤدي 
بها قراءة التاريخ الذي لا يخصها في الغالب إلى الانتقام من أحفاد 
شخصيات ذلك التاريخ؟ هل هي نظرية المؤامرة؟ هل هي هلوسة؟ 
الحدث لا يستقيم منطقيا، ولا توجد مبررات تقنعنا بمنطقية الحدث، 
لأننا أمام شخصية غير محددة السمات ولا يرسم الكاتب ملامحها أو 
يلقي الضوء على جانب منها يستطيع أن يقنعنا بمبررات سلوكها. 
فعندما يكون النص السردي ناقصا من حيث السياق ودالة 
اللفظ لا تؤدي قراءته إلى معنى واضح ومفهوم، يقع المتلقي 
في فخ الافتراض والتخمين. ومنطيقًا القارئ ليس ساحرًا كي 
يدخل في ذهن أي كاتب ويعرف ماذا يريد إيصاله من رسائل 
تحملها نصوصه وما الهدف من كتابته لهذه النصوص؟ 
ثانيًا: نص بعنوان )فقير( للأستاذة فرات المدني. 
توسدَ الجوع فراشاً، كتبَ على بابه: «أدعوكم لوليمة .« 
ــــــ 
هي نفس إشكالية نص )ناقم( وينطبق عليه القول بالضبط من 
حيث من هو الفاعل الذي توسد الجوع فراشًا؟ وهل توسُّده 
للجوع يجعله يدعو الناس لوليمة؟ لماذا دعاهم؟ هل هذه إشارة 
إلى عفة النفس لديه من أن يكون الجوع هو فراشه ورفيقه أم 
إشارة إلى بخل الأغنياء في إنقاذه من فقره وجوعه ومن هنا أراد 
أن يقدم نفسه وليمة لتتخم بطونهم؟ هل على سبيل إظهار قوة 
العزم وعزة النفس التي تجعل الفقراء لا يسالون الناس إلحافًا؟ 
الحدث لابد أن يحتوي على منطقه الخاص ومبررات قبوله لدى 
القارئ والاقتناع به والاندماج فيه. «توسد الجوع فراشا » عبارة 
استعارية تدل على أن فلانا جَاعَ. ما علاقة الإحساس بالجوع 
والدعوة لوليمة. الشخصية غير معلومة في النص والشخصيات 
التي يخاطبها غير معلومة أيضا. هل «سيشمُّ القارئُ على ظهر 
يده » كما يقول التعبير المصري أم سيُنَجِّمُ أم سيسأل عرَّافا 
ليعرف المشار إليه هنا وهناك؟ ربما يقول قائل إن الفاعل في 
الجملة الأولى الاستعارية هو الفقير الوارد في العنوان. العنوان 
ليس جزءًا من النص، والنص لابد أن يمتلك كل العناصر الكافية 
لكونه نصا كما أشرنا أعلاه عند تناول ومضة الأستاذ حسن 
الفياض، بحيث يستطيع بهذه السمات والمقومان أن يكون قابلا 
للبقاء والتداول بين القراء بوصفه نصا لا يحتاج إلى وجود 
المؤلف بجانبه ليشرح لكل قارئ المقصود بهذه الإشارة أو تلك. 
أ. فرات المديني 
26
يُفترض أن الجملة الثانية من هذا النص تقيم علاقة تضاد مع 
الجملة الأولى، بمعنى أنها من المفترض أن تفصح عن ضمير 
المخاطب هنا حتى نعرف هوية هؤلاء الذين يخاطبهم الجائع بحيث 
يمكننا أن نقيس دلالة سلوكه وتعبيره بالمقارنة بهم. الهاء في 
«بابه » غير محددة وكذلك الكاف في «أدعوكم ». وكيف يدعوهم 
الجائع لوليمة؟ هل هذه الدعوة مصيدة مثلا بحيث يدخلون – من 
هم؟ - من باب – باب بيته؟ باب خيمته على الرصيف؟ الومضة 
تتحدث عن افتراش الجوع فقط ولا تذكر مكانا يمكن أن يلعب 
دورا في فك شفرة النص – من «بابه » ويتوسدون الجوع مثله 
مثلا؟ أو يشفقون عليه؟ أو يحسون بألمه؟ وماذا لو استجاب 
فقراء مثله لهذه الدعوة؟ أليس ما يقوم به في هذه الحالة يزيد ألم 
هؤلاء الفقراء؟ ماذا لو فهم مارٌّ هذه الدعوة فهما حرفيا وعندما 
لم يجد هناك وليمة قام بالتشاجر مع صاحب الدعوة مثلا وقَتَلَه؟ 
الجملة الأولى تقول إنه توسد الجوع فراشا، ومن المفترض أن 
تستثمر الجملة الثانية دلالات هذه الجملة الأولى وتبني عليها بحيث 
تقدم لنا حدثا له علاقة بالتوسد والفراش. توسُّده للجوع يدل على 
أنه نام على جوعه. والتوسُّد لا يكون فِراشًا وإنما يكون وسادة: 
توسَّد الوسادةَ، توسَّد ذراعيه، توسَّد قالبَ الطوبِ، توسَّد حذاءَه، 
الخ. وهذا التوسُّد هنا يعني نومه. كيف كتب على الباب الذي لا 
نعرف كَنْهَهُ؟ يُفترضُ أنه ينام جائعا. وحتى لو كان النوم لم يقربْه 
بعد، من المفترض أنه يكتب على الفراش الذي قلنا إنه ليست له 
علاقة بالتوسد أصلا. هل الفراش له باب؟ إذن هو متسوِّل في 
أغلب الأحيان: فرش على الأرض/الشارع/الرصيف فراشا ونام 
عليه كتب هذه العبارة لدعوة الناس للتصدق عليه. ما دلالة الوليمة 
هنا؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا لأن النص غير مكتمل وبه الكثير 
من الفجوات أو الثغرات أو مواطن الخلل التي تجعلنا لا نملك إلا 
التخمين في أفضل الأحوال أو إلى صرف النظر عن النص بالمرة. 
ثالثا: نص بعنوان )مكايدة( للأستاذ عثمان عمر الشال 
أظهرت انزعاجها و تذمّرها من تلك النّظرات ، وذلك العواء 
، ولكن لا تنكري أنّك منتشيه بجمالك الذي سحر الرجال . 
ـــــ 
هذه الومضة افضل من الومضتين السابقتين من حيث استقلالية 
العنوان عن متن القصة، لكن بشكل عام أرى أن في هذه 
الومضة معضلة أخرى يقع فيها الكثيرون من كُتاب الومضة 
القصصية، إلا وهي تكثيف قصة قصيرة جدًا وحذف جمل منها 
حذفًا قد يكون عشوائيًا يؤدي في نهاية الأمر إلى إرباك القارئ، 
وقد يحدث خل لاً واضح في استعمال الضمائر والتحول في 
الزمن السردي من الماضي إلى زمن آخر بطريقة غير متقنة. 
أستاذ /عمر عثمان الشال 
27
وهذه الومضة اقرب إلى القصة القصيرة جدًا لتعدد أحداثها، بحيث 
لا يحتمل نص الومضة نقل أكثر من حدث في متنها نظرًا لزمن 
الحدث القصير الذي يحتمله المدى الزمنى للنص. وتعدد هنا حدث 
ـ الانزعاج والتذمرـ من نظرات الرجال لهذه المرأة التي بدأت 
مبتهجة بجمالها الفاتن وسعيدة باهتمام الرجال بجمالها، هل الحدث 
ينحصر في المكايدة بالجمال الفاتن وحده أم تداخلت الأحداث كالتذمر 
والانزعاج والعواء واستمتاعها بلحظات المعاكسة المستمرة 
كلما سارت في الطريق؟ هل تقبل الومضة كل هذه الأحداث؟ 
طبيعة القصة الومضة تدل على أنها لا تحتمل التوسع في زمن 
الحدث أو تعدد الأحداث. ويجب أن يلتقط الراوي حدثا واحدا 
خاطفا من منظور محدد سوءا أكان المنظور خارجيًا أو داخليًا. 
المفارقة تقوم علي تلك المرأة الجميلة رغم تذمرها لكنها 
تستمتع بالإطراء والمدح ومطاردة الرجل لها والتلذذ بنظرات 
الإعجاب في عيونهم وكل الرجال معجبون بجمالها الفاتن.. 
ومن الملاحظ هنا أن الضمير الذي يتم استعماله في السرد ليس 
متسقا طوال الومضة، فنصفها الأول منقول بضمير الغائب 
ويتكلم الراوي عن هذه المرأة كأنها تنتمي إلى عالم لا يشارك فيه 
هذا الراوي. ولكنه ينتقل في النصف الثاني إلى استعمال ضمير 
المخاطب وكأنها حاضرة أمامه ويخاطبها مباشرة، الأمر الذي ينم 
عن خلط يتعلق باستعمال ضمير السرد. فضمير الغائب يفترض 
عدم مشاركة الراوي في الحدث، وعليه أن ينقل هذا الحدث كما 
هو بدون تدخل سواء أكان هذا النقل خارجيا بتسليط الضوء على 
ما تفعله الشخصية أو الشخصيات المشاركة في الحدث أم داخليا 
بأن ينقل لنا هذا المحدث من منظور إحدى الشخصيات وكأنه يرى 
الحدث بعينيها. أما ضمير المتكلم والمخاطب فيفترضان مشاركة 
الراوي في الحدث مشاركة كلية أو جزئية، رئيسية أم ثانوية، أي 
أن الراوي يكون شخصية في العالم الذي تلتقط الومضة جزءا 
أو لحظة منه. وهذه المشاركة تفرض وجودها على المنظور 
المستعمل في السرد. ولذلك لابد هنا من أن يكون الضمير 
المستعمل في سرد الحدث متسقا: إما أن يحافظ الراوي على 
ضمير الغائب طوال النص، وهنا سنفهم أن المنظور المستعمل 
في النصف الثاني من الومضة بداية من «ولكن » منظور داخلي 
ينقل من خلاله الراوي ما يدور في نفس الشخصية بعد أن أظهرت 
تذمرها. وبذلك ندرك أن ضمير الغائب طوال النص يدل على 
عدم مشاركة الراوي في الحدث. والاحتمال الثاني يتمثل في 
استعمال ضمير المخاطب طوال النص، وهنا يتحول النص إلى 
ما يشبه المسائلة من قِبل الراوي للمرأة، ولابد أنه يعرفها معرفة 
وثيقة تتيح له أن يخاطبها هكذا فيما يشبه المسائلة أو على الأقل 
العتاب. أما النص بشكله الحالي فيدل – بشكل افتراضي – على 
أن النص جزء مقتَطَع من نص طويل فيه تنوع في استعمال 
ضمائر السرد واكتفى الكاتب بجملة من هنا وجملة من هناك. 
28
مراجع 
حسن الفياض. «ثلاث ومضات ». ومضات أغسطس 
2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية 
الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا 
الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. 
الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 
.47 
عمر عثمان الشال. 3« ومضات ». ومضات أغسطس 
2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية 
الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا 
الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. 
الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 
.45 
فرات المدني. «فقير ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب 
الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. 
سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على 
الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك 
العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 62 . 
29
الأدب والنقد والمبدع : 
نظرة تاريخيةوعصرية ـ دكتور .جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر 
هناك فرق بين الأدب بمعناه العام والأدب بمعنى الفنون الأدبية 
المعاصرة. الأدب بمعناه العام قد يرد بمعانٍ كثيرة في المعاجم 
المختلفة قديما وحديثا، مثل: 
« -1 الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس سُمّيَ به لأَنه يَأْدِبُ الناسَ 
إلى المَحَامدِ وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ »، كما ورد في تاج العروس، 
ومن الواضح أن الأدب هنا يتخذ معنى تعليميا اجتماعيا ودينيا 
مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الحث على الفضائل 
والنهي عن الرذائل. ويضيف تاج العروس: الأَدبُ يَقَع على كل 
رِيَاضَةِ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضِيلَةِ من الفَضَائِلِ ومثله 
في التهذيب وفي التوشيح: «هو استعمالُ ما يُحْمَدُ قَوْلاً وفِعْلاً أَو 
الأَخْذُ أَو الوُقُوفُ مع المُسْتَحْسَنَات أَو تَعْظِيمُ مَنْ فوقَك والرِّفْق بمَنْ 
دُونَكَ »، ومن الواضح هنا أن هذا الكلام يعني التأدب والتهذُّب 
بمعناهما الأخلاقي والسلوكي. ويضيف تاج العروس أيضا: 
«الأَدَبُ في اللغة: حُسْنُ الأَخلاق وفِعْلُ المَكَارِم وإِطلاقُه على 
عُلُومِ العَرَبِيَّة مُوَلَّدٌ حَدَثَ في الإِسلام ». ومن الواضح أن هذه 
المعاني تتعلق بالأصل اللغوي المشتقة منه الكلمة - ولا أقول 
المصطلح - لأن المصطلح من المفروض أن يكون أكثر تخصصا. 
« -2 جُملة ما ينْبَغي لذي الصِّناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي، 
وأدب الكاتب »، كما ورد في المعجم الوسيط، وأظن أن المقصود به هنا 
أخلاقيات المهنة أو الحرفة أو الصناعة، ويحمل أيضا معنى أخلاقيا. 
« -3 الجميلُ من النَّظم والنَّثر »، كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. 
وهذا معنى أكثر تحديدا وتخصيصا. ليس كل ما يكتب من شعر ونثر 
أدبا، فبعضه ينتمي للأدب وبعضه الآخر يخرج من نطاق الأدب. ولكن 
تظل كلمة «جميل » مبهمة: هل تدل على جمال الفكرة أم على جمال 
الصياغة أم على جمال الشكل الفني أم على براعة الكاتب في توظيف 
أسلوبه لخدمة الشكل الفني/النوع الأدبي الذي يكتب في إطاره؟ 
3030
« -4 كل ما أنتجه العقل الإنْسَاني من ضُروب المعرفة ،» 
كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. وأظن أن هذا التعريف أو 
المعنى الفرعي لكلمة أدب يساوي العلم أو المعرفة بوجه عام 
أو كل ما يؤدي إلى تطوير حياة الإنسان وشخصيته وبالتالي 
يتلاقى مع المعنى الأخلاق والتهذيبي الوارد في رقم 1 أعلاه. 
« -5 علوم الأدب عند المتقدِّمين تشمل: اللغة والصَّرف، والاشتقاق، 
والنَّحو، والمعاني، والبيان والبديع، والعَروض، والقَافِية، والخَطّ، 
والإنشاء، والمحاضرات »، كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. 
ويتلاقى هذا التعريب مع «علوم العربية » في تاج العروس المذكورة 
في نهاية البند رقم 1 أعلاه. وهنا يدل على كل ما يمكّن الكاتب - 
أيا كان نوع كتابته - من استعمال اللغة استعمالا جيدا والتعبير عن 
المعاني التي تخطر في ذهنه بأفضل صياغة ممكنة. وأظن أن هذا 
التعريف تأثر بحركة الترجمة في العصر العباسي واشتقاق كلمة 
أدب في اللغات الأوربية من كلمة الحرف في اللغة اللاتينية التي تعني 
الرسالة والأدب والثقافة وبالتالي يصير الأدب في الثقافتين العربية 
والأوربية قرينا بحرفة الكاتب أيا كان ما يكتبه. ويضيف الدكتور 
أحمد مختار عمر في معجم اللغة العربية المعاصرة أن مصطلح 
«علوم الأدب » يدل على كل ما يجعل الكاتب أو المتكلم ينجو بنفسه 
من الأخطاء اللغوية مثل علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة. 
« -6 وتطلق الآداب حديثا على الأدب بالمعنى الخاصّ، والتاريخ 
والجغرافية، وعلوم اللسان، والفلسفة »، كما ورد في المعجم 
الوسيط أيضا. وهنا تدل الكلمة في صيغة الجمع على الآداب 
بالمعنى الحديث الضيق والمحدد، كما تشمل العلوم الإنسانية في 
مقابل العلوم البحتة كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك وما إلى ذلك. 
« -7 والأَدَبُ الظَّرْفُ وحُسْنُ التَّناوُلِ »، كما في لسان العرب. 
ويرتبط ذلك بالمعنى الوارد أعلاه في رقم 3، وإن كان 
يركز أكثر على أسلوب معالجة الفكرة وجماله وجودته. 
-8 يعرّف الدكتور أحمد مختار عمر في معجم اللغة العربية المعاصرة 
كلمة «أدب » بأنها تطلق على فنون الشعر والنثر ويضيف أنواعا لها مثل 
الأدب القصصي والأدب الروائي وأدب الرحلات وأدب المناسبات. 
يمكننا أن نقسّم هذه التعريفات إلى ثلاثة أقسام: 
أ- الأدب بمعناه الأخلاقي العام الذي يدل على التأدب والتهذب 
وحسن الخلق وكل ما يؤدي إليهم من علم ومعرفة ومهارات وثقافة. 
ب- الأدب بمعناه اللغوي الذي يتمثل في كل معرفة تمكّن الكاتب 
- أيا كان ما يكتبه - من أن يعبر عن فكرته تعبيرا لغويا سليما. 
ج- الأدب بمعناه الفني الخاص المتمثل في الأنواع الأدبية الحديثة 
من شعر وما يندرج تحته من أنواع فرعية، وسرد/قص وما يندرج 
تحته من أنواع فرعية، ومسرح وما يندرج تحته من أنواع فرعية. 
31
ما يهمنا هنا هو النوع الأخير وخاصة ما يندرج تحت الأدب القصصي 
من ومضة قصصية أو قصة ومضة. وبالتالي لابد أن نميّز الأنواع 
الأخرى من الكتابة التي لا تنتمي للأدب بمعناه الضيق المذكور والتي 
قد تتوسل بالسرد لتوصيل فكرتها. وفي رأيي أن التوقيعات الأدبية 
والنصوص التي تقوم على الحكمة أو المثل أو القول البليغ لا تنتمي 
للأدب بمعناه الضيق ولكنها تنتمي للأدب بمعناه الأخلاقي التعليمي 
الاجتماعي. وأظن أنه بعد انحصار كلمة أدب في ثقافتنا المعاصرة 
في معنى فنون الأدب القصصي والشعري والمسرحي لا يمكننا أن 
نستخدم كلمة أدب لوصف ذلك النوع من الومضات البليغة التي تقوم 
على حكمة أو قول أو مثل يستخدم القصة كمجرد وسيلة لتوصيل 
الفكرة. ولابد من الاحتفاظ بمصطلح القصة الومضة لذلك النوع 
الذي يتفرع من القصة القصيرة جدا ويتميز بالإيجاز والاختزال 
وتوظيف القص توظيفا فنيا في أضيق مساحة لغوية ممكنة لا تؤدي 
إلى الابتسار أو الغموض بحيث يكون القص هو أداة التعبير وغايته 
وبعد ذلك يتم استنتاج الفكرة من السياق القصصي المتكامل. 
ومن الملاحظ أيضا أن كلمة الأدب تتضمن بالضرورة اتقان 
اللغة نحوا وصرفا وكتابة وإملاء وجماليات ثقافية وفنية وتعبيرية 
وأسلوبية، ومن هنا على كاتب القصة الومضة أن يلمّ بأبعاد 
اللغة وفنياتها وجمالياتها وتطورها الثقافي والأسلوبي والبلاغي. 
مصطلح الأدب اقتصر في اللغة العربية المعاصرة على الأدب بمعناه 
النوعي: فنون الأدب الثلاثة وما يندرج تحتها من أنواع فرعية، 
وهي: الشعر والسرد والمسرح. قد تتضمن الومضة القصصية 
بمعناها الفني على حكمة وعلى قيمة أخلاقية وعلى... ولكن ذلك لابد 
أن يُستَشَفَّ من السياق الفني، لا أن يتم التعبير عنه بشكل مباشر. 
لا توجد مشكلة في الغرض الأخلاقي في حد ذاته، فالغرض 
الأخلاقي مثله مثل الغرض السياسي أو النفسي موجود في 
كل الآداب. المشكلة في افتراض بعض الكتاب أن الأدب ما 
هو إلا تعبير عن حكمة أخلاقية. ومن وجهة نظري، يمكن 
للكاتب أن يعبر عن أي شيء بشرط أن يأتي هذا التعبير بشكل 
مباشر من خلال مقتضيات النوع الأدبي الذي يكتب من خلاله. 
الأدب بوجه عام رؤية خاصة ومميزة للحياة. وفن السرد خصوصا 
يقوم على تجسيد مواقف حياتية أو ما وراء حياتية متميزة، والفكرة 
تأتي لاحقا بحيث يستشفها القارئ من السياق وبنية النص. ولو كان 
النص جيدا ربما تكون هناك عدة أفكار تتشابك ببعضها البعض 
وتسمح بقراءة النص من أكثر من زاوية. أما من يصر على الفكرة 
أولا ويحددها ثم يقول سأكتب ومضة عن كذا، فأظن أنه لا يفهم 
جوهر الأدب ولا يكتب أدبا. من ينظر إلى الأدب على أنه حكمة 
الأجداد ودروس مفيدة يعيش في زمن هؤلاء الأجداد وبالتالي لا 
يتمثَّل إيقاع العصر ولا الإيقاع النوعي/الأدبي/التعبيري المتخصص 
المقترن بالوعي بالأطر الأسلوبية والتعبيرية للأنواع الأدبية بشكلها 
المعاصر الذي يتغير على الدوام لأن مفهوم المعاصرة مفهوم متغيِّر 
ومتحوِّل بطبعه، فما كان معاصرا منذ مائة سنة ليس هو المعاصر لنا 
الآن. وحتى المعاصر لنا الآن يفترض انقساما في مفهوم «نحن » 
وما يستتبعه ذلك من رؤى متغايرة لدى الأجيال المتعاصرة. 
فالمعاصر بالنسبة لابني غير المعاصر بالنسبة لي، ورؤية ابني 
للأسلوب الأدبي ولحساسية العصر تختلف عن رؤيتي بالضرورة. 
32
الأدب والقواعد 
ليست للأدب عموما قواعد بالمعنى المتعارف عليه في العلوم الطبيعية 
مثلا. القواعد الأدبية في اللغة الإنجليزية مثلا يطلقون عليها اسم 
conventions بمعنى أعراف أو تقاليد وبطبيعتها خاصة بزمن 
معين ومجتمع معين وتتغير من وقت لآخر حسب تغير مقتضياتها 
في المجتمع الأدبي أو المجتمع العام. وأرى أن القواعد مجرد إطار 
عام يتحرك في داخله الأديب، أو هي على وجه الدقة وعي نوعي 
يستطيع أن يكوّن فكرة عامة عما يميز نوعا أدبيا عن نوع آخر 
وعن السمات التي تمنح كل نوع هويته، وهي سمات في تطور 
مستمر، على الأقل على مستوى الوظيفة، فمفهوم الشخصية في 
النص السردي على سبيل المثال في تغير مستمر ووظيفة الشخصية 
في الومضة القصصية غير وظيفتها في الرواية على سبيل المثال، 
والأديب المتميز هو الذي يستطيع أن يغير الأعراف الأدبية، وهو 
ما أطلق عليه أستاذنا الدكتور شكري عياد رحمه الله اسم «الكاتب 
الخروجي »، بمعنى من يخرج على الأعراف الأدبية ويضيف لها 
إسهامه الخاص. وأرى أن حصر الومضة على سبيل المثال في 
تقنيات بعينها مثل المفارقة والنهاية غير المتوقعة والدهشة أمرٌ 
يضرها أكثر مما يفيدها. فحصرها في المفارقة والإدهاش وما إلى 
ذلك جعل الكثيرين من الكتاب يستحضرون هذه المفاهيم ويجسدونها 
في نصوصهم دون أن تكون نصوصهم أدبية أو قصصية بالأساس، 
دون أن يعوا جوهر المفارقة ذاتها، وهي مفهوم له دلالات متشعّبة 
وتناولتها في مقالة مستقلة. الومضة بحكم اشتقاقها اللغوي لقطة 
فارقة في حياة إنسان يمسك بها الكاتب ويجسدها في نص قصير. 
الإبداع بوجه عام أرحب من أي تقنين أو وضع قواعد خانقة له. 
وأؤكد ما قلته من قبل من أن الغرب لا يسميها قواعد ولكن يسميها 
«أعراف » مثلها مثل عادات المجتمع قابلة للتغير والتطور والموت 
والحياة. وقال الشكلانيون الروس بمفهوم المهيمن أو المسيطر أو 
السائد، فما يهيمن على نوع أدبي معين من تقنيات الآن قد يتغير 
بتغير الظروف وأحوال المجتمع والإبداع والتذوق ليخرج ما كان 
مهمشا ويصير هو السائد، وهكذا إلى أن يخرج عنصر لم يكن 
في الحسبان ويصير هو المهيمن. شخصيا، كتبت الومضة قبل أن 
يظهر اسمها ولم أكن أطلق عليها ومضة آنذاك بل قصة قصيرة 
ونشرتها في مجموعات ضمن القصص القصيرة وتحت مسماها. 
فليبقَ الإبداع وليذهب المتحذلقون والمدعون والنصابون النص 
الأدبي لابد أن يكون مكتملا في حد ذاته وله طبيعة سردية بعيدا 
عن التجريد والوعظ والحكمة والإرشاد والمباشرة، أي أنه نص 
يستلهم طبيعة الأدب أيا كان توجه الكاتب أو أسلوبه. لكن أن ينظر 
الكاتب إلى الأدب على أنه توصيل معلومة أو حكمة بطريقة مباشرة 
فهذا ليس أدبا حسب ما تعلمتُه من مختلف الفنون والآداب العربية 
والعالمية. كيف يمكن لأديب أن يجهل ماهية الأدب؟ الأدب تجسيد 
ونظرة متميزة للكون والحياة. التجريد والوعظ والإرشاد والنظرة 
الأخلاقية السطحية للحياة لا علاقة لهم بالأدب. فالنص الذي يقوم 
على مجرد الفكرة ليس أدبا، فهو مجرد تعبير عن فكرة بشكل 
مباشر، فوظيفته هنا إخبارية أو تبليغية بالأساس، فهذا النص يهدف 
لتوصيل معلومة وهنا يلتقي مع النصوص العلمية والتعليمية الذي 
يهدف الكاتب من ورائها إلى توصيل معلومة أو فكرة ما للقارئ. 
34
وبناء على ذلك تكون الشخصيات المجردة التي يستعملها بعض 
الكتاب في ومضاتهم مثل الفضيلة والرزيلة والشيطان وإبليس 
والأمانة وما إلى ذلك شخصيات لا تصلح أن تكون شخصيات في 
نص أدبي جيد، فمجالها في الأدب التعليمي والمسرح التوعوي 
مثلا. كما أن طبيعة الومضة تقتضي التمكن من جوهر الأدب أو 
الإمساك به، فلا مجال سوى للتكثيف والإيحاء وإيراد المواقف 
الإنسانية الوامضة حقا. وأي موقف في حياتنا يمكنه أن يصير 
موضوعا للومضة بشرط أن يكون هذا الموقف له دلالة إنسانية 
وموحيا ويرتبط بجوهر حياة الإنسان والقضايا الفعلية التي يواجهها 
في حياته ويمكن للقارئ أن يجد فيهما عمقا إنسانيا. لكن أن يسرد 
الكاتب موقفا لا يتم رصده من زاوية محددة ولا يكون له مغزى 
إنساني عميق، فهذا نوع من الابتذال. «شرب، فارتوى »، موقف 
يتكرر كل يوم مليارات المرات، وهو مجرد سلوك يعزز غريزة 
البقاء، وليس فيه فن في حد ذاته، مع العلم بأن موضوع الارتواء ذاته 
يمكنه أن يكون موضوعا فنيا بامتياز إذا التقطه الكاتب من زاوية 
محددة وخصصه بحالة فنية معينة، كأن يقول: «طال انتظارها 
لابنها. أحسَّتْ بالعطش وبأن ابنها عطش في غربته. روتها مكالمة 
منه اعتذر فيها عن عدم مجيئه »، فهنا تحول العطش والارتواء إلى 
حالة فنية في موقف يتكرر كثيرا في حياتنا المعاصرة التي تجبر 
فيها لقمةُ العيش الإنسان على الاغتراب عن أقرب الناس إليه. 
الكتابة رغبة وجود وبدونها ستجد أن هناك شيئا ناقصا في حياتك. 
والكتابة الأدبية بالفعل رغبة وجود قبل أي شيء آخر. الأدب لا 
توجد له قواعد. الأدب له جوهر، وهو أن أسلوبه ليس نفعيا مباشرا 
أو يلح على الفكرة وليس هدفه الأساسي توصيل المعلومة كما 
في المقالات والكتب غير الأدبية. الأدب مغامرة وانطلاق ورؤية 
خاصة للعالم ولابد أن يكون أسلوب الكاتب مميزا. ومع المران 
يمكنني أن أعرف أن هذا الأسلوب خاص بالكاتب الفلاني حتى لو 
لم أقرأ اسمه. الأدب تفرُّد ولا يُعقل أن نجد عدة نصوص مرسلة 
في نفس اليوم تحثنا على الفضيلة بشكل مباشر مثلا. أنا شخصيا 
لا أدري لماذا بدأتُ الكتابة منذ 1991 ولكنني وجدتُ «قلمي 
يأكلني » كما في التعبير العامي «يدي تأكلني » ووجدتني أكتب ولا 
أعرف ماهية ما أكتبه. وكانت النصيحة الأساسية التي يوجهها لي 
من سبقوني للكتابة آنذاك أن أقرأ أكبر عدد من النصوص السردية 
ساعتها لأنني بدأت بكتابة القصة وأن أتأمل أسلوب الكاتب وكيف 
يجسد الموقف وكيف أنه يبتعد عن المباشرة في التناول. كيف لكاتب 
ومضة - وما أدراك ما الومضة - أن يضع الشيطان أو الفضيلة 
أو الرزيلة شخصية في «ومضته »؟ هذه الشخصيات لم تظهر 
في الأدب منذ اختفاء المسرح الكنسي في أوربا في القرن الثالث 
عشر تقريبا. ولا يتم إظهارها في الأدب إلا لتجسيد رؤية فلسفية 
للحياة كما فعل جوته أو كرستوفر مارلو في فاوستاس أو فاوست 
35
ملاحظات حول العلاقة بين المبدع والناقد 
المبدع الحقيقي يرحب النقد لأن النقد ضوء يتم تسليطه على نصه ويحدد 
له الطريق. أنا شخصيا عندما أعرض نصوصي على صديق مثلا، أول 
ما أطلبه منه: «ما الذي لم يعجبك في النص ولماذا؟ » وإذا أبدى الصديق 
إعجابه بنص أسأله نفس السؤال: «ما الذي أعجبك فيه ولماذا؟ » 
حتى أستطيع أن أعرف موقع قدمي على خارطة الإبداع وأعرف ما 
الذي ينقصني حتى أتفادى الخطأ حاليا بأن أعيد النظر في مواطن 
الخلل في نصي ولاحقا بأن أستفيد من ملاحظة هذا الصديق أو الناقد. 
ويمكن لأي أحد أن يستفيد من أي أحد. والحوار ذاته - أيا كانت 
محتوياته ونتائجه - سيكون مفيدا للطرفين. أظن أن من يبتعد ويرفض 
النقاش والحوار والنقد ربما لا يملك حجة أو ربما لم يكن مبدعا أصيلا. 
فالمبدع الأصيل لا يغضب من النقد أو الحوار أو النقاش لأنه يعلم 
جيدا أن كل ذلك يصب في مصلحته في النهاية وهو المستفيد الأساسي 
لأنه سيوظف النقاش في تحسين أسلوبه والتمكن من أدواته لاحقا. 
من المفروض أن العلاقة بين النقد والإبداع علاقة 
تكاملية وعندما تكون هذه العلاقة قوية تفيد الطرفين. 
ولكن لابد من التفريق بين النقد الرسمي المنشور في الكتب 
والمجلات وبين النقد على الصفحات المخصصة للإبداع على 
الفيسبوك. النقد المنشور في الكتب نقد متخصص وغالبا ما يكون 
مكرسا لتناول قضية أو ظاهرة ما. ونظرا لارتفاع تكلفة الطباعة 
فإنه يقتصر في الغالب على النشر في دور النشر الحكومية ونادرا 
ما تجد ناقدا ينشر كتبه النقدية على حسابه الشخصي. أما دور 
النشر الخاصة، فإنها تكتفي بالنشر لكبار النقاد حتى تضمن توزيعا 
معقولا للكتاب. وبالنسبة للمجلات المتخصصة أيضا، فإنها تنشر في 
الغالب لكبار النقاد أو المشهورين منهم سواء أكانوا صغارا أم كبارا. 
أما النقد المنشور تعليقا على نصوص أدبية في الصفحات والمنتديات 
الخاصة بالأدب، فلابد أن نميز بين المجاملات والانتقادات من 
جهة والنقد بمعناه الحقيقي الذي يحاول أن يتلمس روح النص من 
جهة أخرى. والكثير من النقد على النصوص عبارة عن لفت انتباه 
لأخطاء لغوية وأسلوبية وإملائية ونحوية، وهذا ما يغضب الكثيرين 
من الكتاب على الصفحات الافتراضية لأن بعض الكتاب يظنون أنهم 
بمجرد فوزهم في مسابقة هنا أو هناك قد وصلوا لقمة الإبداع ولا يحق 
لأحد أن يعلق على نصوصهم تعليقات تبرز سلبياتها. كما أن بعض 
المجموعات الأدبية على الفيسبوك يقتصر فيها النقد على المجاملات 
والشللية والإعجاب، وهذا ليس نقدا بالمفهوم الدقيق، لأن النقد حوار 
عميق مع النص ولا يعترف بالتربيطات ولا بالمجاملات ولا بمجرد 
الثناء. الثناء الحقيقي يعني أن أثني على نص وأبيّن سبب ثنائي عليه. 
36
لا أظن أن تدهور العلاقة بين الكاتب والناقد ترجع إلى اختلاف 
المدارس الأدبية والنقدية، فالمدارس بوجه عام مجرد زوايا 
ننظر من خلالها للنص ولا تعادي بعضها بعضا كما هو شائع، 
فالعلاقة بين المدارس النقدية علاقة تكاملية. والنص الأدبي 
الجيد يمكن قراءته من أكثر من زاوية حسب خصوصية النص 
ذاته وحسب ما إذا كان ما في النص يتيح هذه القراءة أو 
تلك، أي أن النص يفرض طريقة قراءته في غالب الأحيان. 
ولابد أن نقر هنا بأن الإبداع هو الأصل الذي يدور حوله النقد 
وبالتالي قد يشغل النقد مرتبة ثانية على المستوى الظاهري. ولكن 
لابد أن يكون النص إبداعا أولا - سواء أكان جيدا أم تعتريه بعض 
المشاكل ترجع إلى أن لكاتب مازال مبتدئا مثلا أو في طور تجريب 
لم تتشكل ملامحه تشكلا كاملا بعد - حتى نسمي ما يُكتب عنه 
نقدا أدبيا بالمعنى الحقيقي لكلمة نقد. وعندما يكون الإبداع جيدا 
والنقد جيدا يتساوى الطرفان وتتساوى حاجة كل منهما للآخر. 
ودور الناقد تجاه الأديب دور تاريخي منفتح على كل ما هو 
جديد. ولا توجد «قواعد » أو «شروط » للنقد ولا للأدب كما بيَّنَّا 
أعلاه، فكلنا نعرف أن مقومات الأدب والنقد ما هي إلا أعراف 
أو تقاليد أو عادات جمالية تتغير من عصر لآخر ومن ثقافة 
لأخرى وبالتالي لابد من الانفتاح في الرؤية بحيث يستطيع الناقد 
أن يحاور النص بناء على معطياته الخاصة دون أن يفرض 
عليه رؤية أو شروطا مستمدة من خارجه. النقد إنصات لروح 
النص وبيان لما إذا كان الأديب استطاع أن ينصت هو أيضا 
لروح التجربة ويعبر عنها تعبيرا يوفيها حقها ويليق بها أم لا. 
وإذا كان النقد صادقا لا أظن أن الأديب الحقيقي سيضيق به لأن 
النقد أولا وأخيرا عين أخرى للأديب، أو هو صورة النص في 
عيون الآخر، وكلنا كأدباء نحتاج إلى تلك النظرة الغيرية حتى 
نستطيع أن ندرك مدى نجاحنا أو تعثرنا في تجاربنا الأدبية. 
وبالرغم من فوضى النشر على المواقع الالكترونية وربما في 
الواقع الورقي للإبداع والنقد على السواء، لا أظن أن أي ساحة 
أدبية في أي وقت تخلو من الإبداع الجيد والنقد الجيد. أحيانا النشر 
والنقد تسودهما الشللية والترويج لما هو دون المستوى لدواعي 
العلاقات الشخصية أو المصالح. ولكن أظن أن انتشار وسائل النشر 
البديلة على صفحات الفيسبوك والمنتديات وغيرها في السنوات 
الأخيرة يعطي فرصة للمتميزين أن ينشروا إبداعاتهم، ولكنه في 
الوقت ذاته للأسف يعطي فرصة للمدعين بالنشر والانتشار أيضا، 
وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى النقد لكي يقوم بدوره التاريخي 
ويتابع ما ينشر على الصفحات ويبين جماليات النصوص المتميزة 
بحيث تكون مثالا يُحتذى به ويقوّم أيضا مسار الكتاب المبتدئين 
. 
37
وهنا أودّ أن أنوّه إلى المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق إدارة 
أي مجموعة أدبية على الفيسبوك، خاصة المجموعات المكرّسة 
لفن لم يتم ترسيخه وتأصيله نقديا بعد مثل فن الومضة القصصية. 
الإدارة مسئولية، ومن يؤسس مجموعة للومضة على سبيل المثال 
لابد أن يكون واعيا بهذه المسئولية وواعيا بجوهر الفن السردي 
بوجه عام وبالقضايا النقدية الخاصة بالومضة بوجه خاص. ولذلك 
لابد أن يتريث في نشر النصوص ويلتزم بالجدية النقدية في 
التعليقات على النصوص المنشورة ويطرح على المجموعة من 
آن لآخر قضايا يستشعرها من خلال تجربته في إدارة المجموعة 
وتمس مشاكل حقيقية يعاني منها الأعضاء في نصوصهم. 
كل تجربة أيا كانت لها إيجابياتها وسلبياتها. وأظن أن السلبيات 
هنا ترجع إلى عدم متابعة النقاد لما ينشر والإدلاء بدلوهم لتصحيح 
الوضع. وشئنا أم أبينا، المرحلة الحالية مرحلة رقمية والكترونية 
وستعمل في المستقبل على تغيير ملامح خريطة الأدب. النقطة 
الإيجابية التي ألمسها هي أن مفهوم النخبة ذاته وأدبها بدأ يفقد 
الكثير من معناه وبدأت حدود الأدب تتزحزح عن موضعها: 
بمعنى أن هذا الانتشار الرهيب للأدب والتفاعل معه على الفضاء 
الالكتروني - أيا كانت سلبياته - يصب في صالح الأدب بوجه 
عام لأن طبيعة الوسيلة المنشورة عليها النصوص هنا تقتضي 
إشراك القارئ في النص، وهو إشراك خاص بمفهوم التوسع. 
نعرف طبعا أن هناك مفهوم في علم لغويات النص يتعلق بما إذا كان 
النص خاص أم عام: بمعنى هل أكتب بلغة يقتصر فهمها والتفاعل 
معها على جمهور مخصوص أم أقوم بتوسيع الدائرة كي يستطيع 
أكبر عدد ممكن من القراء التفاعل مع النص. والمثال التقليدي 
هنا هو كتاب عن الهندسة على سبيل المثال، هل أكتبه بحيث 
يفهمه المتخصصون في الهندسة فقط أم أقوم بتبسيط المصطلحات 
وطريقة العرض بحيث يستفيد منه القارئ غير المتخصص في 
الهندسة؟ ما أراه حاليا على الشبكة هو أدب وسيط ما بين الأدب 
الشعبي الذي لا يلتزم بالأصول الأدبية المتعارف عليها والأدب 
الرسمي. وأكاد أجزم أن هذا الأدب الوسيط سيتطور مع مرور 
الزمن بحيث يطور الأدب الرسمي ذاته ويعيد له جمهوره الذي 
أفقدته النخبة إياه. يلزم فقط المتابعة النقدية الموضوعية التي 
تستعمل لغة تجعل الأديب يتقبل النقد ويطور من أدواته وأسلوبه. 
وعلى مدير المجموعة المتخصصة أو العضو أو الناقد أن يحلل 
النص تحليلا كاملا يبرز إيجابياته ويسلط الضوء على سلبياته 
بطريقة يقبلها الكثيرون بحيث يوضح ما إذا كان هذا النص أو ذاك 
مكتملا سرديا وفنيا أم لا، بدءا من العنوان الذي يسيء الكثيرون 
فهمه مرورا بعلامات الترقيم التي يسيئون استعمالها أيضا وحتى 
النص ذاته وبيان ما إذا كان نصا يمتلك سياقا فنيا يجعله قابلا للحياة 
والاستمرار أم لا. ولذا أرى أن المتابعة النقدية هي أهم شيء حاليا، 
لأن هذا الاتجاه في الكتابة المتمثل في الومضة القصصية سيستمر 
شئنا أم أبينا لأنه مرتبط بطبيعة العصر: فهل نتركه يستمر بعيوبه 
أم نقوم بتصحيح مساره بحيث يصب في صالح الأدب في النهاية؟ 
38
الناقد والإنصات لصوت النص 
الناقد عندما ينصت للنص تمام الإنصات الذي يستحقه يستطيع 
أن يسمع صوته الخاص ويستطيع النص أن يصير تام الحضور 
في ذهن الناقد ووجدانه. تناولتُ هذا الإنصات النقدي بالتفصيل 
في كتابي «الحوار مع النص: جماعة بدايات القرن نموذجا » 
) 2002 (. وأعني به أن يدع الناقد أحكامه المسبقة مقولاته النقدية 
جانبا، وينصت باهتمام لصوت النص الداخلي ويتأمل أسلوبه 
وبناءه وصياغته بحيث يستطيع أن يوفيه حقه ويشتق جمالياته من 
داخله بدلا من أن يقوم بإسقاط – بمعنى الإسقاط في علم النفس – 
مفاهيمه الخاصة عليه أو يصدر عليه أحكاما لا تتسق مع طبيعة 
النص الخاصة. 
وعدم إصدار الأحكام الآن من الفطنة النقدية، ليس فقط في الومضة 
القصصية وإنما في كل الأنواع الأدبية والفنية وكذلك في مناحي كثيرة 
من حياتنا التي يغطيها الضباب. وإن كانت هذه المناحي لا يمكن 
التحقق منها نظرا لتضارب مصادر المعرفة وعدم الاتصال المباشر 
بالحدث، فعلى الأقل في القصة الومضة تمكِّننا المتابعة التحليلية 
المتأنية من خلال القراءات والنقد أن نكوِّنَ صورة ذهنية عنها تبلور 
في أذهاننا مفهوما واضحا لها وعنها. ومن وجهة نظري، لا يمكنني 
تكوين هذه الصورة الذهنية إلا من خلال تحليل مئات الومضات 
والتحاور معها وبعد ذلك أدخل في طور التأمل لما أحلله ولما أتابعه 
وهو تأمل نقدي سيمكنني من أن أغربل الصورة في ذهني وأتوصل 
إلى تصور صافٍ لها. وهذه الصورة الذهنية في حالة صيرورة 
أو تغير وتطور مستمرين، بمعنى أن نقدها متطور مثلها بالضبط 
لأنها لم تتخذ أشكالا سردية راسخة أو قارة حتى الآن، فأمامها 
طريق طويل من محاولة الاستفادة من كل الفنون السردية: المكتوبة 
والشفاهية والمسموعة والمرئية. ولذلك يكون التنظير للومضة 
القصصية تنظيرا جزئيا في هذه المرحلة، لأن الومضة ذاتها في طور 
ترسيخ ذاتها والاستفادة من وسائل التعبير الأدبية والفنية الأخرى. 
كما أن الحوار يتخذ شكلا آخر في النقد المنشور في المجموعات 
المخصصة للقصة الومضة على الفيسبوك، خاصة في مجموعة 
سنا الومضة التي أشرف بإدارتها وتأسيسها مع الأستاذ عصام 
الشريف والأستاذ عباس طمبل. فكثير من الومضات غث. ولكن إذا 
قلت لصاحبه إنه غث مباشرة سيقول لي إنك لا تفهم في الومضة 
وإنك ناقد متزمت وما إلى ذلك. وبالتالي ليس أمامنا إلا الحوار من 
الداخل - إذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير - وأقصد به أن نقوم 
بتحليل الومضة تحليلا موضوعيا حواريا لا يجرّح في أحد ويبين 
للكاتب كيف أن النقطة الفلانية مثلا لا تخدم الومضة أو كيف أن هذا 
النص غامض ولا توجد فيه مبررات بقائه فنيا أو كيف أن استعمال 
علامات الترقيم أضر بالنص أو كيف أن الرؤية الفنية متناقضة أو 
كيف أن استعماله للغة يتنافى مع العنوان الموضوع على الومضة 
ويشطبه، وما إلى ذلك من قضايا نقدية تتكشف أثناء التحليل. 
السرد. 
39
وكثيرا ما يفهم الكتّاب موضوع الإيجاز والحذف في الومضة 
القصصية فهما خاطئا. بالنسبة للحذف، الكثير من النصوص تعتمد 
على الحذف وهو حذف يقوم في الغالب على المعرفة اللغوية والنحوية 
والسياقية والفكرية والثقافية المشتركة بين الكاتب والقارئ ولابد 
من وجود علامات ودلائل داخل النص تمكّننا من تقدير المحذوف 
وإلا صار النص مبهما وبالتالي انتفى عنه الترابط والتماسك 
والإخبار وما إلى ذلك من السمات التي تجعل الكلام المكتوب نصا 
قابلا للبقاء على مر الزمن بعيدا عن مكان كتابته وزمانه ومؤلفه. 
د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـمصر 
مقدمة 
سأتناول في هذه المقالة مفهوم العنوان في النص الأدبي من 
الناحية النظرية وأتمنى أن أستطيع أن أتناول في مقالة قادمة 
العنوان في الومضة القصصية تطبيقيا من خلال تحليل مجموعة 
كبيرة من عناوين الومضات القصصية المنشورة على مجموعة 
سنا الومضة وفي سلسلة كتابها الشهري الذي يقوم بتجميع 
النصوص المنشورة كل شهر على المجموعة في كتاب الكتروني 
مستقل. 
في لسان العرب: «عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَناً وعُنُوناً: ظَهَرَ أَمامك؛ 
وعَنَّ يَعِنُّ ويُعُنُّ عَنّاً وعُنوناً واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض ». ومن هذا 
التعريف ندرك أن هذا الفعل يقترن بالظهور والإظهار والعَرْض. 
ويقول لسان العرب إن أصل كلمة «عنوان » هي «عُنَّانٌ » وقلبت 
إحدى النونين واوا وقد تُقلب أيضا إلى «لام »: عُلْوَان ». ويقول لسان 
العرب أيضا: «عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنيناً وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إذا عَنْوَنْتَه، أَبدلوا 
من إِحدى النونات ياء، وسمي عُنْواناً لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ من ناحِيتيه ؛» 
وكذلك: «ويقال للرجل الذي يُعَرِّض ولا يُصرِّحُ: قد جعل كذا وكذا 
عُنْواناً لحاجته »؛ وكذلك: «وكلما استدللت بشيءٍ تُظهره على غيره 
فهو عُنوانٌ له «. إذن العنوان في اللغة العربية يقترن بالظهور 
وبالتعريض والتلميح وعدم التصريح وبالاستلال والإبراز. أي أنه 
يظهر فوق النص ويبرز بوصفه يشغل حيزا مستقلا عن النص 
ويرتبط بعدم المباشرة بالنسبة للنصوص الأدبية وهي محل كلامنا هنا. 
العنوان في الومضة ـ مقد م ة ن ظ ر ي ة ـ د . جم ا ل ا لج ز ي ر ي 
40
العنوان والنص: 
العنوان إذن جزء منفصل عن النص ولابد أن يكون النص 
مكتملا بدونه، فمثلا إذا كان هناك ضمير غير محدد في 
الومضة ولا يمكن فهمه إلا من خلال العنوان فلابد من 
التصريح بما/بمن يشير إليه الضمير داخل الومضة. 
يأتي العنوان منفصلا بمعنى أن العديد من الومضات إذا قرأناها بمعزل 
عن العنوان لا تكون مفهومة وتعتمد على العنوان في إنتاج معناها 
ومغزاها. ولابد أن يكون النص مكتملا في حد ذاته. فمثلا في ومضة 
لحسناء الرامي نُشِرَتْ على مجموعة سنا الومضة في بداية تأسيسها 
بعنوان «قناع « :» أزاله لرؤية وجهه الحقيقي؛ فتشظت المرآة ،» 
إذا لم نر العنوان سيؤدي ضمير الغائب المتصل بالفعل «أزاله » 
إلى الإبهام والغموض المستفحل وقد يؤدي إلى الشك فيما إذا كانت 
هذه ومضة تتناول موضوعا متسقا ومترابطا أم لا. وعليه، فليضع 
الكاتب العنوان الذي يراه مناسبا بشرط أن تكون الومضة مكتملة 
من داخلها وليست في حاجة إلى معين خارجي يساعدنا في فهمها. 
العنوان مؤشر على النص وليس مفتاحه. لابدل لنص أن يتسم بالنصوصية 
textuality ، أي أن تتوافر فيه كل السمات التي تجعله نصا دالا 
قادرا على الإيحاء بالمعنى من داخله وليس في حاجة إلى العنوان 
لكي يبني دلالته. وتناولنا هذه السمات في مقالة مستقلة مخصصة 
لمفهوم النص وكيف يكون الكلام المكتوب نصا مكتملا في حد ذاته. 
العنوان يُبرز سمة من سمات النص سواء أكانت هذه السمة تتعلق 
بالمضمون أم بالشكل أم بعلاقة النص بما هو خارجة من خلال 
التناص وما إلى ذلك. ولكنه لا يمكنه أن يكون بديلا عما هو داخل 
النص. ولا ننسَ أن النصوص قديما كانت بلا عنوان ومع ذلك 
كانت مكتملة. الشاعرة إميلي ديكنسون على سبيل المثال لم تضع 
عنوانا واحدا لأي قصيدة من قصائدها وقام الناشرون بوضع 
عناوين لهذه القصائد مستمدة عن السطر الأول من القصائد، 
وكذلك سونيتات شكسبير ليست لها عناوين ووضع الناشرون 
لها أرقاما بدلا من العناوين وقصائد شكسبير وديكنسون من 
أفضل القصائد في الشعر الإنجليزي وداخلها كل مقومات حياتها. 
لابد أن يكون العنوان متسقا مع النص، بمعنى أن العنوان وجهة 
نظر ننظر منها للنص ولابد أن تكون هذه الوجهة أو النظرة موجودة 
بالفعل كأحد احتمالات قراءة النص. ولذلك وجب على الكاتب أن 
يتحقق من أن النص مكتمل في حد ذاته بعيدا عن النص الذي كان 
في ذهنه ساعة الكتابة أو قبلها، بمعنى أن يتحرر النص من سلطة 
مكان وزمان كتابته ومن سلطة الكاتب بوصف ذهنه ووجدانه حيزا 
تدور فيه أحداث النص. وربما لهذا السبب تكلّم رولان بارت ونقاد 
كثيرون من بعده عن موت المؤلف، وهو من وجهة نظري موت 
رمزي لأنه سيساعد الكاتب على البعث الأدبي والحياة المتواصلة 
من خلال نصوصه المتكاملة التي لا تحتاج إلى وجوده شخصيا 
ليفسر لكل قارئ ما يقصده بهذا العنصر أو التعبير أو ذاك. 
41
وأرى أن الوظيفة الأساسية الوحيدة للعنوان هي التسمية، خاصة 
في النصوص القصيرة. فعندما يكون لكاتب ما عشرة نصوص 
طويلة يمكنه أن يختار لكل منها عنوانا مميزا يتسق مع موضوعها 
أو شكلها أو أي جانب من جوانب النص. أما بالنسبة للنصوص 
القصيرة، فيميل الكاتب لأن يعطي للنص عنوانا مختلفا عن عنوان 
النص الآخر، تمييزا له لا أكثر ولا أقل. فعندما تكون لدي 500 
ومضة على سبيل المثال، لن يكون هناك مجال لتسمية كل نص 
اسما يتفق مع شكله أو مضمونه، فالهم الأساسي بالنسبة لي في 
هذه الحالة أن أميز النص القصير عن غيرة، خاصة وأن الكاتب 
قد يكتب تحت تأثير حالة معينة أكثر من نص يلتقط كل منها 
زاوية من زوايا هذه الحالة وبالتالي يجدر بنا – إذا اتبعنا الطريقة 
التقليدية في العنونة – أن نضع الاسم نفسه لكل النصوص المكتوبة 
تحت تأثير حالة واحدة. ولكن الكاتب في هذه الحالة يميز بين 
هذه النصوص بعنوان مختلف لكل منها حتى ولو كان العنوان 
عبارة عن كلمة مستمدة من النص، وقد يميز بينها بأن يضع نفس 
العنوان للنصوص التي تتناول زوايا مختلفة لتجربة واحدة ثم 
يضع رقما مختلفا بعد العنوان: قناع ) 19 ؛ قناع ) 2(؛ قناع ) 3(، 
الخ. ولا يمكن منطقيا أن أرجع إلى عشرات أو مئات النصوص 
القصيرة في كل مرة لكي أضع لكل نص عنوانا يليق به، فالذاكرة 
البشرية لها حدودها وطاقتها. وعند التصنيف في كتاب فقط يمكن 
للكاتب أن يجمع النصوص التي تنصاع لرؤية إخراجية معينة 
في كتاب، وبالتالي قد يغير عنوان نص وجد أن نصا آخر أخذه. 
العنوان في الغالب يتم وضعه بعد كتابة النص. والكاتب في الغالب 
لا يضع عنوانا ثم يقرر أن يكتب عنه. ففي الوضع الطبيعي تتم كتابة 
النص أو تسجيله على الهاتف أو خطوره ببال أو نفس أو مخيلة 
الكاتب. وعندما يتشكل النص في شكل نهائي يرضى عنه المبدع، 
يضع صاحبه له عنوانا. ولابد للعنوان إذا كان يصف النص ولا 
يقتصر على مجرد التسمية أن يتماشى مع ما هو موجود في النص 
بالفعل، لا مع ما هو موجود في ذهن الكاتب، فاللغة ذاتها بمخزونها 
الثقافي والاجتماعي والأدبي والنحوي والتركيبي وما إلى ذلك 
لها مفارقاتها الخاصة وحياتها الخاصة وعندما تجتمع جملة مع 
أخرى يمكن لإحداهما أن تغير من معنى ووضع الأخرى تماما. 
والكلمة ذاتها لها حياتها الخاصة وتاريخها الخاص ولكنها عندما 
تدخل في علاقة شراكة مع كلمات أخرى لابد أن تتولد علاقات 
بين الكلمات قد تضيف لمعنى الكلمة وقد تسلبها معناها وقد توجه 
التعبير أو التركيب نحو معنى مختلف تماما عما كان في ذهن 
الكاتب. وقس على ذلك توظيف جماليات الشكل الأدبي والتاريخ 
الأدبي والبيئة الاجتماعية التي يُكتب فيها النص. أنا شخصيا كتبت 
كتابا كاملا عن ثلاث قصائد من ديوان للشاعر المصري السمَّاح 
عبد الله الذي يتخذ عنوان «خديجة بنت الضحى الوسيع » وصدر 
في عام 1988 وقرأتُ هذه القصائد على ضوء أحداث ثورة يناير 
2011 بمصر ووجدت في القصائد ما يساعدني على هذه القراءة. 
42
. ولا يمكننا أن ننسى دور القارئ في إنتاج/تأويل/إعادة صياغة 
النص وتحويل المنظور الذي يمكن النظر إلى النص من خلاله. 
وهناك تجارب تاريخية في النقد الأدبي تثبت تحرر النص من 
مؤلفه، كأن يعطي الأستاذ مثلا بعض القصائد لطلابه دون أن يذكر 
لهم اسم المؤلف أو الفترة الزمنية التي كتبت فيها القصيدة ويكتشف 
بعد ذلك أن كل طالب نظر للنص من منظور مختلف تماما بعيدا 
عن وجهة النظر التي قد يحددها العنوان أو عن ربط النص بالفترة 
الزمنية التي كتب فيها. بالنسبة لي شخصيا، كثيرا ما حدث معني 
أن يحدثني صديق مثلا عن نص لي ويقول لي: أنت تتناول هنا 
كذا وكذا. ولا أملك إلا الابتسام، لأن ما يقوله لي لم يخطر ببالي 
عندما كتبت هذا النص، وأبتسم لأن الكتابة لها منطقها الخاص 
واللغة أكبر من قائلها، وعندما أرجع لنصّي بوصفي قارئه وليس 
كاتبه أكتشف إمكانية ومنطقية قراءة صديقي بالرغم من أنها لم 
تخطر لي على بال – على الأقل على مستوى الوعي – عند الكتابة. 
ونرجع للعنوان، لا توجد مشكلة في أن يكون العنوان كلمة من 
النص ولي نصوص كثيرة جدا يكون عنوانها كلمة أو عبارة مأخوذة 
من النص ذاته. هناك فرق بين من يضع قواعد للنقد أو للأدب - 
والأدب ذاته يستعصي على القواعد وفي الغرب لا يطلقون عليها 
قواعد بل يطلقون عليها اسم «أعراف » قابلة للتغير بتغير الظروف 
والأحوال والمجتمعات والعصور والذائقة وما إلى ذلك، وحاول 
البنيويون أن يضعوا قواعد لما اسموه بعلم الأدب وفشلوا - وبين 
الأديب الذي يكتب نصا إبداعيا حقيقيا ويضع له عنوانا يتناسب معه. 
من واقع تجربتي الشخصية، لا أستطيع أحيانا أنا أضع العنوان 
المناسب للنص لأن العنوان الذي أريد وضعه وضعته لنص آخر لي 
من قبل مثلا. وبالتالي أختار عنوانا آخر. والعنوان من وجهة نظري 
يمثل منظورا أو إطلالة ننظر منها على النص وندخل إلى النص من 
خلال الزاوية التي يفتحها لنا هذا العنوان. وهنا لابد أن يكون ما يمثله 
العنوان حاضرا في النص، بمعنى أن النص لابد أن يكون مكتملا 
ومكتفيا بذاته وصالحا للبقاء والحياة في أذهان القراء بدون الحاجة 
للرجوع للعنوان، لأن الوظيفة الأساسية للعنوان هي التسمية، كما 
ذكرتُ أعلاه وكما نعرف هذه التسمية قد تجمع في ثناياها صفات 
المُسمَّى وقد تقتصر فقد على تمييز هذا النص عن نص آخر. وهناك 
نصوص عناوينها عبارة عن أرقام مثلا بالرغم من أنها لا تتناول 
موضوعا رياضيا على سبيل المثال. وهناك العناوين الوصفية التي 
تصف موضوع النص مثلا مثل غربة أو خيانة أو وحدة أو انتظار 
وما إلى ذلك أو تصف شكل النص كأن نقول «ومضة « ،» رباعية ،» 
«خماسية « ،» مناظر « ،» مشاهد « ،» قصة قصيرة « ،» مقطوعة ،» 
«شذرة « ،» مقطع »، على سبيل المثال. وهناك عناوين تكون 
بأسماء شخصية من الشخصيات الموجودة في القصة أو الرواية 
مثلا مثل «الزيني بركات » أو «سارة » أو «زينب والعرش .» 
43
وهناك عناوين تصف المكان مثل «بين القصرين « ،» السكرية » 
وما إلى ذلك 
العنوان من أصعب مراحل كتابة النصوص القصيرة جدا، 
خاصة إذا كان النص يحمل أكثر من دلالة. والعنوان بوجه ما 
يمثل وجهة نظر أو يفتح لنا زاوية يمكننا أن ننظر من خلالها 
للنص، ولكنه لا يستطيع أن يستوعب كل النص على أية حال. 
ولكل ذلك لا أرى مبررا لأقوال النقاد بأن العنوان جزء لا 
يتجزأ من النص. العنوان لابد أن يكون منفصلا ولابد أن يكون 
النص مكتملا بدونه. فالعنوان يُبرز فقط جانبا من جوانب النص 
دون أن يحتوي النص أو يستوعب ثراءه. وفي كل الأحوال. 
بعد هذه الفقرات التي تناولتُ فيها رؤيتي للعنوان بناء على منجزات 
الورشة النقدية التي تم عقدها لأكثر من شهرين متواصلين أسبوعيا 
على مجموعة سنا الومضة بعد تأسيسها بأسابيع قليلة وبناء على 
الدراسات التطبيقية التي تناولت العديد من الومضات للعديد من 
أعضاء سنا الومضة وتم نشر بعضها على سنا الومضة ذاتها 
ونشر معظمها في مجلة سنا الومضة الالكترونية، سأنتقل الآن 
إلى تناول العنوان من خلال بعض كتاباتي السابقة على تأسيس 
سنا الومضة ومن خلال كتاب عتبات النص أو محيطات النص 
لرائد الكتابة عن العنوان، ألا وهو الناقد الفرنسي جيرار جينيت. 
دراسات سابقة لي عن العنوان 
ذكرت في دراسة لي بعنوان «مشروعية دراسة عتبات النص: 
قراءة في روج أبيض لزاهر الغازيابي 1999( » ، وزاهر الغازيابي 
عضو الآن في سنا الومضة( تقسيم جيرار جينيت لما يطلق عليه 
«محيط النص paratexte » إلى «إطار النص péritexte » 
و »فلك النص « .épitexte » وإطار النص هو كل ما يؤطر النص 
مثل الإطار بالنسبة للصورة، أي الغلاف بكل ما يحتويه، وصفحة 
العنوان، والإهداء، والعناوين الداخلية والرسومات والتوضيحات، 
الخ. أما فلك النص فهو كل ما يدور في فلك النص وذو علاقة به قد تقوى 
أو تضعف مثل الدراسات النقدية وكل ما يتناول النص أو يقترب منه 
كالإعلانات والحوارات الصحفية والأعمال التي ترتبط بالعمل بشكل 
أو بآخر كعلاقة التناص التي يقيمها عمل آخر مع هذا العمل » )ص 
126 (. وفكرة المحيط ذاتها تدل في الإنجليزية والفرنسية والعربية 
على أن العنوان مجاور للنص أو قريب منه، فالكلمة الإنجليزية 
والفرنسية paratext, paratexte تتكون من مقطعين: المقطع 
الأول عبارة عن سابقة أو مقطع سابق مشتق من اليونانية القديمة 
بمعنى «بجانب » أو «فيما وراء » أو «ملاصق لـ » والمقطع الأساسي 
كلمة بمعنى النص. أي أن محيط النص أو ما شاع باسم عتبات النص 
ليس جزءا من النص وإنما يقيم معه علاقة مكانية وفكرية ومعرفية 
تقترب أو تبتعد حسب نوع تلك العتبات أو العناصر المحيطة بالنص. 
44
فالعنوان مثلا أقرب هذه العناصر مكانيا للنص، ولكن المقالة النقدية 
التي تتناول موضوع النص مثلا أقرب معرفيا للنص من العنوان 
لأنها تسهب في تأويل الأفكار التي يطرحها النص. صورة الغلاف 
مثلا – وأستحضر هنا صورة غلاف مجموعتي «فتافيت الصورة » 
والمكون من صور وجوه وأشجار وورود تم تقطيعها ونثر أجزائها 
في صورة الغلاف – توصل الفكرة الفنية التي تكون وراء تقسيم 
المجموعة والمراوحة بين الومضات القصصية والأقاصيص – 
توصلها بطريقة سريعة وبالتالي تكون أقرب لتمثيل روح المجموعة 
ككل. وهذا الجانب البصري في الغلاف يدعمه بعد ذلك عنوان 
المجموعة – «فتافيت الصورة » – من خلال التأكيد اللغوي على 
الدلالات التي تم نقلها بصريا للقارئ حتى قبل أن ينظر إلى العنوان. 
وكلمة المحيط في اللغة العربية تدل على البيئة والوَسَط اللذين ينشأ 
فيهما الشخص/النص، ولا تخفى علينا دلالة تأثير هذه البيئة على 
الشخص/النص، ولكنها ليست دلالات حاسمة أو فيصلية، يمكن 
للشخص أن ينشأ في بيئة سلبية ولكنها يمتلك رؤية إيجابية لنفسه 
وللحياة. ويمكن لمقال نقدي ينتمي إلى فلك النص – الذي هو جزء 
من محيط النص – أن يصور النص تصويرا جذابا يغوي القارئ 
لأن يشتري الكتاب مثلا، ولكن ذلك القارئ قد يكتشف ذلك الخداع 
بمجرد أن يبدأ في قراءة النص وبالتالي ينظر هذا القارئ لمحيط 
النص نظرة سلبية نظرا للتضارب بين محيط النص والنص ذاته. 
ويمكن للناشر مثلا أن يلعب دورا – سلبيا أو إيجابيا – في تشكيل 
محيط النص، فعند نشر ديواني الأول على سبيل المثال، أرسلتُ 
الديوان للناشر بعنوان «لا تنتظر أحدا يا سيد قصيد » وكأنني أخاطب 
في العنوان شخصا اسمه «قصيد » تذكيرا للقصيدة المؤنثة. ولكن 
الناشر لم يستوعب العنوان وظن أن به خطأ لغويا أو أن الألف 
واللام سقطتا سهوا منّي وقام بإضافتهما – «لا تنتظر أحدا يا سيد 
القصيد » – بحيث جعل المخاطب «سيد القصيد » بمعنى الشخص 
الذي يمسك بذمام القصيدة، وهذا ليس مقصودا ولا يمكن لشاعر 
ينشر ديوانه الأول أن ينظر لنفسه على أنه سيد القصيد. وحدث 
أيضا أن قمتُ بترجمة كتاب إسرائيل شاحاك إلى العربية وعنوانه: 
«التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: وطأة ثلاث آلاف سنة » ولكن 
الناشر وجد أن ذلك العنوان لن يجذب زبائن كثيرين للكتاب، فنشره 
بعنوان: «اليهودية أيديولوجية قاتلة: التاريخ اليهودي وسطوة ثلاث 
آلاف سنة ». وحدث أيضا أنني كتب جزءا من مسودة دراسة لي 
عن فكرة الزمن في ديوان أحد الشعراء وحفظت الملف مبدئيا 
بعنوان «هوامش حول فكرة الزمن عند.... » وتناولت فيها أحد 
دواوين ذلك الشاعر ولم أوثق المراجع إلا جزئيا داخل النص 
على أساس أنني لم أستكمل الدراسة وسأقوم بإعداد قائمة كاملة 
بالمراجع وسأقوم أيضا باختيار عنوان مناسب للدراسة بعد الانتهاء 
منها وبعد تناول دواوين أخرى لنفس الشاعر، وأرسلتها لذلك 
الشاعر لأخبره بأنني بدأت بالفعل في كتابة دراسة عن دواوينه، 
وفوجئت بنشرها بنفس العنوان المبدئ الذي كان بغرض حفظ 
الملف وليس نهائيا. فهل في هذه الحالات الثلاث يمكننا أن نقول إن 
المؤلف قصد استعمال هذه العناوين وإنها تمثل النص خير تمثيل؟ 
45
؟ أظن أن الإجابة بالنفي، وصار العنوان مجرد اسم للنص في 
جميع الحالات، وهو اسم ربما تضادَّ مع فكرة المؤلف من وراء 
العنوان كما في «لا تنتظر أحدا يا سيد القصيد » أو تم وضعه 
بغرض دعائي وترويجي كما في «اليهودية أيديولوجية قاتلة » 
أو تم تثبيته كعنوان بسبب التعجل في النشر كما في «هوامش 
على فكرة الزمن » الذي لا يمثل الدراسة خير تمثيل لأنه عنوان 
مبدئي وعام ولا يحدد طبيعة المقصود بالزمن في الدراسة. 
ذكرتُ في رسالتي للدكتوراه ) 2002 ( أن العنوان يشير إلى 
شيء غير ذاته، ولابد من وجود بعص الروابط التي تجعلنا نُنشئ 
علاقة بين النص والعنوان )ص 10 (. والعنوان يميز النص عن 
النصوص الأخرى ويُبرز سمة من سماته القارة فيه ويكون بمثابة 
فاصل أو رابط حدودي بين ما هو أدبي وما يقع خارج نطاق 
النص الأدبي )ص 10 - 11 (. ولا يمكنه أن يُثَبِّت كل جوانب 
الدلالة أو الإحالة أو المعنى في النص )ص 11 (، بمعنى أنه 
مجرد إطار للنص – مثل الإطار بالنسبة للصورة – والإطار لا 
يحدد دلالة النص ولا يفرض عليه شيئا، إلا بعد أن يتأمل المشاهد 
الصورة مثلا وبعدها ينتقل منها إلى الإطار والحائط المعلقة عليه 
وما إلى ذلك، وقد يؤدي هذا الانتقال إلى إحداث نوع من الربط 
بين النص البصري المنظور أو المقروء وبين ما يقع خارج هذا 
الإطار كما في العناوين التي تحيلينا – عن طريق التناص – إلى 
خارج النص. وقلتُ أيضا إنه بالرغم من أن العنوان مفروض 
على القارئ لأنه أول شيء يتلقاه عندما يبدأ في القراءة، لا 
يمنع ذلك القارئَ من أن يلعب دوار إيجابيا في الاستجابة للنص 
وتلقيه، ويحاول القارئ أن يتصوَّر العلاقة بين دلالة العنوان 
والنصِّ الذي لم يدخل فيه بعد. ولكنه مجرد تصوّر ومرحلة أولى 
من مراحل التأويل، فالقارئ لا «يستهلك » النص أو يتلقاه تلقيا 
سلبيا، فبناءً على ثقافة كل قارئ وخلفيته المعرفية والأعراف 
الأدبية التي يتبناها، يقدم كل منهم تأويلا خاصا للنص )ص 12 (. 
وذكرتُ في رسالة الدكتوراه أيضا أن فعل العنونة أو وضع عنوان 
للنص لا يُشترط أن يقوم به المؤلف، فربما يقتبس المؤلف كلاما 
مذكورا على لسان شخصية من الشخصيات داخل النص مثلا، 
وفي هذه الحالة لا يمكننا أن نقول إن العنوان يمثل وجهة نظر 
المؤلف، فهو هنا يمثل وجهة نظر شخصية من الشخصيات وقد 
يتبنى المؤلف وجهة النظر هذه وقد لا يتبناها، وهنا نجد أن العنوان 
يُبْرِزُ صوت هذه الشخصية أو تلك، ويتم استبعاد المؤلف الذي قرر 
طواعية الاختفاء من الصورة، وربما يسمح المؤلف لشخصية من 
الشخصيات بإبراز صوتها من خلال العنوان لهدف جمالي معين. 
باختصار، يقوم المؤلف بتفويض مهمة وضع العنوان لشخصية من 
الشخصيات لكي يُظْهِرَ لنا مثلا أهمية كلمات تلك الشخصية بالنسبة 
للقصة ككل أو لكي يسلط الضوء على وجهة نظر الشخصية )ص 
13 (. وخلصت من تحليلي لما كُتب عن العنوان آنذاك إلى أن 
الوظيفة الوحيدة للعنوان التي يقوم بها كل العناوين على السواء 
هي وظيفة التسمية، بحيث يُعطي العنوان اسما للنص يميزه 
عن النصوص الأخرى. وحتى لو حملت بعض النصوص نفس 
العنوان، فاسم المؤلف هنا يميز هذا النص عن ذاك )ص 14 (. 
46
العنوان والتسمية 
أشرنا مرات كثيرة من قبل إلى أن وظيفة العنوان الأساسية هي 
التسمية - مثل الاسم بالنسبة للشخص - ولكن تختلف طبيعة التسمية 
في العنوان عن طبيعة تسمية الأشخاص، فتسمية الأشخاص تعتمد في 
الأساس على التمنّي من قِبل الوالدين أو من يقوم بتسمية الطفل، والتمني 
هنا يعني أن الوالدين أو من يقوم بدورهما يختار اسما يظنه ميمونا أو 
يحمل دلالة شخصية بالنسبة لمن اختار الاسم وقد يحمل دلالة دينية 
أو اجتماعية أو سياسية وما إلى ذلك من توجهات لدى واضع الاسم. 
أما العنوان بوصفه اسما للنص، فلابد أن يكون للنص من عنوانه/ 
اسمه نصيب، بمعنى أن يدل العنوان على النص دلالة جزئية أو 
كلية أو يشير إلى أحد جوانبه سواء أكان ذلك يتعلق بالشكل أو 
بالمضمون أو بعلاقة النص بنصوص أخرى وما إلى ذلك. والاتكاء 
على العنوان وجعله عنصرا تركيبيا لو استغنى عنه النص ضاعت 
فكرة نصوصيته أو كونه نصا من أخطر العيوب التي يقع فيها كتاب 
الومضة: تجد الكاتب مثلا يضع عنوانا - كأن يكون اسم شخصية 
أو لقبها على سبيل المثال - ويستخدم ضمائر داخل النص غير 
واضح المحال إليه فيها وينتظر من القارئ أن يفهمها على ضوء 
العنوان. من المفروض أن العنوان ينتمي إلى محيط النص وليس 
للنص ذاته، وبالتالي لابد أن يكون النص نصا أولا وأخيرا، بمعنى 
أن تتوافر فيه العناصر السياقية والحدثية والسردية التي تمكنه من 
الاعتماد على نفسه وتمكن القارئ من التعامل مع النص على أنه 
قائم بذاته وعلى أنه كيان متكامل لا يحتاج إلى غيره ليتسق تأويله. 
أسبقية النص على العنوان 
عملية العنونة عملية لاحقة على الإبداع، ولا يمكنها أن تسبق فعل 
الإبداع. ومن الناحية التاريخية، لم يأخذ العنوان اهتماما كثيرا من 
قبل المبدع في بداية الأمر لدرجة أن العديد من القصائد والملاحم 
التي كتبها الشعراء في العصور القديمة لم يكن لها عنوان وكانت تتم 
الإشارة إليها ببحرها الموسيقي مثلا أو قافيتها أو مقطع من أول بيت 
فيها وما إلى ذلك. ويحضرني هنا مثلان وهما قصائد وليم شكسبير 
وقصائد الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون التي عاشت في القرن 
التاسع عشر، وكنتُ قد أشرتُ إليهما من قبل في هذه الدراسة. 
فوليم شكسبير لم يضع عنوانا لأي قصيدة من سونتاته وقام النقاد 
والناشرون بعد ذلك بترقيم هذه القصائد وطبعها في كتاب ولكن 
القصائد مكتملة في حد ذاتها وتتبع المعمار الفني للسونيت. وإيميلي 
ديكنسون كتبت مئات القصائد ولم تنشر في حياتها إلا قصائد قليلة 
جدا ربما تُعد على أصابع اليد الواحدة. واهتم بها النقاد بعد وفاتها 
ونشروا كل قصائدها. ونظرا لأن ديكنسون لم تكن تضع عناوين 
لقصائدها، قام النقاد بوضع السطر الأول من كل قصيدة عنوانا لها، 
وكل قصائد إيميلي ديكنسون قصائد متكاملة ورائعة بعيدا عن العنوان. 
وكما أن العنوان معرّض للإضافة، هو معرّض للحذف أيضا ونرى 
ذلك في الأعمال التي كانت لها عناوين طويلة جدا - حيث أن أسلوب 
العنونة قديما، خاصة في الأعمال النثرية - كان يعتمد على اختيار عنوان 
طويل ربما يصل إلى عدة أسطر، ونلاحظ ذلك في الأعمال التراثية 
العربية وفي الأعمال الغربية التي تنتمي لما قبل القرن العشرين. 
47
وقام النقاد أو القراء أو الناشرون بعد ذلك باختصار هذه العناوين 
الطويلة حتى تناسب ذائقة العصر الحالي وتقوم بدور الإشارة 
الموجزة للنص من خلال عنوان مختصر. ونخلص من كل ذلك 
إلى أن الكاتب عليه أن يصيغ نصه أولا ويسعى لأن يكون هذا 
النص مكتمل العناصر التي تؤهله لأن يكون نصلا مستقلا وقابلا 
للحياة بعيدا عن عنوانه وعن كاتبه، أي أن يتحرر النص من 
سلطة العنوان وسلطة الكاتب في آن. وبعد ذلك تأتي المرحلة 
التالية المتمثلة في اختيار عنوان مناسب للنص. 
جيرار جينيت في الإنجليزية 
يستعمل رتشارد ماكسي – الذي كتب الكلمة الافتتاحية للترجمة 
الإنجليزية لكتاب جرار جينيت - مصطلح الوسيلة أو الأداة الحدية 
أو الحدودية liminal devices للإشارة إلى العنوان والإهداء 
والتمهيد والهوامش والعناوين الداخلية وتوقيع المؤلف وكل ما 
«يتوسَّط العلاقات الكائنة بين النص والقارئ » )ص 11 (. ويسميها 
في موضع آخر «العناصر المحيطة بالنص paratextual » 
elements )ص 12 ( ويصفها في موضع آخر بأنها «الأعراف/ 
التقاليد الأدبية والطباعية التي تتوسط بين عالم الطباعة وعالم 
النص » )ص 17 (. نستشف من ذلك أن العنوان يحيط بالنص أو 
يقع في محيطة ولا يمثل لبنة عضوية من لبنات بناء النص: إذا 
أزلنا العنوان، سيصير النص نصا يشتمل على كل عناصر بقائه 
ووجوده في قابل الأيام بعيدا عن سلطة العنوان وسلطة المؤلف 
وسلطة المكان والزمان. ويعزز ذلك وجود العنوان في المنطقة 
الحدودية أو الحادية التي تفصل بين النص وما هو خارجه تماما، 
فالعنوان بصريا – خاصة في العناوين الداخلية في الكتاب أو في 
عناوين النصوص القصيرة المفردة – أقرب شيء للنص. ومكانه 
هذا يجعل منه عتبة يلجها القارئ – بحكم موقع العنوان قبل النص 
– قبل أن يدخل للنص. وأتذكر هنا تعليق أحد أعضاء سنا الومضة 
على تعليق تناول كلمة يضعها منفصلة في بداية النص وقال إنها 
عتبة ثانية بعد العنوان الذي هو عتبة أولى من وجهة نظره. لو تبنَّيْنَا 
الاستعارة المعمارية التي تصوّر العنوان على أنه عتبة، سيكون 
منطقيا أن البناء له عتبة واحدة وإلا تعثر القارئ في كثرة العتبات. 
وأؤكد على أن وصف العنوان بالعتبة استعارة مكانية لا أكثر، 
فعندما تمت ترجمة كتاب جيرار جينيت إلى اللغة الإنجليزية تُرجم 
بـ P-Paratexts: Thresholds of Interpretation أي 
محيطات النص: عتبات التأويل. والترجمة الحرفية للمصطلح هي 
النصوص المحيطة، ولكن الترجمة الأقرب للمعنى هي محيطات 
النص ويمكننا في العربية أن نقتصر على صيغة المفرد بحيث 
نشير إلى كل ما يحيط بالنص من عناصر باسم محيط النص. وهو 
المعنى الذي يقصده جيرار جينيت ويؤكد عليه في متن الكتاب. 
وربما كان هذا هو السبب الذي دفعني للقول أهلاه بأن العنوان 
مجرد وجهة نظر يمكننا أن ننظر من خلالها إلى النص. 
48
. والمقصود بعتبات التأويل أن العنوان والإهداء والغلاف والتمهيد 
والدراسات حول النص وما إلى ذلك ما هي إلا وسائل مساعدة 
تساعدنا في تأويل النص وقد نستشف بعد قراءة النص ذاته أن 
الكاتب يستعمل العنوان استعمالا ساخرا أو يقوم على المفارقة. 
كما يمكننا أن نكتشف أن المقالة المكتوبة حول نص ما تقوم على 
المجاملة وتعطي النص ما لا يستحق وعندما نبحث داخل النص 
ذاته عما يقوله الناقد فيها لا نجد شيئا منه. ولذلك علينا أن نعتمد 
حتى في تأول النص على القرائن السياقية الموجودة داخله بالفعل. 
عتبات جيرار جينيت 
يقول جيرار جينيت في بداية كتابه «عتبات » الذي تمت ترجمته 
إلى الإنجليزية بعنوان «النصوص المحيطة/محيطات النص: عتبات 
التأويل » بأن «العمل الأدبي يتكوّن – كليًّا أو جوهريًّا – من نصٍّ 
يمكن تعريفه – في حدِّه الأدنى – بأنه سلسلة تطول أو تقصر من 
العبارات اللفظية التي لها دلالة بشكل أو آخر » )ص 1(. وهذا يعني 
أن النص هو مجموعة الجمل التي يتكوّن منها بعيدا عن العنوان. 
ولكن جينيت يسارع بقول إن النص نادرا ما يتم تقديمه هكذا دون أن 
تزيِّنه أو تدعِّمه أو تصاحبه مجموعة من الأشياء القولية الأخرى مثل 
اسم المؤلف والعنوان والتمهيد والرسوم التوضيحية. ويسمي هذه 
الأشياء حالات إخراجية productions ويضيف: «وبالرغم من 
أننا لا نعرف دائما ما إذا كانت هذه الحالات الإخراجية يمكن النظر 
إليها على أنها تنتمي للنص أم لا، فإنها تحيط بالنص على أية حال 
وتمدّه/تمطّه/توسّعه، وذلك بغرض أن تقدّمه بالمعنى المعتاد للفعل 
وكذلك بغرض أن تجعله حاضرا، لتضمن حضور النص في العالم 
وتضمن تلقِّيهِ واستهلاكه في شكل كتاب )على الأقل في عصرنا 
الحالي » )ص 1(. وتتفاوت هذه الحالات الإخراجية المصاحبة 
للنص في مداها وفي مظهرها وتشكّل «النص المحيط بالعمل » 
the work›s paratext )ص 1(. ويعرّف جينيت محيط النص 
بأنه «ما يُمَكّن النص من أن يصير كتابا ومن أن يتم تقديمه بهذه 
الصفة للقراء وللجمهور بوجه عام » )ص 1(. ويؤكد جينيت على 
أن النص المحيط ليس مجرد حدٍّ مغلَق، بل هو أقرب للعتبة التي 
تقدّم لنا فرصة للدخول إلى النص أو الرجوع والإحجام عن الدخول 
فيه. وهو بذلك «منطقة غير محدَّدَة » بين الداخل والخارج، منطقة 
لا يوجد لها حدٌّ على الجانب الداخلي )المتوجه نحو النص( أو على 
الجانب الخارجي )المتوجه نحو الخطاب الذي يدور في عالمنا حول 
النص(، وهو حافة، وهنا يستشهد جينيت بمقولة لفيليب لوجين: 
«حافة النص المطبوع التي تتحكم في الواقع في مجمل قراءتنا 
للنص .» 
49
ويصف جينيت هذه الحافة بأنها تنقل لنا تعليقا يخص المؤلف أو 
على الأقل يرتضيه المؤلف بشكل أو بآخر، وهذه الحافة تكوِّن 
منطقة بين النص وخارج النص off-text ، وهي منطقة لا تدل 
على الانتقال من النص إلى داخله فحسب بل وتدل أيضا على 
التعامل transaction مع هذا النص: أي أن هذه الحافة مكان 
متميز بوصفه مكانا للتداولية والاستراتيجية، أي كيف يتم تداول 
النص أو كيف يحدد المؤلف الغرض من النص وكذلك كيف يُعتبر 
النص المحيط خطة أو استراتيجية يضعها المؤلف لبيان طريقة 
تداول النص من وجهة نظره. وتعتبر هذه الحافة من وجهة نظر 
جينيت أيضا مكانا للتأثير على الجمهور، وهو تأثير – سواء أسأنا 
فهمه أم أحسنَّا فهمه – يبتغي التلقّي الأفضل للنص وقراءته قراءة 
أكثر ملاءمة للنص )أكثر ملاءمة بالطبع من وجهة نظر المؤلف 
وأعوانه(. ويؤكد جينيت على أن كتابه لم يقتصر على تناول هذا 
التأثير، فباقي الكتاب سيتناول وسائل ذلك التأثير وطرقه وآثاره 
)ص 1- 2(. 
ويضيف جينيت أن محيط النص يتكوّن عمليا من مجموعة غير 
متجانسة من الممارسات والخطابات التي لا حصر لها وتنتمي لكل 
العصور )ص 2(. ويضيف أيضا أن النص المحيط مقصود من 
جانب المؤلف ويتحمّل مسئوليته )ص 3(. وفي موضع آخر يصف 
جينيت النص المحيط بأنه عبارة عن رسائل محيطة بالنص ويلفت 
انتباهنا إلى أن هذه الرسائل ليست إلزامية أو ثابتة أو واجبة في 
كل النصوص، ففي بعض الفترات التاريخية لم يكن إلزاميا أن 
يتم وضع اسم المؤلف أو أن يتم وضع عنوان للنص )ص 3(. 
كما يلفت جينيت انتباهنا إلى أن طرق ووسائلَ محيطِ النص تتغير 
على الدوام بتغيُّر الفترة التاريخية والثقافة والنوع الأدبي والمؤلِّف 
والعمل والطبعة )ص 3(. وإذا كان جينيت قد قال ذلك عام 1987 
في الطبعة الأولى من كتابه باللغة الفرنسية، فلا شك أن التغيرات 
التكنولوجية والرقمية والوسائطية التي طرأت على عصرنا بعد 
ذلك التاريخ ستفرض متطلباتها وآثارها على ما يحيط بالنص من 
رسائل وعناصر وعتبات. 
ويقسّم جينيت دراسة هذه العناصر إلى دراسة سماتها المكانية 
والزمانية الجوهرية والتداولية والوظيفية. ويقول بأن تعريف 
العنصر المحيط بالنص يتكون من تحديد موقعه وتاريخ ظهوره أو 
تاريخ اختفائه وطريقة أو صيغة وجوده وسمات موقف الاتصال 
الذي يوجد فيه ما بين مرسِل ومستقبل والوظائف التي تهدف رسالة 
هذا العنصر إلى تحقيقها )ص 4(. ويقسّم جينيت عناصر محيط 
النص حسب موقعها من موقع النص ذاته: حول النص وحسب ما 
إذا كان في نفس الكتاب أم توجد مسافة تُبْعِدُه عن الكتاب. ويوجد 
العنوان والتمهيد وعناوين الفصول الداخلية والهوامش داخل الكتاب 
ويطلق عليها جيرار جينيت إطار النص peritext . أما العناصر 
التي توجد خارج الكتاب فتشمل الحوارات مع الكاتب واليوميات 
والخطابات وما إلى ذلك، ويطلق عليها جيرار جينيت فَلَك النصّ 
peritext )ص 4- 5(. 
50
ويلاحظ جيرار جينيت أن عناصر محيط النص قد تختفي في أي 
وقت بسبب قرار يتخذه المؤلف أو بدون تدخل من المؤلف أو بسبب 
عوامل الزمن. ويدّلل على ذلك بالعناوين الطويلة التي كان الكتاب 
يضعونها لكتبهم قديم واختصرتها الأجيال اللاحقة في عناوين 
مختصرة وكذلك بالتمهيد الذي كان يُكتب للروايات مثلا وتم حذفه 
من الطبعات اللاحقة )ص 6(. 
ويلاحظ جينيت أن محيط النص في كل أشكاله عبارة عن خطاب 
يستند إلى غيره في الأساس وإضافي ومكرّس لخدمة شيء غيره 
وهو النص الذي يمثل السبب في وجوده بالأساس. وأيا كان التوظيف 
الجمالي أو الأيديولوجي الذي يوظّف به المؤلفُ عناصر محيط 
النص، يظل محيط النص تابعا للنص على الدوام ودوره الوظيفي 
هذا يحدد جوهرَ جاذبيتِه ووجودِه )ص 12 (. 
وظائف العنوان عند جيرار جينيت 
يعرض جينيت وظائف العنوان كما وصفها النقاد قبله وهي أن العنوان 
-1 يسمّي العمل؛ 2- يحدد موضوعه؛ 3- يغري الجمهور. ويذكر 
أن هذه الوظائف ليست إلزامية في كل العناوين باستثناء الوظيفة 
الأولى وهي وظيفة التسمية والتي يمكن أن تقتصر على رقم يميز 
العمل عن غيره من الأعمال. ويتحدث عن الكتب التي تشترك في 
نفس العنوان وفيها يظل العنوان غامضا، فعندما تذهب إلى مكتبة 
تبيع الكتب وتسأل البائع عن العنوان سيرد عليك بسؤال مستفسرا 
عن اسم المؤلف على سبيل المثال )ص 76 (. 
وبالنسبة لوظيفة تحديد الموضوع، تتفاوت هذه الوظيفة من التحديد 
المباشر للموضوع إلى التحديد الرمزي، الأمر الذي يفرض على 
القارئ واجبا تأويليا حتى يربط العنوان بالنص )ص 76 - 77 (. 
ويلاحظ جينيت أن هذه الوظائف الثلاث ليست وافية، فهناك عناوين 
قد لا تكشف عن مضمون الكتاب وتكتفي بالكشف عن شكله كأن 
يكون العنوان «قصائد » أو «قصص » على سبيل المثال، وبالتالي 
يذهب جينيت إلى وجوب إدخال وظيفة رابعة بعد الوظيفة الثانية 
أو دمجها بها بحيث تكون: 2- يحدد موضوع العمل أو شكله أو 
كليهما معا )ص 77 (. ومن هنا يقسّم جينيت العناوين إلى عناوين 
موضوعية أو فكرية thematic titles تشير إلى فكرة العمل 
وموضوعه وعناوين شكلية formal أو نوعية generic تشير 
إلى شكل العمل أو نوعه الأدبي )ص 78 (. 
ويرى جينيت أن العنوان «اسم » للكتاب ويعيّنه بأدق طريقة ممكنه 
بما يمنع اللبس. ويلفت النظر إلى أن فعل التسمية يتمثل في فعلين 
مختلفين. أولهما يتمثل في اختيار اسم للشخص أو تعميده ويتم ذلك 
بناء على شيء ما كأن يكون الاسم مفضلا أو يتم بناء على توافق 
أو وفقا لما جرت عليه العادة. ولكن بعد أن يقترن الاسم بالشخص 
سيستعمله الجميع كاسم يشير إلى الشخص بعيدا عن الدافع وراء 
اختياره، فهناك فرق بين التسمية بمعنى استعمال اسم والتسمية 
بمعنى التعميد وإعطاء اسم )ص 79 - 80 (.. 
51
(. ويسري نفس الشيء من وجهة نظر جينيت على عناوين الكتب. 
فعنوان الكتاب مجرد وسيلة لتمييزه عن الكتب الأخرى مثل رقم 
الإيداع أو رقم طلب الكتاب وفهرسته في مكتبة ما، والهدف منه هو 
التسمية والتعيين والتحديد لا أكثر وبذلك تكون التسمية أو التعيين 
هي أهم وظيفة للعنوان ولا يمكن الاستغناء عنها)ص 80 (. 
ويلاحظ جينيت أن العديد من عناوين الأعمال السيريالية تم اختيارها 
عشوائيا ومع ذلك تقوم بوظيفة التسمية والتعيين مثلها مثل أي عنوان 
تم اختياره بعناية فائقة، وللقارئ مطلق الحرية - إذا –أعانه خياله – 
في أن يجد لهذه العناوين العشوائية معنى )ص 81 (. 
مراج ع 
Elgezeery, Gamal Mohamed Abdel-Raouf 
Mohamed. Narrative Aspects in Roger 
PhD Diss. Ain .1987-1967 McGough’s Poetry 
Shams University, Faculty of Arts, English 
.2002 ,Department 
Genette, Gerard. Paratexts: Thresholds 
of Interpretation.» Trans. Jane E. Lewin. 
.1997 ,Cambridge: Cambridge University Press 
.2001 Digital printing 
Macksey, Richard. «Foreword». Gerard Genette. 
Paratexts: Thresholds of Interpretation.» 
Trans. Jane E. Lewin. Cambridge: Cambridge 
xi- .2001 Digital printing .1997 ,University Press 
.xxii 
جمال الجزيري. «مشروعية دراسة عتبات النص: قراءة في روج 
أبيض لزاهر الغازيابي ». المؤتمر الأدبي الأول لثقافة القاهرة. 
الأدب والمستقبل: كتاب الأبحاث. القاهرة: الهيئة العامة لقصور 
الثقافة )ثقافة القاهرة(، 1999 . 115 - 137 . ص 135 - 136 . 
جيرار جينيت. «العنوان: مكانه وزمانه، مرسِلُه ومستقبِلُه ». ترجمة 
جمال الجزيري. مجلة تواصل: نشرة أدبية غير دورية تصدرها 
ثقافة القاهرة. عدد فبراير 1999 . ص 36 - 45 . 
جيرار جينيت. «وظائف العنوان ». ترجمة جمال الجزيري. مجلة 
تواصل: نشرة أدبية غير دورية تصدرها ثقافة القاهرة. عدد يونيو 
1999 . ص 39 - 50 . 
52
فلسفة الومضة 
د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر 
السرد ليس بدعة تبتدعها سنا الومضة. السرد فن راسخ في جميع 
ثقافات العالم. فقط يحتاج إلى موهبة أدبية أصيلة وقراءة أكبر عدد 
ممكن من النصوص السردية من مختلف الأنواع والثقافات. وأعني 
بالقراءة التوقف أمام أسلوب تعبير كل كاتب وكيف ينقل لنا الحدث 
الذي يسرده والطرق المختلفة لتصوير الشخصيات وكيف ينتقل من 
حركة سردية لأخرى. 
الاختلاف بين الأنواع السردية المختلفة اختلاف في الدرجة وليس 
النوع، كما أنه اختلاف في الرؤية الأدبية. 
التكثيف مطلوب في كل الأنواع السردية بما فيها الرواية، فلو 
استطردت في سرد حدث داخل الرواية سيؤدي ذلك إلى الإطناب 
والإسراف السردي، الأمر الذي سيؤدي بالقارئ إلى عدم إكمال 
الرواية والنظر إلى الكاتب على أنه لا يحسن استعمال قلمه. 
التكثيف في الومضة والقصة القصيرة جدا ينبع من رؤية الكاتب 
للحياة وقدرته على التأمل. هناك أشخاص يكتبون قصصا قصيرة 
رائعة، لكنهم عندما ينتقلون لكتابة قصة قصيرة جدا أو ومضة تجدهم 
ينسفون بمبادئهم الفنية وينحدروا إلى قوالب وأكليشهات. التكثيف 
في القصة الومضة والقصة القصيرة جدا له علاقة بشخصية الكاتب 
ونفسيته وطريقة تفكيره ومدى قدرته على التأمل وإبصار ما لم 
يبصر به الآخرون، وقدرته على النفاذ في روح الحدث والظواهر 
القابلة للسرد من حوله سواء أكانت توجد بشكل مادي أمام عينيه أم 
بشكل معنوي في ذاكرته وعقله وروحه هو شخصيا. باختصار، إذا 
كان التكثيف ضروريا في جميع أنواع التعبير الأدبي القولي، فهو 
أشد ضرورة في الومضة لأنه يتعلق هنا برؤية الكاتب للحياة والعالم 
من حوله وقدرته على التأمل والتعمق في روح الأشياء والأشخاص 
والكون، وبذلك يكون تكثيف الكاتب لومضته تكثيفا لغويا ورؤيويا 
ومنظوريا وحدثيا. 
لو أردنا أن نحدد بعض السمات للقصة الومضة، ربما نجد أن سمتين 
أساسيتين يكمنان ورائها: الصراع والاندماج في روح الكون، وهما 
سمتان قد تبدوان متعارضتان، ولكن كل منهما تستطيع أن تكمن في 
خلفية ومضة لتجعلها رائعة. 
الومضة قد تدل على لحظة توتر وصراع محتدم، وحتى إذا لم يظهر 
هذا الصراع على سطح النص، سيكون بمثابة الروح التي تعطيه 
هويته وتكمن خلفه بحيث يُظهر لنا النص لحظة الصراع في صفائها 
بحيث نرى نتيجة الصراع أمامنا ونستشف من سمات الشخصيات 
وأفعالها وأقوالها مدى عمقها النفسي ومدى أهليتها لهذا الصراع 
أما الوجه الآخر للومضة، فيتعلق بالتناغم بين الراوي/الشخصية 
والكون، وهذا نقيض الصراع الوارد أعلاه. 
53
. وأقصد بالتناغم هنا أن الشخصية لديها القدرة على التأمل الذي 
يمكّنها من أن تتوغل في روح الكون وتبصر معنى كان غائبا 
عنها يتعلق بوجودها ومدى متانة أو ضعف الروابط التي تربطها 
بمفردات الكون وخالق الكون من حولها، بحيث تقدم لنا الومضة 
روح حدث يتعلق بلحظة وجودية من حياة الشخصين وسط الشبكة 
التي تربطها بالكون والعالم والحياة. 
ربما يقودنا ذلك إلى الربط من جديد بين طبيعة الكاتب ومدى قدرته 
على كتابة الومضة أم لا. أظن أن شخصية كاتب الومضة شخصية 
قلقة، حساسة، شكَّاكة، لا تقبل الأشياء ولا الظواهر ولا الأحداث 
على علاتها، وإنما تسائلها وتستجوبها وتستجوب ذاتها وتستجوب 
اللغة المستعملة في السرد أساسا. كما أنها شخصية عصرية بكل 
معاني الكلمة - ولا أريد أن أستعمل حداثية أو ما بعد حداثية - 
فالعصرية هنا تجعل الكاتب يتساءل حول مدى ملاءمة لغة السرد 
المعتادة لنقل الحدث وسرده بطريقة تناسبه أم لا وتناسب القارئ 
المعاصر الذي تضاعفت مشاغله في السنوات الأخيرة بوصفه 
قارئا وبوصفه إنسانا يسعى لتوفير لقمة عيشه وبوصفه موظفا في 
شبكة إدارية بيروقراطية طاحنة. 
ويعيدنا ذلك إلى التوتر بين الكاتب الوامض ومجتمعه على المستويات 
الاجتماعية والثقافية والأدبية والاقتصادية والإدارية والسياسية 
والدينية وما إلى ذلك. وهو توتر نابع في الغالب عن إدراك الأديب 
المتسائل والشكاك لفقدان الروح في الأشياء والعلاقات حوله. ومن 
هنا يسعى في ومضاته لاستعادة هذه الروح وبث الحياة في كل 
مظهر من مظاهر الكون - وفي نفسه بوصفه عنصرا من عناصر 
الكون بأثره - حتى يتخلص من التوتر الذي يكاد يؤدي بحياته وحياة 
المجتمع من حوله. 
باختصار، الومضة لحظة قلق، لحظة وجود فاعل، لحظة تساؤل، 
لحظة تأمل، لحظة كشف غطاء بالمعنى القرآني حتى ولو كان 
كشفا مؤقتا، وأظن أن مفهوم الومضة والوميض يوحي بأنه مؤقت، 
لأن الضوء الخاطف الذي يبرق في روح الكاتب لا يستمر سوى 
للحظات، وهو نور يُخرجه من الغيبوبة الإنسانية والثقافية والسردية 
والاجتماعية بكل ما يشمله المجتمع من ظواهر تستلزم وجوده. 
وينقلنا ذلك إلى الخروج من النمطية والتقليد اللذين نراهما لدى 
العديد من كتاب الومضة، إذ نجد هذا الكاتب يعجبه نص لفلان 
أو علان فيعيد التعبير عنه بمفردات مختلفة. يقول الله سبحانه 
وتعالى: «ولو شاء ربُّكَ لجعل الناس أمة واحدة »، ويقول أيضا: 
«جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ». أي أن الاختلاف سنة الكون 
وحكمة إلهية. 
54
ويمكننا أن نربط هذا الاختلاف في سياق الومضة هنا بأكثر من 
طريقة: 
أولا: تقتضي الومضة نظرا لطبيعة التساؤل والاستجواب التي 
تحدثنا عنها أعلاه أن يكون الكتّاب متميزين عن بعضهم البعض 
بحيث يقدم كل منهم رؤية متميزة ومميزة له حتى لو تقاطعت مع 
رؤية هذا أو ذاك. يمكنني أن أقرأ نصا وأتأثر به. لكن ما طبيعة هذا 
التأثر. التأثر الفني يعني من وجهة نظري أن فلانا لفت نظري إلى 
حدث معين أو إلى زاوية معينة لرؤية هذا الحدث. الفنان الأصيل 
لا يستنسخ غيره. بل يمكنه هنا أن يبصر زاوية أفضل لرصد هذا 
الحدث أو ذاك، ومن هنا يعمل على بلورة رصده من هذه الزاوية 
المختلفة التي غابت عن الكاتب الذي أثّر فيه. 
ثانيا: من توابع الاختلاف أو مستلزماته عند الانحصار في الرؤية 
الأخلاقية الضيقة وما قد ينتج عنها من عنصرية وتمييز وما إلى 
ذلك. والاختلاف يتضمن أيضا التطور التاريخي. فمفهوم الأدب 
في الثقافة العربية أصله غير أدبي بالمرة. فالعرب كانوا يطلقون 
على النوع الأدبي الوحيد لديهم اسم الشعر، وكانت كلمة أدب تحيا 
في الثقافة العربية التي كان يهيمن عليها الشعر بوصفها تدل على 
التهذيب الأخلاقي والتأدب والتأديب. فلقد كان الأدب مفهوما يدل 
على مجموع الأخلاق والمهارات والمعارف اللازمة لأن يكون 
الأمير مثلا صالحا للحكم بعد أبيه أو قادرا على مشاركة إخوته 
أمور الحكم. ومن الملاحظ أن الأدب بهذا المفهوم كان يقتصر على 
طبقة اجتماعية معينة قادرة على «استئجار » العلماء الذي يزودون 
أبناءهم بهذا الأدب. أما الأدب بمعناه العام آنذاك أيضا فكان يعني أن 
يكون الشخص صالحا ومهذبا وقادرا على استيعاب رؤية الجماعة 
أو القبيلة أو المجتمع، وكان عبارة عن نوع من التنشئة الاجتماعية. 
لكن مع قدوم العصر الحديث الذي قدِّره البعض بالنصف الثاني 
من القرن الثامن عشر قبل مجيء الحملة الفرنسية أو الاحتلال 
الفرنسي لمصر، فبدأت تظهر أنواع أدبية أخرى على الساحة وإن 
كانت على استحياء، لنجد المسرح والرواية يظهران في النصف 
الثاني من القرن التاسع عشر في بعض البلدان العربية وخاصة 
مصر والشام. وبداية من ذلك الوقت، بدأ مفهوم الأدب ينقسم إلى 
مفهومين مختلفين تماما: الأدب بمعنى التهذيب والتنشئة واكتساب 
المعارف الضرورية في مجال معين، والأدب بالمعنى النوعي – 
الخاص بالأنواع الأدبية – إذ لم يعد الشعر هو النوع الأدبي الوحيد، 
وظهر له منافسون. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تأصيل مفهوم 
النوع الأدبي. وصار الأدب بالمفهوم النوعي يدل على الأنواع أو 
الأجناس الأدبية الرئيسية – السرد والشعر والمسرح – وما يتفرع 
عنها من أنواع فرعية داخل كل نوع. ويمكننا أن نربط هذا المفهوم 
النوعي بالاختلاف بين البشر بوجه عام الذي سنه الله سبحانه 
وتعالى كقانون ينتظم فيه الكون بأسره. 
55
. النظرة الأخلاقية الضيقة التي تقوم بتصنيف البشر إلى أنواع 
وقوالب وفئات ليس بغرض التكامل فيما بينها وإنما بغرض التمايز 
العرقي والديني والاجتماعي والقَبَلي وجنسي وما إلى ذلك – هذه 
النظرة تتنافي مع مفهوم الاختلاف الناتج عن التنوع والاختلاف 
الناتج عن التطور التاريخي. ولذلك لا يمكن اعتبار الومضات 
التي تتبنى هذه النظرة التصنيفية العنصرية أدبا، فما بالك بكونها 
ومضة بالأساس. فالاختلاف كما سنه الله سبحانه وتعالى يهدف 
إلى التعارف بين المختلفين وليس لأن يقيم كل شخص أو جماعة 
حول نفسه/نفسها سياجا يعزله/يعزلها عن الآخرين ويجعله/يجعلها 
تنظر نظرة تكفير أو إدانة أو عنصرية إليهم. 
ثالثا: الاختلاف يعني اختلاف ما أسماه أستاذنا شكري عياد رحمه 
الله «الإيقاع النفسي » من أديب لآخر. فلكل منا حساسيته وتركيبته 
النفسية والذهنية والوجدانية والاجتماعية والفكرية والثقافية 
والرؤيوية وما إلى ذلك. ولذلك لابد لكل منا أن يسعى لأن يترك 
بصمته الخاصة على الومضة هنا، بحيث إذا قرأت ومضة ما 
أستطيع أن أعرف من خلال قراءتها المتأنية أنها لفلان لأنها تتميز 
بكذا وكذا. وأظن أن هذا هو المعنى المقصود بحرية الإبداع: أن 
يستطيع الكاتب أن يعبر عن حريته وعدم خضوعه أو تقليده لفلان 
أو علان، أن يستطيع أن يصنع أسلوبه الخاص به الذي يميزه 
عن الآخرين فنيا ورؤيويا وتركيبيا وأسلوبيا ولغويا. لا يعقل أن 
تكون آلاف الومضات لعشرات وربما لمئات الكتاب مكونة من فعل 
ورد فعل. لا يعقل أن تكون الفاصلة المنقوطة عنصرا مقدسا من 
الومضة عند عشرات بل ومئات الكتاب. لا يعقل أن نقرأ عشرات 
ومئات الومضات مكونة من التركيب «فلان الذي فعل كذا حدث 
له كذا ». هذه قوالب، وروح الفن بوجه عام والوميض بوجه خاص 
تستعصي على القوالب الجامدة لأن هذه القوالب تزهق روح النص 
وروح كاتبه الإبداعية على السواء. 
رابعا: الاختلاف يسري على اللغة أيضا. فمفردات اللغة عبارة عن 
كائنات حية تعيش وتزدهر وتموت. والألفاظ التي تموت لا يمكن 
إحياؤها إلا بطريقتين: طريقة مؤقتة تتعلق باستعمالها على سبيل 
التناص المعاصر مع الثقافة التي كانت هذه الألفاظ حية فيها بحيث 
يُنشئ الكاتب علاقة بين نصه وثقافة تلك الألفاظ حتى ولو بغرض 
هدم تلك الثقافة أو السخرية منها أو نسفها أو توظيفها في المفارقة 
أو وضعها تحت ضوء مقارن وما إلى ذلك من أغراض التناص. أما 
الطريقة الثانية فتتمثل في استحضار تلك الألفاظ بغرض وضعها 
في سياقات جديدة تكون بمثابة تربة جديدة لها تقوم بتغذيتها وبث 
الحياة فيها من جديد. ولذلك لابد أن تكون لغة الومضة لغة معاصرة 
تستعمل الألفاظ التي مازالت حية في اللغة العربية وتطعيمها أحيانا 
بالمعاني التي اكتسبتها هذه الألفاظ في اللهجات العامية بشرط أن 
تكون هذه المعاني العامية معروفة لجمهور العربية بوجه عام وإلا 
وجب وضع هامش يوضحها على أن يكون موضعها في الجملة 
قادرا على الإيحاء بالمعنى المراد حتى مع عدم وجود هامش. 
56
واللغة ليست مفردات فحسب، وإنما هي تراكيب وأسلوب وطريقة 
خاصة في استعمال الألفاظ وتوليفها مع بعضها وصبّها في رؤية 
نصية إجمالية تجعلنا ننظر إلى براعة الاستعمال اللفظة وبراعة 
التركيب وبراعة الروح العامة التي تجمع كل ذلك في نص متميز. 
ولا نقصد بذلك أن يراعي الكاتب الجمال الشكلي والزخرفة اللفظية 
والمحسنات التعبيرية وما إلى ذلك. فالقبح له جماله داخل النص 
عندما يكون هذا القبح هو محور النص. فكما أننا نستحسن الحزن 
الشجي في نص ما في حين أن الحزن تجربة مؤلمة في حياتنا 
العادية، يمكننا أن نستحسن القبح اللفظي والتعبيري إذا كان هو 
الطريقة الأمثل للتعبير عن التجربة التي يسردها النص في الومضة. 
وأظن أننا هنا ينبغي علينا أن نتبنى هذا المفهوم الجديد نسبيا للبلاغة 
الحديثة. فالبلاغة تتمثل من وجهة نظري في أن كل نص نستعمل 
فيه اللغة التي تناسبه حسب مقتضيات التجربة وحسب علاقة هذا 
النص بالنصوص الأخرى ومدى مساءلته لها أو انسجامه معها 
ومدى مناسبة اللغة والأسلوب بوجه عام للعصر الحديث الذي 
نعيش فيه، وأقصد بالحداثة هنا المعاصرة بكل ما تتضمنه من معانٍ 
وحساسيات ورؤى وتذوق فني وتعبيري. 
كما أن أسلوب التعبير الأمثل يقتضي أن تأخذ كل ومضة الجرعة 
اللغوية التي تناسبها: فإذا أخذت جرعة لغوية زائدة أخرجتها من 
إطار الومضة. وإذا أخذت جرعة لغوية ناقصة أفقدتها جمالها 
وقدرتها التعبيرية وأخرجتها إلى إطار الأقوال الصوفية أو التعبيرات 
السيريالية أو الأشكال غير الأدبية غير مكتملة السياق. 
ويمكننا أن نختم هذه المقالة بتناول بعض المفاهيم الخاطئة في أذهان 
كتّاب الومضة. 
العنوان 
عنوان الومضة: يخطئ الكثيرون من النقاد والكتاب في فهم معنى 
عتبات النص التي تحدث عنها جيرار جينيت. كتاب جيرار جينيت 
الذي يتناول هذه العتبات يتناولها على أنها عناصر تنتمي لمحيط 
النص، والمقصود بمحيط النص كل ما يحيط بالنص ولا ينتمي 
إليه عضويا كالعنوان والإهداء والعناوين الداخلية والغلاف واسم 
المؤلف والإشارة النوعية ما إلى ذلك من عناصر محيطة بالنص. 
وعندما تمت ترجمة كتاب جينيت إلى الإنجليزية تُرجم بعنوان 
«محيط النص ». فمفهوم النص يدل على نص الومضة أو القصة 
أو... بعيدا عن عنوانها. 
57
الدهشة 
المغالطة الثانية تتعلق بعنصر الدهشة الذي يتكلم عنه كل من هبّ 
ودبّ ونام سنينا ليصحو وعلى لسانه الدهشة. أي إبداع أصيل متفرد 
مدهش بطبعة، وإن كانت الدهشة في الومضة القصصية أو الشعرية 
أو قصيدة الهايكو أكثر استحواذا على ذهن المتلقي ووجدانه نظرا 
لقصر نصوص هذه الأنواع، وهو قصر يتيح للقارئ أن يستوعب 
النص في لحظة أو عدة ثوان، دون أن يحتاج هذا القارئ إلى 
تشكّل الدهشة بالتدريج أثناء قراءة النصوص الطويلة. والدهشة 
في الومضة دهشة إجمالية ناتجة عن الأثر الكلي للنص وتنبع من 
تميز الزاوية التي التقط منها الكاتب اللحظة السردية وتميزه في 
التعبير عن هذه اللحظة، أي أن الدهشة نابعة من الإدهاش الذي 
يمارسه علينا المبدع بتميزه وتفرده وبراعته في السرد وفي جعل 
عناصر النص متكاتفة مع بعضها البعض. وهناك فرق بين الإدهاش 
والدهشة: الإدهاش فعل، عمل، التقاط، صياغة، تعبير، وصاحبه 
الكاتب المبدع. والدهشة أثر يتم على القارئ ينتقل من الإدهاش 
الخاص بالكاتب فيترسب في ذائقة القارئ ووجدانه. باختصار، 
الدهشة ليست عنصرا سرديا كان يقوم الكاتب مثلا بإيراد أجزاء 
سردية غير متوقعة أو غير مبنية على ما قبلها، بل هي عنصر 
خاص بتلقي النص بعد كتابته. فإذا كان الكاتب يحسن الإدهاش 
فلابد أن تكون محصِّلة ذلك عند القارئ هي الدهشة. 
المفارقة 
وننتقل الآن إلى مغالطة أخرى وهي من أكثر المغالطات شيوعا 
وانتشارا، ألا وهي مغالطة المفارقة المُفْتَرَى عليها. وسأتناول 
المفارقة وتعريفها وأنواعها في مقالة مستقلة، وسأكتفي هنا ببعض 
الملاحظات. تنقسم المفارقة إلى عدة أنواع: 1- مفارقة خاصة 
بالحدث ويطلق عليها مفارقة الموقف، أي أن نتيجة الحدث أو الفعل 
لا تترتب على مقدماته. وهذه المفارقة التي يستسهلها معظم كتّاب 
الومضة ويرون أنها عنصر أساسي فيها من أخطر أنواع المفارقات 
لأنها قد تُدخل الحدث في إطار الصدفة والحظ وعدم منطقية الحدث 
ذاته، ولابد أن تكون نابعة من الموقف القصصي وشبه حتمية بحيث 
تستلزمها طبعة الحدث ومجراه ولا يتم فرضها بالقوة على الحدث 
المسرود في الومضة 2- المفارقة اللفظية، وتتعلق باستعمال لفظ 
في غير محله استعمالا متعمدا من قِبل الكاتب بغية زيادة الطاقة 
التعبيرية للفظ في السياق الجديد ولابد أن يكون لهذه المفارقة مبرر 
ويتم توظيفها بشكل بارع ولابد أن تكون هناك علاقة ما بين اللفظ 
والسياق الجديد تستدعي استعماله في هذا السياق. 3- المفارقة 
القولية، وتتعلق بالقول أو الجملة ككل وليست بلفظ واحد إلا إذا كان 
هذا اللفظ جملة أو يحل محل جملة كاملة. وتعني هذه المفارقة أن 
القول أو الجملة لا يقصد بها المعنى المباشر لها أو له وإنما عكسه 
تماما أو معنى آخر غير وارد في القول أو الجملة. ولابد هنا أن 
يكون المخاطب بالقول على وعي به ويربطه بالسياق الوارد فيه 
ليستشف من خلاله المعنى المراد. 
5858
- مفارقة التلقي وتعني أن السؤال أو الكلام الموجه لشخصية 
ما داخل النص يحمل معنى مباشرا لا سبيل إلى تأويله تأويلا 
مضادا وإنما لا يستطيع المخاطب أن يفهم معناه ويفهمه على 
وجه آخر لقصور فيه ربما، ولهذا تم ربط هذه المفارقة بالتلقي. 
-5 مفارقة الخطاب وتشمل النص ككل بحيث لا يكون النص كله 
مقصودا لذاته وإنما لخلق عالم آخر موازي من خلال توظيف 
رمزية اللغة والحدث طوال النص. وفي كل الأحوال لابد أن يلتزم 
النص بالإطار النوعي المكتوب من خلاله. 6- المفارقة المنظورية 
وتعني أن المنظور المسرودة منه الومضة يبدو في ظاهره على 
أنه نوع معين في حين أن التحليل المتأني للومضة يظهر لنا أنه 
ينتمي لنوع آخر نظرا لاستحالة أن ينتمي هذا المنظور للنوع 
الأول وفقا لمعطيات حدث الومضة ووفقا للزاوية التي يرصد 
منها الراوي هذا الحدث. 7- المفارقة المسرحية، وهي مفارقة 
تم التنظير لها في النقد المسرحي لأول مرة ولكنها موجودة في 
الأنواع الأدبية الأخرى. وتعني أن الشخصية في النص تقول 
كلاما لا تفهمه الشخصية الأخرى لأنه يشير إلى حدث سابق لم 
تكن هذه الشخصية الأخرى مشاركة فيه ولكن المشاهد أو القارئ 
يدرك دلالة كلام الشخصية الأولى لأنه متابع لأحداث المسرحية 
أو أحداث النص السردي الطويل نسبيا منذ بدايته. 8- المفارقة 
السقراطية، نسبة إلى سقراط لأنه كان يستعملها كثيرا، وتعني 
تظاهر الشخص بالجهل وتوجيه سؤال لشخص هو يعرف إجابته 
مسبقا بغية إخراج ما في ذهن من أمامه بحيث يتم تفنيد المغالطات 
التي في ذهنه مثلا أو لأي غرض آخر يقتضيه الحدث والعلاقات 
بين الشخصيات. 
كل هذه الأنواع من المفارقة لابد من توظيفها جيدا في النص، وهي 
لا تخص الومضة والقصة القصيرة جدا فحسب، وإنما يمكنها 
أن توجد في جميع النصوص. كما أنها ليست سمة أساسية في 
الومضة، وإن كان الكتاب البارعون يستطيعون استثمار إمكاناتها 
تعبيرا لزيادة الطاقة التعبيرية لنص الومضة. وإذا استعملها الكاتب 
لابد أن يقوم بتوظيفها جيدا وأن يخلق السياق المناسب لفهمها 
واستيعابها بحيث لا تكون عبئا على النص وعلى القارئ معا. 
59
مفهوم النص الأدبي والومضة القصصية 
د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر 
حدد علم لغويات النص للنص سمات لابد من توافرها فيه حتى يصير 
نصا مكتملا وقابلا للبقاء والتداول بين القراء. وسأتناول هذه السمات 
هنا بالتركيز على النص الأدبي السردي بوجه عام ونص الومضة 
بوجه خاص. وسأذكر أولا هذه السمات بالتفصيل والشرح ثم أختم 
هذه المقالة ببعض الملاحظات الخاصة بالومضة القصصية. وهذه 
السمات سبع سمات، كما يلي: 
-1 الترابط 
الترابط يخص الفكرة ويتعلق بالسؤال التالي: هل تترابط الأفكار 
ببعضها البعض داخل النص؟ ويتعلق الترابط بتسلسل المفاهيم 
والأفكار والعلاقات الكائنة بينها في عالم النص الذي يكمن خلف 
السطح اللغوي المتمثل في التماسك المذكور في السمة الثانية أدناه. 
ويمكننا أن أنه نصفه بتوافق النص مع الموقف الذي يعبر عنه. والمثال 
التقليدي في ذلك: شربتُ فنجان قهوة. فتحتُ عينيّ واستيقظتُ، ثم 
نهضت من السرير. هذا المثال سليم لغويا ولكنه غير مترابط لأن 
الموقف يقتضي أن يستيقظ المرء أولا وقد يشرب القهوة بعدا، ولكن 
شرب القهوة أثناء النوم مستحيل ولذلك انتفى عن ذلك النص الترابط. 
باختصار يتعلق ترابط النص بترابط الأفكار أو الجوانب المتعلقة 
بالفكرة والموضوع بحيث تكون الفكرة منطقية على مستوى المنطق 
العادي أو المنطق التخييلي. فالنص السيريالي والصوفي والعبثي 
وما إلى ذلك نصوص لها منطقها الخاص وتنم عن رؤية معينة للعالم، 
والفكرة الواردة فيه تتسق مع رؤية العالم التي يقوم عليها هذا النص 
وتتسق مع مكوناتها الداخلية حتى لو تباينت تباينا تاما مع رؤيتنا 
للعالم أو منطق الحدث في عالمنا الواقعي. المنطق في النص الأدبي 
منطق تخييلي بحت. ولذلك على الأديب أن يكتب لنا نصا توجد به 
مقومات وجوده من حيث الاكتمال والترابط الداخلي. 
-2 التماسك اللغوي 
يُقصد بالتماسك اللغوي الأدوات اللغوية التي تربط بين عناصر 
النص ووحداته اللغوية بما لا يدع مجالا للبس أو الغموض المعتم 
)فالغموض قد يكون مرتبطة بتعدد مستويات المعنى في النص أو 
بالرمزية أو بإدخال مفردات اللغة في سياق جديدة(. والتماسك هنا 
يجيب على السؤال التالي: كيف تتماسك أو تلتحم العبارات والجمل 
ببعضها البعض؟ ويتعلق بمستوى المفردات والتركيب النحوية 
واللغوية في النص وهل هناك عوامل وروابط تجعلها متماسكة لغويا 
وغير مفككة. ويشمل ذلك على سبيل المثال أدوات العطف والربط 
وعلامات الترقيم. فإذا استعمل الكاتب علامة ترقيم في غير محلها 
وبحث القارئ عن دلالتها في النص وللم يجدها، سيفقد النص صفة 
من صفاته وبذلك قد لا يمكننا أن نطلق عليه صفة النصيّة. 
60
-3 الإخبار/الإبلاغ 
يتعلق الإبلاغ أو الإخبار في لغويات النص بالإجابة على السؤال 
التالي: بِمَ يخبرنا النصُّ؟ وكيف يتم بناء المعلومة وصياغتها في 
النص؟ ولابد الا تكون المعلومات التي يحتوي عليها النص قابلة 
للتكهن بها كلية وإلا صار النص غير مفيد ولا يحمل معلومات 
جديدة وبالتالي انتفت عنه صفة الإخبارية. فطالما أن القارئ يعرف 
المعلومات كلها مسبقا، فلن يضيف له النص شيئا جديدا وبذلك لن 
يجذبه ولن يكون نصا مفيدا بالنسبة له. أي أن المقصود بالإخبار 
أن يقوم النص بإخباري بشيء جديد أو تزويدي بمعلومة جديدة. 
هذا بالنسبة للنصوص غير الأدبية التي تهدف إلى تقديم معلومات 
للقارئ بالأساس. أما بالنسبة للنص الأدبي فلابد أن يقدم للقارئ 
تجربة جديدة أو على الأقل رؤية جديدة لتجربة معروفة. لذلك لا 
يُعقل أن تكون عشرات النصوص المرسلة للنشر عن تضحية الأم 
أو البخيل أو الداعرة أو الفقير أو ... بدون اختلاف في الرؤية أو 
التصوير أو التقاط زوايا مختلفة لنفس التجربة. 
-4 القصدية 
النص عبارة عن فعل من أفعال التواصل «يقصد » المرسل/الكاتب 
من ورائه أن يكون نصا ينتمي إلى مجال معين كالومضة مثلا 
ويريد ان يوصل من خلاله رسالة ما، أي أن القصدية في الأساس 
مسألة هوية نوعية تتعلق بانتماء النص المكتوب إلى نوع معين. 
وهي مفهوم مراوغ لأنه يرتبط في الغالب بالنسبة للسياق السردي 
هنا بقصدية كتابة ومضة أو قصة قصيرة جدا أو قصة قصيرة أو 
رواية. وتنبع المراوغة من أن التصنيف النوعي يأتي لاحقا على 
الكتابة والإبداع. فهناك الآلاف من النصوص السردية التي يمكن 
الآن تصنيفها إلى ومضة قصصية ومضة أو قصة قصيرة جدا 
كانت منشورة في مجموعات قصصية قبل ظهور مفهومي القصة 
الومضة أو القصة القصيرة جدا نقديا. بالنسبي لي ككاتب، كنت 
أنشر كل قصصي بمختلف أنواعها تحت العتبة أو الإشارة النوعية 
«مجموعة قصصية » أو «قصص » سواء ارتبطت بها الصفة 
«قصيرة » أم لا. وربما كانت هذه التسمية تنبع من رغبة الكاتب 
في تأكيد أن ما هو منشور داخل تلك المجموعات يمثل مفهومه 
للقصة دون أن يضع في حسبانه مسألة التصنيف النوعي. ويحدث 
هذا كثيرا في الفترات الانتقالية بين هيمنة/كمون نوع وظهور نوع 
آخر، وعلى النقاد أن يتكفلوا بالتمييز النقدي بين الأنواع الناشئة 
والراسخة لاحقا بحيث يستقرئون من تحليل عدد وفير من النصوص 
التي تنتمي لنوع معين السمات القارة أو الراسخة أو المميِّزَة في كل 
نوع والسمات المشتركة بين الأنواع المختلفة. لكن في كل الحالات، 
الكاتب يقصد أن يقدم هذا النص على أنه نص قصصي أو سردي، 
أما مسألة التصنيف فتأتي لاحقا. ولابد أن أنوه هنا إلى أنه في حالة 
رسوخ نوع معين إبداعيا ونقديا، يكون على الكاتب أن يقصد كتابة 
نصه في إطار هذا النوع حتى لو تمرد عليه من داخله، وقد يؤدي 
هذا التمرد لاحقا إلى ظهور نوع أدبي جديد. 
61
-5 القبول 
يُقصد بالقبول قبول القارئ للنص بصفته ينتمي إلى نوع معين. 
وهذا القبول مشروط من وجهة نظري. فلا يمكن للقارئ أن يقبل 
أو يرفض عشوائيا. كما أن مفهوم القارئ هنا لا يدل على أي 
قارئ، وإنما على القارئ النموذجي أو الافتراضي الذي يُفترض 
أنه ملم بكل تقنيات وأنواع السرد ويتحدد قبوله بناء على استلهام 
النص لروح السرد وعلى تميز هذا النص وتقديمه لرؤية فردية 
متميزة لكاتبه، فالقبول هنا فبول نوعي، نسبة إلى النوع الأدبي 
محل النظر والقراءة. 
-6 التناص 
يقصد بالتناص بمعناه الحرفي تقاطع النص مع نصوص أخرى 
سابقة عليه سواء أكان هذا النص السابق ينتمي لنفس النوع أم 
لا، وسواء أكان هذا النص السابق نصا مكتوبا أم شفاهيا أو ثقافيا 
عاما. فالمقصود بالنص السابق هنا أي شيء أو فكرة أو معلومة أو 
بنية أو شكل ينتمي للثقافة المكتوب فيها النص اللاحق أو أي ثقافة 
أخرى. هذا هو التناص بمعناه العام. ما هي النصوص الأخرى 
التي يتشابه معها هذا النص؟ وأظن ان التناص هنا تناص نوعي 
أو جنسي يتعلق بالنوع الأدبي مثلا الذي ينتمي إليه النص، ويتعلق 
بالعلاقة التي ينشئها النص مع النصوص السابقة والمجاورة/ 
المعاصرة له. بعبارة أخرى، التناص الذي يمثل سمة أساسية من 
مفهوم النص هنا هو تناص نوعي يتعلق بالعلاقات التي يُنشئها 
النص مع النصوص التي تنتمي لنفس النوع الذي ينتمي له هذا 
النص. فإذا كان ومضة، ما العلاقات الشكلية والبنائية والسردية 
التي تُنشئها الومضة المكتوبة الآن والومضات المكتوبة قبلها؟ 
هل قامت الومضة الحالية بتوسيع أو تضييق مفهوم الومضة على 
سبيل المثال بناء على رؤية فنية مختلفة؟ الأمر يتعلق بعلاقة النص 
الحالي بتراث النوع الذي ينتمي إليه ومدى اتفاقه أو اختلافه مع 
هذا التراث. ولابد أن ننوه هنا إلى أنه في الفترات الأدبية الانتقالية 
تكون هذه العلاقة بين النص الحالي وربما نوع آخر، كالعلاقة 
بين الومضة في بداياتها والقصة القصيرة جدا أو حتى القصة 
القصيرة، أو العلاقة بين القصة القصيرة جدا في بداياتها والقصة 
القصيرة. وهنا نستحضر مفهوم «الكاتب الخروجي » الذي تحدث 
عنه أستاذنا شكري عياد أيضا، أي الكاتب الذي يخرج – بناء على 
أنه أبصر بما لم يبصر به الآخرون – على أعراف نوع معين 
بهدف تطوير هذا النوع من داخله بعد أن «يقتله فهما » كما يقول 
شكري عياد أيضا ومن قبله أستاذنا أمين الخولي رحمه الله، أو 
بهدف الخروج بنوع أدبي جديد يتفرع عن النوع السابق ويكتسب 
وجودا مستقلا بعد كثرة الممارسة. 
62
ى الحال 
َ 
ض 
ُ 
َ 
قت 
-7 الموقفية أو المقام أو م 
تتعلق الموقفية بالمبدأ العربي القديم «لكل مقام مقال ». ما الذي 
يبتغيه ذلك النص؟ ويُقصد به العوامل التي تجعل النص ملائما 
للموقف الذي يعبر عنه. فالسياق يلعب دورا مهما في تأويل القارئ 
للنص وفهمه له ولابد أن يحتوي السياق على ما يمكّن القارئ من 
الوصول لمعنى النص حتى يكون نصا مقصودا ودالا. وبالنسبة 
للنص السردي هنا يمكننا أن نطلق عليه المقام السردي، وأقصد به 
التجربة السردية التي يسردها الكاتب في نصه. وهي تجربة جديدة 
بالطبع أو ترصد تجربة قديمة من زاوية جديدة كما بيَّنْتُ أعلاه عن 
الحديث عن سمة «الإخبار ». وهنا يمكننا أن نطرح عدة أسئلة: هل 
أستطاع الكاتب التعبير عنها بالطريقة التي تناسبها؟ هل استطاع 
أن يوظّفها جيدا داخل إطار النوع الأدبي الذي يكتبه؟ هل تميّز عن 
الآخرين في التعبير وأظهر فرادته الأسلوبية؟ هل الموقف شعري 
أم قصصي؟ فالملاحظ على بعض الكتَّاب أن الخيط السردي يفلت 
منهم في الكثير من الومضات. هل استطاع الكاتب أن يلتزم بمنظور 
سردي محدد يمكننا من خلاله أن ننظر إلى الشخصية والحدث دون 
أن يفرض الكاتب رؤيته التقيمية أو الاستبدادية مثلا؟ فمن الملاحظ 
أن الاستبداد الذي يعصف بكل جوانب حياتنا السياسية والاجتماعية 
والوظيفية والإدارية والاقتصادية والدينية، الخ، ينتقل عند الكثيرين 
من الكتاب إلى النصوص السردية، فنجد كاتبا مثلا يفسر الحدث 
الذي يسرده تفسيرا استبداديا ذكوريا على سبيل المثال ويقدم لنا 
خاتمة لومضته لا تتسق مع معطيات الومضة والحدث ذاتهما، أو 
أن كاتبة تقدم حدثا ثم تفرض نظرتها النسوية الاستبدادية أيضا على 
معطيات الحدث وتقدم لنا خاتمة سردية أو قفلة نصيَّة لا تتماشى 
مع طبيعة الحدث، أو أن كاتبا يصر على تقييم سلوك الشخصية 
من خلال الراوي غير المشارك الذي من المفترض أن دوره يتمثل 
في أن ينقل لنا الحدث فقط من منظور خارجي أو داخلي يتعلق 
بالشخصية ولا ينبغي أن يتعلق بالراوي. 
كل هذه السمات لابد أن تتوفر في النص حتى يكون نصا حقيقيا 
مكتملا وقابلا للبقاء بعيدا عن حضور كاتبه وبعيدا عن الملابسات 
المكانية والزمانية المزاجية التي كُتِبَ فيها هذا النص. 
بعد تفصيل السمات التي لابد من توافرها في النص كي يكون نصا 
له حياته الخاصة بعيدا عن كاتبه وعن الظروف والملابسات التي 
تمت كتابته فيها، ننتقل الآن إلى بعض القضايا المتعلقة بمفهوم 
النص بالإشارة إلى الومضة القصصية. 
لابد للحدث في الومضة أن يكون مكتملا ومبرَّرًا. الاكتمال يعني 
أن النص به من الحدث ما يساعد على تأويله تأويلا واحدا متسقا 
على الأقل بعيدا عن العنوان وبعيدا عن التخمين، بمعنى أن تكون 
هناك قرائن في السياق السردي تحيلنا إلى هذا التأويل أو ذاك. 
أما بالنسبة للتبرير، فلا يمكن أن أقيم شخصية مثلا على أنها كذا، 
ولكن بدلا من ذلك أبرز هذه الصفة أو تلك من سمات الشخصية أو 
أفعالها من خلال السلوك الذي تسلكه الشخصية داخل النص. 
ولذلك على الكاتب بعد أن ينتهي من كتابة نصه أن يقرأه أولا ويرى 
إن كان مفهوما أم لا. 
63
اللغة ليست تجميع لكلمات وراء بعضها. لابد أن تكون بين هذه 
الكلمات علاقات دلالية ومفهومية وتصوُّرية مستساغة. وحتى 
المجاز ذاته له منطقه الخاص ولا يمكن أن نقوم بإجبار كلمات على 
التعايش مع بعضها البعض في حين أنه لا يوجد رباط منطقي أو 
وجداني أو فكري أو نفسي أو... بينها. 
فإذا كان النص عبارة عن تعليق سياسي مباشر لابد أن طبيعته 
التعليقية هذه ستُخرجه من إطار النص السردي ومن إطار الومضة 
القصصية، فالتعليق غير السرد: هناك فرق بين التعبير عن الرأي 
أو التعليق على حدث وبين تقديم حدث فني مكتمل العناصر في 
نص الومضة. ولنضرب مثلا بالأحداث في غزة: عندما يتم إدخالها 
في نص، سيحيلنا النص مباشرة إلى التناص مع حدث سياسي 
خارجي، والتناص ليست فيه مشكلة في حد ذاته، ولكن التناص له 
شروطه الفنية ولابد أن يكون النص الوارد فيه التناص مكتمل في 
حد ذاته ويمكن للقارئ الذي لا يعرف شيئا عن الحدث الذي يوجد 
خارج النص قراءته قراءة قابلة للتأويل المتسق بعيدا عن الحدث 
الخارجي، وبعد ذلك يأتي التناص ليضيف تأويلا ثانيا للنص يثريه 
ولا يقيده. 
ويمكننا أن نقول نفس الشيء عن النص غير المكتمل في حد ذاته 
الذي يعتمد على العنوان في فهمه، ورؤية سنا الومضة - ورؤية 
النقاد في كل مكان في العالم الحديث والقديم على السواء - أن 
النص لابد أن يكون مكتملا في حد ذاته بحيث لو تمت إزالة العنوان 
ووضع رقم مثلا بدلا منه أو عدم وضع أي شيء يمكن فهم النص 
وتأويله تأويلا مترابطا ومتماسكا دلاليا وفنيا. 
والأمر كذلك بالنسبة للنص الذي يكون عبارة عن حكمة أو مثل أو 
مقولة أو فكرة وكل هذه العناصر ليست عناصر أدبية وإن كان يمكن 
للكاتب المحترف أن يقوم بتوظيفها فنيا داخل النصوص الطويلة على 
وجه الخصوص، فيمكن للكاتب أن يأخذ مثلا موجودا بالفعل ويقوم 
من خلال الحدث السردي بتفكيك هذا المثل وبيان فساد الأسس 
الرؤيوية التي يقوم عليها. 
ويمكن لفكرة الكاتب عن الومضة أن تُخرج كل ما يكتبه من نطاق 
الومضة والأدب السردي عموما، وذلك عندما تكون فكرة الكاتب 
عنها فكرة ضيقة مستمدة من مقولات بعض الذي يجعلون أنفسهم 
أوصياء على الومضة ويسجنونها في إطار التلاعب بالألفاظ والحكمة 
التي لا تتمثل روح الفن ولا تراعي طبيعة الومضة السردية ولا 
تنظر للومضة على أنها فن قصصي في الأساس ولا ترى فيه إلا 
مفارقة أو دهشة أو تلاعبا بالألفاظ. 
64
ومن نافلة القول إن الأخطاء الإملائية والنحوية والأخطاء في 
استعمال علامات الترقيم تؤثر بالسلب على رؤية القارئ للومضة، 
فقصر حجم النص يجعله فاضحا، فلا يعقل أن تكون هناك عدة 
أخطاء في نص قصير جدا وكلماته معدودة. ومن الملاحظ أن 
الفيسبوك الذي كان وسيلة ساعدت على انتشار الومضة سيكون 
سببا في انحطاطها وانحطاط لغتها، فالكثيرون من الكتاب يستعملون 
الهاتف في إرسال نصوصهم ومن المعروف أن إمكانات الهاتف 
في الكتابة ووضع الهمزات والتصحيح الآلي وتنسيق النص وما 
إلى ذلك ضعيفة بالمقارنة بالكمبيوتر، الأمر الذي يؤدي إلى عدم 
انتباه الكاتب لأخطائه أو إلى عدم قيام المصحح الآلي بتنبيهه 
للأخطاء لأن الهاتف حسب علمي لا يوجد به مصحح آلي في 
برنامج الكتابة. ويسري ذلك أيضا على الأخطاء الفنية الأخرى 
مثل عدم الدقة في استعمال الألفاظ، كأن يستعمل لفظا في غير 
محله. فقصر النص هنا أيضا سيؤدي إلى لفت أنظار القراء إلى 
أي سوء استعمال لمفردات اللغة. ولا أتكلم هنا عن المفارقة 
اللفظية التي تدل على استعمال لفظ ما استعمالا مقصودا في غير 
سياقه بغية الخروج على الاستعمال اللغوي للألفاظ لتحقيق غاية 
جمالية معينة. 
وفي هذا السياق الخاص بالومضة ينبغي علينا أن ننتبه إلى أن 
افتعال الدهشة أو الاتكاء على المفارقة الشكلية أو التلاعب 
بالألفاظ، أو انغلاق النص أمام التأويل بعيدا عن العنوان أو عدم 
تحقيق سياق فني وقصصي يتيح للقارئ أن يتفاعل مع النص 
تفاعلا فنيا وتذوقيا مكتملا - كل ذلك لا يخلق ومضة جيدة. عندما 
يصل فهم النص إلى مرحلة التخمين فقط بدون قرائن سياقية 
تؤدي إلى ذلك، يفقد النص سماته النصية ويتحول إلى شيء آخر 
ليست له علاقة بالنص السردي الوامض. 
65
قراءة نقدية في ومضة لبسام جميدة 
ـوومضة لجمال الجزيري ـ بقلم 
د. بهاء الدين محمد مزيد ..رئيس قسم 
اللغة الإنجليزية ـ جامعة سوهاج 
أستاذ / بسام جميدة 
يتواصل نضج الومضات على صفحة سنا الومضة واستشرافها آفاقا جديدة. 
وتنتقل الومضات من مرحلة الاتقان إلى مرحلة التجريب، من الكتابة إلى مرحلة 
الكتابة عن الكتابة، من الومضة إلى الومضة الشارحة، إذا جاز التعبير. على سبيل 
التمثيل لا الحصر هاتان ومضتان الأولى لجمال الجزيري والثانية لبسام جميدة. 
- هل لُغتي مُبهَمَةٌ؟ 
- بالعكسِ، واضحةٌ جدًّا. 
- لماذا تتجاهل تعليقاتي بشأن نصِّكَ؟ 
- أنا! لا أفهمُكَ. )جمال الجزيري: عكس( 
يتفنن في الكتابة عن وقع حبّات المطر على نافذته، ويتناسى وقع الخناجر على 
وطنه 
)بسام جميدة: مطر مطر( 
في الومضة الأولى طباق بين اللغة المبهمة واللغة الواضحة، بين الفهم والتجاهل، 
غير أنّ فيها إشارة مهمّة إلى مسألة مهمة تتعلّق باللغة والمعنى وهي المسافة 
بين معنى الجملة ومعنى المتكلّم أو المستمع، أو ما يريد المتكلّم/ الكاتب للجملة 
أن تعني وما يبلغ المستمع أو القارئ من ذلك المعنى. معنى الجملة هو ما 
يتعارف عليه النّاس من دلالات المفردات منفردة وحين تجتمع في نسيج لغوي. 
إذا قلت «الجو بارد هذا المساء » كانت الدلالة مباشرة «واضحة » على انخفاض 
درجة الحرارة ذلك المساء. غير أنّ بوسع الكاتب أو المتكلّم في سياقات متباينة 
أن يضيف إلى تلك الدلال ة د لا لا ت أ خ ر ى ن ف س ي ة أ و و ج د ا ني ة أ و ا ج ت م ا ع ي ةّ . 
د.جمال الجزيري 
66 
من الومضة إلى 
الومضة الشارحة 
أ.د بهاء محمد 
مزيد
هذا ما ذهب إليه المسئول حين أجاب «بالعكس واضحة جدّا » إذا كنت اللغة «واضحة »، فلماذا «يتجاهل » المسئول تعليقات السائل؟ هنا 
ربط جائر بين وضوح لغة نصّ ما، وضرورة التعليق عليه، وكأنّ الوضوح مقدّمة منطقيّة «آلية » للتعليق أو التفاعل مع ما هو واضح. 
من هنا تأتي دهشة المسئول «أنا! » ومن هنا يقع عدم الفهم – والمراد هنا عدم فهم مقصد السائل، لا دلالات الكلمات في ذاتها مجرّدة 
من الدافعية البشريّة. 
في الومضة الثانية توتّر بين الكتابة بوصفها فعلا شخصيّا جماليا، متعة في برج عاجيّ، والكتابة بوصفها التزاما ومسئولية اجتماعية، 
اشتباكا مع الواقع وانغماسا في هموم المجتمع والنّاس. تتصادى فكرة الومضة مع أسئلة قديمة جديدة، منها سؤال الفن للفن والفن للحياة. 
في الومضة كتابة أخرى عن الكتابة لكن على نطاق أوسع مما نجد في ومضة جمال الجزيري. وفيها طباق بديع بين «حبّات المطر » 
و »الخناجر »، وبين المحدود الشخصي في «نافذته » والعام الواسع في «وطنه » مع أنّ «النافذة » و »الوطن » لا تنفصلان عن هاء 
الكاتب الغائب. وفي الومضة عمد وقصد في «يتفنّن » و »يتناسى » فليس «التناسي » كالنسيان وليس «الفنّ » كالتفنّن. 
كان في مقدور الومضة الثانية أن تصبح أكثر تأثيرا لو لم تقع في شرك القطبية واختزال القضيّة في لونين لا ثالث لهما ولا درجات 
بينهما ولا تداخل: لون النرجسية المنعزلة ولون الاشتباك الدامي مع هموم الوطن. تستطيع الكتابة عن وقع حبّات المطر على نافذة أن 
تشير إلى ما يقع خارج البيت. ويستطيع وقع الخناجر على الوطن أن ينتهي إلى هموم شخصيّة صغرى تصبح في مجموعها تعبيرا عن 
هموم الوطن وأزماته. 
67
أسماء ... أسماء .... أسماء 
تعقيب على ومضة )حصن المعرفة( 
سبُّورةٌ. كتابٌ. وجوهٌ مُستَغْرِبة.. ضغطٌ مُرتفعٌ. أعصابٌ محروقةٌ. 
صوتٌ مبحوح .. غضبٌ. استفسارٌ. وجوةٌ مستغربة. )جمال 
الجزيري: حصنُ المعرفة( 
هذه ومضة أخرى من ومضات جمال اجزيري فيها وفي مثيلاتها 
سمة أسلوبيّة لافتة وهي الميل إلى البنى والمركبات الإسميّة وغياب 
البني والتراكيب الفعلية غيابا كاملا. هذا ما نجد في الومضة: اسم 
مفرد نكرة، اسم جمع نكرة ونعت، اسم مفرد نكرة ونعت، اسم 
جمع نكرة ونعت، اسم مفرد نكرة ونعت، اسم، اسم، اسم حمع نكرة 
ونعت. تبقى الأسماء منكرة حتّى في وجود الصفات. ولو حلّ محل 
الصفة مضاف إليه لزال بعض غموض الأسماء وقلّ أثر تنكيرها. 
ماذا يفعل التعريف والتنكير؟ يربط التعريف ما يلحق به من أسماء 
بسياقات محدّدة ويقلل من فرص التأويل ومن مساحات الغموض. 
لاحظ الفرق بين «سبّورة » و »سبورة الفصل » و »سبورة سوداء .» 
أمّا التنكير فيترك أبواب التأويل والغموض على مصارعها. وماذا 
يفعل النزوع إلى التراكيب الإسميّة على حساب البنى الفعليّة؟ 
أول ما يفعل هو أن يجرّد الأحداث والحالات والأفعال من قيودها 
الزمانية. لاحظ الفرق بين «أعصاب محروقة » و »أعصاب تحترق » 
و »أعصاب احترقت » و »أعصاب قد تحترق » أو «أعصاب 
ستحترق ». التراكيب الأربعة الأخيرة مربوطة بأزمنة هي على 
الترتيب المضارع والماضي والمستقبل. وهكذا تفعل النزعة الإسمية 
بعض ما يفعل التنكير مما ورد فيما سبق من إطلاق النّصّ من قيود 
الزمان والمكان وتوسيع آفاق التأويل. 
في وسعنا أن نتصوّر سياقا تشير إليه «السبّورة » و »الكتاب » 
و »حصن المعرفة » و »الاستفسارات » و »الصوت المبحوح » 
و »الوجوه المستغربة » وليكن فصلا في مدرسة. غير أنّ الومضة 
ليس فيها ما يشير إلى غير ذلك وليس فيها ما يحيل إلى زمن دون 
غيره. في هذا السياق تفقد مفردة «حصن » دلالاتها الإيجابيّة على 
الحماية والرعاية وتنشط دلالاتها السلبيّة على القمع والتقييد – ولعلّ 
هذا بعض ما تشير إليه علامة التعجّب بعد عنوان الومضة «حصن 
المعرفة ». في جهة المدرسين «ضغطٌ مُرتفعٌ » و »أعصابٌ محروقةٌ » 
و »صوتٌ مبحوح » و »غضب ». ومن جهة التلاميذ «استفسار » 
و »وجوةٌ مستغربة » مرتين، لا فرق في ذلك بين ما قبل الدرس وما 
بعده. 
68 
أسماء ..أسماء ..أسماء ..تعقيب على ومضة )حصن المعرفة( 
لجمال الجزيري ـ بقلم .أ.د .بهاء محمد مزيد
69 
مقال عن مجموعة سنا الومضة «نلتقي 
لنرتقي » 
تم تأسيس مجموعة «سنا الومضة » في نهاية يناير الماضي تحت 
شعار «نلتقي لنرتقي » بالتعاون بين القاص المصري عصام الشريف 
والقاص السوداني عباس طمبل والقاص المصري الدكتور جمال 
الجزيري. وتم تغيير اسم المجموعة لاحقا إلى «مجموعة سنا القصة 
الومضة » للتأكيد على الطابع القصصي للومضة باعتبارها خطورة 
تالية للقصة القصيرة جدا على مسار التكثيف والإيحاء والاكتفاء 
بعناصر السرد في أوجز صورها وتجلياتها بما يناسب طبيعة عصر 
السرعة الذي نعيش فيه. 
ولم تكتفِ المجموعة بنشر النصوص كسائر المجموعات الأخرى، 
إذ رافق النشر حركة نقدية من خلال التعليقات على النصوص ومن 
خلال الورشة النقدية التي تَواصل عقدها لأكثر من شهرين أسبوعيا 
وكل أسبوع يتم تناول حوالي عشرة نصوص بالتحليل النقدي الذي 
يبين جمالياتها وعيوب الأسلوب، مع التركيز على الطابع القصصي 
للومضة. كما تم إنشاء مجلة الكترونية باسم المجموعة تقوم بنشر 
الومضات والمقالات والدراسات النقدية الخاصة بالومضة بغية 
التأصيل لها نقديا وتنمية جماليات كتابتها. 
ونظرا لأن الومضة ازدهرت في فضاء الفيسبوك بالرغم من 
وجودها بالمجموعات القصصية المنشورة من قبل لعشرات وربما 
مئات المبدعين العرب، تهتم مجموعة سنا القصة الومضة بالنشر 
الالكتروني بصفته ممثلا لمستقبل النشر في العالم أجمع، وبدأت هذا 
النشر بمجلة سنا الومضة، وتعتزم المجموعة في الفترة القادمة نشر 
عدة كتب الكترونية في سلسلتين: أولاهما سلسلة الومضات الشهرية 
لنشر كافة الومضات المنشورة في المجموعة مع مقدمة نقدية لها 
بغرض المتابعة النقدية من جهة وأرشفة كل النصوص المنشورة 
على المجموعة من جهة أخرى. أما السلسلة الأخرى فهي سلسلة 
كتاب سنا الومضة النقدي، وستشمل دراسات تطبيقية وتنظيرية 
خاصة بومضات الأعضاء كي يتم التأريخ للومضة وترسيخها 
والتأصيل لها نقديا. 
عصام الشريف قاص مصري يكتب القصة الومضة والقصة القصيرة 
جدا والقصة القصيرة ويعمل الآن على إنجاز بعض المشاريع 
الروائية. 
عباس طمبل قاص سوداني يكتب القصة الومضة والقصة القصيرة 
جدا والقصة القصيرة والشعر وانتهى من كتابة رواية ويعمل الآن 
على إنجاز رواية ثانية وله العديد من المقالات النقدية والفنية 
المنشورة. 
جمال الجزيري قاص وشاعر وناقد ومترجم مصري يعمل بجامعة 
السويس بمصر. نشر 7 مجموعات قصصية و 8 دواوين شعرية 
وكتابين نقديين. ويكتب الومضة منذ تسعينات القرن الماضي وله 
عشرات الومضات المنشورة في مجموعاته السابقة بداية من 2001 .
تصميم وإخرا ج 
مهندس /عباس طمبل ـ 
السودان

More Related Content

PDF
المجلة الإلكترونية شهر ـ 10
PDF
مجلة سنا الومضة
PDF
مجموعة سنا الومضة المجلة الإلكترونية شهر 10 ـ عبا س طمبل
PDF
مجلة سنا القصة الومضة تجريبي
DOC
مقال
PDF
Shenash
PDF
مجلة سنا الومضة، العدد2، يونيو 2014
المجلة الإلكترونية شهر ـ 10
مجلة سنا الومضة
مجموعة سنا الومضة المجلة الإلكترونية شهر 10 ـ عبا س طمبل
مجلة سنا القصة الومضة تجريبي
مقال
Shenash
مجلة سنا الومضة، العدد2، يونيو 2014

What's hot (16)

PPTX
المجموعة القصصية (همــس الجنــون) لـنجـيـب محـفـوظ
PDF
BBQ 3302
PDF
مجلة سنا الومضة العدد الأول مايو 2014
PDF
كتاب ومضات سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 2014
PPT
مبادئ وقيم
PPS
الجرس والإيقاع المفردات المجازات نظم الجملة
PPT
رسالة إلى أخي الذي يطلب العلم إيمان
PPTX
القصة والحكاية
PDF
الادب والنصوص للصف الثالث متوسط
PPTX
الفرزق
PPS
اللغة العربيه
DOCX
عالم زفزاف
PPTX
الناس والزمان
PDF
" الفلسفة اللونية في الورقة الأولي " ضد من " من ديوان" أوراق الغرفة 8 " ...
PPS
الاء لغة عربية
PDF
مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014
المجموعة القصصية (همــس الجنــون) لـنجـيـب محـفـوظ
BBQ 3302
مجلة سنا الومضة العدد الأول مايو 2014
كتاب ومضات سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 2014
مبادئ وقيم
الجرس والإيقاع المفردات المجازات نظم الجملة
رسالة إلى أخي الذي يطلب العلم إيمان
القصة والحكاية
الادب والنصوص للصف الثالث متوسط
الفرزق
اللغة العربيه
عالم زفزاف
الناس والزمان
" الفلسفة اللونية في الورقة الأولي " ضد من " من ديوان" أوراق الغرفة 8 " ...
الاء لغة عربية
مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014
Ad

Viewers also liked (6)

PDF
كتاب ومضات يونيو 2014 صفحات مفردة
KEY
09 Track Pics
PDF
أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية تأليف عزيز سباهي
PPT
English Laboratory
PDF
الصابئة المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين | د رشيد الخيون
PDF
الانياني كتاب الادعية والصلوات في ديانة الصابئة المندائيين
كتاب ومضات يونيو 2014 صفحات مفردة
09 Track Pics
أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية تأليف عزيز سباهي
English Laboratory
الصابئة المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين | د رشيد الخيون
الانياني كتاب الادعية والصلوات في ديانة الصابئة المندائيين
Ad

Similar to مجلة سنا الومضة، العدد الخامس، أكتوبر 2014 التعديل النهائي (20)

PDF
مجلة سنا الومضة الالكترونية، العدد الخامس، أكتوبر 2014
PDF
PDF
PDF
PDF
PDF
مجلة سنا الومضة، العدد الثالث، أغسطس 2014
PDF
PDF
كتاب ومضات أغسطس 2014 النسخة النهائية
PDF
كتاب ومضات أغسطس 2014
PDF
PDF
PDF
مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014
PDF
PDF
PDF
PDF
PDF
سنا الومضة مجلة 11 (1)
PDF
PDF
PDF
كريم عبد الله و السرد التعبيري.pdf
مجلة سنا الومضة الالكترونية، العدد الخامس، أكتوبر 2014
مجلة سنا الومضة، العدد الثالث، أغسطس 2014
كتاب ومضات أغسطس 2014 النسخة النهائية
كتاب ومضات أغسطس 2014
مجلة سنا الومضة، العدد الرابع، سبتمبر 2014
سنا الومضة مجلة 11 (1)
كريم عبد الله و السرد التعبيري.pdf

More from جمال الجزيري (18)

PDF
كتاب ومضات يونيو 2014 نهائي
PDF
ومضات يوليو 2014 والأرشيف
PDF
ومضات مايو 2014، صفحات مفردة
PDF
جمال الجزيري الإبداع والحضارة عند شكري عياد نقد أدبي
PDF
جمال الجزيري الحوار مع النص جماعة بدايات القرن نموذجا كتاب نقدي نقد أدبي
PDF
جمال الجزيري ونظل على الإشراق ديوان شعر قصائد
PDF
جمال الجزيري لا تنتظر احدا يا سيد القصيد ديوان شعر قصائد
PDF
جمال الجزيري خارطة المطر ديوان شعر قصائد
PDF
جمال الجزيري حفل توقيع ديوان شعر قصائد
PDF
جمال الجزيري أصوات نهر قديم ديوان شعر قصائد
PDF
جمال الجزيري فتافيت الصورة مجموعة قصصية
PDF
جمال الجزيري غَلْقُ المَعَابِرِ مجموعة قصصية
PDF
جمال الجزيري رائحة مأتم مجموعة قصصية
PDF
جمال الجزيري بدايات قلقة مجموعة قصصية
PDF
جمال الجزيري نقوش على صفحة النهر مجموعة قصصية
PDF
ديوان بنت النهار، جمال الجزيري، شعر
PDF
ديوان أسفار سيدة النهر كامل، جمال الجزيري، ديوان شعر
PDF
الطريق إلى الميدان جمال الجزيري، مجموعة قصصية
كتاب ومضات يونيو 2014 نهائي
ومضات يوليو 2014 والأرشيف
ومضات مايو 2014، صفحات مفردة
جمال الجزيري الإبداع والحضارة عند شكري عياد نقد أدبي
جمال الجزيري الحوار مع النص جماعة بدايات القرن نموذجا كتاب نقدي نقد أدبي
جمال الجزيري ونظل على الإشراق ديوان شعر قصائد
جمال الجزيري لا تنتظر احدا يا سيد القصيد ديوان شعر قصائد
جمال الجزيري خارطة المطر ديوان شعر قصائد
جمال الجزيري حفل توقيع ديوان شعر قصائد
جمال الجزيري أصوات نهر قديم ديوان شعر قصائد
جمال الجزيري فتافيت الصورة مجموعة قصصية
جمال الجزيري غَلْقُ المَعَابِرِ مجموعة قصصية
جمال الجزيري رائحة مأتم مجموعة قصصية
جمال الجزيري بدايات قلقة مجموعة قصصية
جمال الجزيري نقوش على صفحة النهر مجموعة قصصية
ديوان بنت النهار، جمال الجزيري، شعر
ديوان أسفار سيدة النهر كامل، جمال الجزيري، ديوان شعر
الطريق إلى الميدان جمال الجزيري، مجموعة قصصية

مجلة سنا الومضة، العدد الخامس، أكتوبر 2014 التعديل النهائي

  • 1. مجموعة سنا الومضة مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة في الفسيبوك هيئة التحرير ..د.جمال الجزيري ـ مصرـ أ.عصام الشريف ـ مصر م .عباس طمبل ـ السودان ـ العدد الخامس ـ شهر أكتوبر) 2014 ( ...... في هذا العدد محمود الرجيبي يكتب )الحزن يرحل بعيدًا(......... تصميم وإخراج .. مهندس /عباس طمبل ــ السودان تصميم وإخراج/مهندس /عباس طمبل ــ السودان
  • 2. اسم الكاتب رقم الصفحة الموضوع 1ـ 2 ـ 14 قراء نقدية في ومضات حزينة ـ لجمال الجزيري محمود الرجيبي 15 ـ 15 كلمة ونظرة عين تعليق على ومضة جمال الجزيري أ.د.بهاء مزيد 16 ـ 16 اللغة الأديبة أ.د.بهاء مزيد 17 ـ 18 اللغة والتمرد الأدبي د.جمال الجزيري 19 ـ 23 العلاقة العضوية بين القصة القصيرة جدًا والقصة الومضة عباس طمبل 24 ـ 29 ارتباك النص ملاحظات نقدية على ثلاث ومضات د.جمال الجزيري ـ عباس طمبل 30 ـ 40 الأدب والمبدع والنقد د.جمال الجزيري 40 ـ 53 العنوان في الومضة مقدمة نقدية د.جمال الجزيري 53 ـ 59 فلسفة القصة الومضة د.جمال الجزيري 60 ـ 65 مفهوم النص الأدبي د.جمال الجزيري 66 ـ 67 من الومضة إلى الومضة الشارحة ـ بسام جميدة وجمال الجزيري أ.د. بهاء مزيد 1 68 ـ 68 أسماء..أسماء ..أسماء .. تعقيب على ومضة) حصن المعرفة( لجمال الجزيري أ.د بهاء مزيد 69 ـ 69 مقال عن مجموعة «سنا الومضة » إدارة المجموعة فهرس
  • 3. جمال الجزيري الحزن يرحل بعيدًا حتى الحزن !!رحلة لتذوق الدهشة محمود الرجيبي قراءة في ومضات حزينة للكاتب جمال الجزيري ـ بقلم محمود الرجيبي ـ الأردن لا بأس بمقدمة على عجل، حول مفهوم القصة الومضة وبعض شروطها وخصائصها، علما بأن فن )القصة الومضة( ما زال على النار، لم يقرر أحد بعد أنه نضج وأصبح جاهزا للأكل تماما،ً من حيث اكتماله وتميزه بشروط خاصة به وحده، وتحديده لمقاسات وقوالب تميزه عن الأجناس الأخرى من فنون القصة القصيرة، فهو ما زال يتأرجح بين الرفض والقبول، بين التأطير والتنظير، بين الاعتماد والتجربة !! أجمل شرح وقعت عليه لخصائص ومميزات القصة الومضة، كتبه الكاتب داود سلمان الشويلي: )القصة الومضة هي: لحظة زمنية، أو مشهد قصير جدا، أو موقف سريع جدا، أو إحساس شعري خاطف يمرّ في الذهّن ويصوغهُ القاص بكلمات قليلة.ٍ وهي نوع من أنواع السرد المتعارف عليها في فنون السرد، كالقصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة، والاقصوصة، والرواية. وهي أيضا وسيلة من وسائل التجديد السردي، أو شكل من أشكال الحداثة في الفن السردي تعبر عن هموم ومشاغل واماني وتطلعات القاص لتناسب مبدأ الاقتصاد والتكثيف الذي يحكم عصرنا هذا عصر السرعة في كل شيء. بدأت الكتابة لهذا النوع في اواخر النصف الثاني من القرن الماضي، وكانت على شكل ق.ق.ج حتى وصلت الى ان تكون القصة الومضة، اذن هي وليدة القصة القصيرة جدا، وابنها الشرعي، لما للتحولات الفكرية والفنية من أثر كبير في نشأتها، وكذلك ما تتطلبه الحياة اليومية ذات النزعة السريعة جدا في كل شيء من منازع الحياة، وكذلك ما للتأثيرات الاجنبية على الآداب العربية. الومضة مثل مصباح الفلاش يومض وينطفئ بسرعة، واي قصة تأتي بهذا الاسلوب هي ومضة، وهذه الومضة السريعة تحمل التكثيف والادهاش. فالقصة الومضة هي نوع من السرد الجديد الذي يعتمد على التكثيف باعتمادها على معنى واحد، ودقة في التعبير، وعلى كلمات قليلة تحمل المعنى، بإيحاء ودلالية مقتصدة مكثفة، ولا تأخذ بالوصف الموقف لعملية السرد، وإيراد التشبيهات. 2
  • 4. خلاصة القول، ان القصة الومضة هي قصة النهاية، فعندما تكون النهاية مدهشة، وتحمل مفارقتها، كانت القصة هي قصة ومضة بامتياز، لان عدد الكلمات )الاقتصاد اللغوي(، وايحائية تلك الكلمات، ووحدتها العضوية، يكون كل ذاك ممهدا لهذه النهاية المدهشة.( فالكاتب والناقد – هذه الأيام – يسيران في اتجاهين مختلفين تماما، وكأنهما في صراع إثبات وجود، فالناقد يبني القوالب لسجن الكاتب فيها، والكاتب ماهر في تحطيم كافة القوالب والقفز دائما إلى الأمام، دون اهتمامه سوى بما يؤمن به هو وبطريقته هو، لأن الإبداع في حركة تجديد دائمة تتعب القارئ والكاتب والناقد في نفس الوقت!! نعم، لا يمكن الاتفاق على تعريف للقصة الومضة، لأنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على تعريف للقصة القصيرة نفسها، فما بالك بالفنون الأخرى المستجدة: فإذا بحثنا في تعريف فن القصة القصيرة، نجده يتنوع ما بين اعتبار أنها: )سرد مكتوب أو شفوي يدور حول أحداث محدودة. وأنها ممارسة فنية محدودة في الزمان والفضاء، والكتابة( )د. سعيد علوش، في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، سوشبريس، الدار البيضاء، 1985 ، ص: 181 (. وأنها: )نموذج فني يتصل بكثير مما يهم الناس مما قد يضمن الفنان عمله...تجمع الفن إلى شيء آخر هام. فهي تعطي اللذة الفنية، والمتعة الجمالية، التي يعطينا كل عمل فني، إلى جانب ما لها هي من خاصية أخرى تتصل بما يشغل الناس ويهمهم في الحياة( )د. محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة: أصولها، اتجاهاتها، أعلامها، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1983 ، ص: 5(. ويعتبرها ولسن ثورنلي، أنها:) سلسلة من المشاهد الموصوفة التي تنشأ خلالها حالة مسببة، تتطلب شخصية حاسمة ذات صفة مسيطرة، تحاول أن تحل نوعا من المشكلة من خلالها بعض الأحداث التي ترى أنها الأفضل لتحقيق الغرض. وتتعرض الأحداث لبعض العوائق والتصعيدات حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك الشخصية النهائي( )ولسن ثورنلي، كتابة القصة القصيرة، ترجمة، د. مانع حماد الجهني، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 1992 ، ص: 20 (. أما فاليري شو، فيرى أنها:) انسجام بين المتناقضات، تفاعل بين التوترات والمقولات المتعاكسة. قصيرة لكنها رنانة...مكتوبة نثرا لكن بها كثافة الشعر...مصنوعة من كلمات سوداء، على صفحة بيضاء، لكنها تومض باللون والحركة...مكتوبة لكنها تحاكي الكلام الإنساني...يبدو أن العامل الوحيد المشترك فيها، هو هذا التوازن الذي تسعى إليه( )د. خيري دومة، تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998 ، ص: 76 (. 3
  • 5. جمال الجزيري في ومضاته يتكلم مثلي ومثلك، ولكن بلغة تختلف، لغة تتميز بحساسية مذهلة لما يجري حولها، أو كما يقول الشاعر المبدع أسعد الجبوري في حديثة عن حساسية اللغة:) كنت أدرك بأن اللغة تفكر بالمؤلف في أثناء الكتابة. وتعلمت أن أزج نفسي في لحظة تفكيرها بي كشاعر يحاول الدخول في مجرى فكرها المعقد بنا وبما يحيط بنا من كائنات وأفعال. مرة ظننت بأن أجمل ما في اللغة هي حيواناتها الملتهبة الشراسة. فتلك الحيوانات صعبة المراس، لكنها كانت تتحمل عبْ عمليات نقل الأفعال والدلالات والمجاز من منطقة إلى أخرى ومن نص إلى آخر. وإذا كان المؤلفون يقوم بالعمل نفسه مع بداية كل نص، إلا أنهم لا يجيدون ذلك العمل بمثل إخلاص حيوانات تعايشت مع أسباب نمو عوالم اللغة الداخلية لأن اللغة ما كانت كلمات وحسب، بقدر ما هي أرواح سحرية تعمل في تيه مطلق.( فالخطاب الأدبي يعيد خلق اللغة من جديد ويحررها من عاديتها، ويشحنها بدلالات وإيحاءات مبتكرة. لكل ذلك أمكن القول بأن لغة الأدب هي أسمى مستويات اللغة البشرية، ولا ريب في أن اللغة البشرية هي نتاج تطور اجتماعي. جمال الجزيري يحسن التعامل مع اللغة ويعاملها برقة هائلة، تجعلها تنزع ألفاظها التي اعتادت عليها، وترتدي كل ما يختاره لها من ألفاظ، قد تكسبها وجودا جديدا لم تعهده سابقا، أنظر إلى جمالية مفردات اللغة وحساسيتها المفرطة في ومضاته التالية: قافلةٌ أتيقَّظُ لحظةً. يصدُمًني الغيابُ ويعصفُ بي النومُ، فأعودُ لتناوُمِي كأنَّ القافلةَ تسيرُ. توع د قبرٌ وقبرٌ وبينهما قبرٌ. يتساقطُ المطرُ. تطرحُ الأرضُ رؤوسًا مُتَوَعِّدَةً. إغراءٌ مطرٌ يسخرُ من أغسطُس ويُغْرِيني بالبقاءِ، فَهَلِ الخطواتُ تاريخٌ أم التاريخُ حصارٌ؟ موت تلمَّسَ الوميضَ في الكلمات العابرةِ. عَبَرَ العابرون، وظلَّ هو يتخبَّطُ في دماءِ ظلامِه. فَرْقُ سُرُعاتٍ أخذ استراحة من الغوص في جماليات الأسلوب وحوار النصوص، ودخل مُسْتَأنِسًا. وجد الأبجدية تبكي اغتصابَها. تفجيرٌ ذاتيٌّ دعا الخطيب أن يردَّ الله كيدَ أعدائنا. أمَّنتُ بحرارة. انتظرتُ أن يعملَ تفجيرُنا الذاتيُّ تلقائيا. 4
  • 6. وإذا كانت اللغة عبارة عن رموز وإشارات وصور مشحونة بالمعاني والدلالات، فإن الأدب هو عمل وسرد لغوي إيحائي مشحون بالمشاعر والأفكار والخبرات، يرصد حركة الواقع ليحولها إلى عالم تخيلي، ليعيد تركيبها من جديد عبر لغة تقوم بعملية توصيف العالم التخيلي. من هذه الحركة التي تقوم بتحويل وتصنيع الواقع إلى متخيل ذهني، وهذا الأخير يُصب في قوالب ورموز وسياقات، تشكل في مجموعها الخطاب الأدبي، شريطة أن تكون تلك القوالب والرموز والسياقات قابلة للتفكيك، وإعادة التركيب، ومن ثم الفهم من قبل القارئ أو المتلقي بصفة عامة. جمال الجزيري لا يتعامل مع الواقع بحيادية مطلقا، فهو يراه عدوا يجب الثأر منه، وكأنه في مشروع لتصفية الحساب مع الحياة الظالمة، إنه يفكك كل شيء يراه، ويعيد تجميع شظاياه من كل زاوية للرؤية ممكنة، إنه يجردنا من كل اعتقاداتنا السابقة، ويجعلنا عرايا أمام حقيقتنا، التي يغطيها بعباءة السخرية من أوهامنا: بلا دخلاء كنتُ أصبرُ على حرارة الخارج. اليوم دخلتُ المسجد. أفسد الخطيبُ مصالحتي. ابتسمتُ، وتشاغلتُ بِسَيْرِي الافتراضي. مؤامرةٌ اتهمهم بالعري والمادية وبمؤامرتهم علينا. دعا الله بتفجيرهم. خشيتُ أن أُومِّنَ فينفجرَ ويفجِّرَ المسجدَ بنا. هجرةٌ داخليةٌ/غيابٌ انتقلَ بينَ القنواتِ. تنقَّلَ قلبُه بين الأماكنِ. لم يعرفْ إن كان يعيشُ هناكَ أم «هناكَ .» لا مكان يدي باردةٌ. جبهتي يحنيها الانكسارُ. أهي حُمى اللقاء المتَُخَيَّلِ أم حرارةٌ تُفارقُني في اللامكان؟! لقاء قال: «إنني أنا » قلت: «بالتأكيد هو ». لكننا عندما التقينا تأكدت أنني لم أعرفه يوما. كَرَمٌ أَمْلَى عليَّ شروطَه وقال: «لا ميًكِْنُنِي أن أبخلَ عليكَ بشيءٍ .» يقول تولوستوى عن الفن، والأدب جزء أساسي منه: )الفن نشاط إنساني يقوم على كون إنسان ما ينقل للآخرين بصورة واعية، وبواسطة إشارات ظاهرية معروفة، المشاعر التي يحسها، فتنتقل عدوى هذه المشاعر إلى الآخرين، وينفعلون بها.( إن الأدب / الفن يقوم بعملية نقل وتصنيع التجربة من الواقع، وتفاصيل الحياة اليومية، إلى المتلقي عبر قواعد وإشارات ورموز متعارف عليها من قبل الطرفين، المرسل والمستقبل، وفي حالة غياب هذا الاتفاق المسبق تفقد العملية الاتصالية وظيفتها. جمال الجزيري يؤمن بأن كل شيء له تفصيل خاص به، وأن الرموز والأسماء تظلم باختصارها حياة كاملة، ومع أنه متخم بالتكثيف حدَّ الاختفاء، إلا أنه لا يزرع النص بالخيال العميق ويرحل إلى متاهات التأويل المتعبة، ولكن دون أن ينزع عنه صفة الحياة اليومية وبساطة الاتصال المباشر معك ومعي، فهو يتحدث بلسان كل من يقرأ له: 5
  • 7. بثورٌ سألني بجديَّةٍ تامةٍ: «أينَ سوقُ النخاسةِ؟ » حدَّقتُ فيهِ. دفعتُهُ ليسقطَ بحفرةِ صَرْفٍ صِحِّيٍّ تُؤرِّقُنا بالشارعِ. وطنُ متاهةٍ تتداخلُ الصورُ، فلا يعرفُ إن كان الوطنُ متاهةً أم أن المتاهةَ وطن. إخلاف قال الزعيمُ الافتراضيّ: «لم أنتوِ التَّرَشُّحَ »، نوى وعبر إلى الضباب والرماد. «يا عين! » أطالوا الوقوف على: «يا ليل ». لم يحتمل المتَُلَهِّفُ على الغدِ ألمَ عينيْه. خُلْعٌ أدمنَ «نعم » واحتجزَ باقيَ الكلماتِ في صمتِه. تظاهرتْ ضده الحروفُ فأخرستْه. حلقةٌ أبصرتُ صورتي بألْبُومٍ قديمٍ، لم أتعرَّفْ على مَنْ كنتُ أُجالِسُهم بصفاء. أُفُقٌ أبصرتُه مُجْرِمًا يستحقُّ السجنَ، لكنني أبصرتُ في الحكمِ المبالِغِ ضدَّه سجنًا لي يذهب هورست ريديكر صاحب كتاب )الانعكاس والفعل( إلى: )إن اللغة ليست مجرد شكل ظاهري للمحتوى الجمالي، إن العلاقة بين اللغة والفن قائمة في المحتوى ذاته، في الجوهر، ومرادفات كلمة أديب ـ كاتب ـ صاحب قلم ـ فنان الكلمة، وما شابه ذلك مليئة بالمعنى العميق، وعمل الفنان في مجال اللغة، هو عمل في مجال الاتصال الاجتماعي.. عمل لصالح المجتمع، وليس عملا شكليا.( وعلى ضوء ذلك إنما اللغة هي وسيط فعال ومؤثر، والأدب إن هو إلا استغلال لبعض خصائص اللغة على حد تعبير الشاعر الفرنسي بول فاليري. جمال الجزيري يحقق كل هذا التواصل مع اللغة، فهو ينقل تفاصيل الحياة اليومية لنا، ولكن ليس بأية لغة، إنها لغة تتنفس وتملك وعيها الخاص بها، فهو يقوم بكل سهولة برصد حركة الواقع ليحولها إلى عالم تخيلي، ليعيد تركيبها من جديد عبر لغة تقوم بعملية توصيف العالم التخيلي، كما تم الحديث سابقا، وهذا يتضح جليا في ومضاته: 6
  • 8. صفحة فتح الكتاب يتصفحه: وجد أن آخر صفحة هي أول صفحة، فانطوى وارتعب. عليه قال: «أعزاءي دعونا نصطنع السعادة »، دار علينا، احتضن كلا منا. أدار في المسجل شريطا لموسيقى حالمة وظل يتراقص ويبكي إلى أن خر مغشيا عليه. ثـم سمع ضجيج الفرح وصراخ المولود في الشقة المجاورة ثم نظر إلى زوجته فبكت. تخثر ارتمى في حضنها يداوي الجفاف بالنجوى. يواسي الفجوات بالنهل العذب… وجد صدرها جبال ثلج متخثر. الفك يا أيها الطير المحلقِّ في العلا أما آن لك أن تبطئ الخطى؟ رد على وقال: يا أيها البشر المكبلَّ في الحصى ألم يئن لك أن تفك القدم؟ الدكتور جمال الجزيري قاص وشاعر وباحث وناقد، شغل نفسه بعالم الكتابة منذ زمن بعيد، ومع كل هذا الانشغال، وتسرب الوقت كالهواء من بين أصابعه، إلا أنه يجد الوقت دائما،ً كي يمارس لذة الحزن، ويأخذنا معه في رحلة لا تنتهي في عالم من الحزن الذي أصبح كالوشم على قلوبنا !! يتقن الدكتور جمال الجزيري فن التظاهر بالابتسام والفرح، عند ممارسته لفن الانصهار الكتابي، فألفاظه فرحة بطبعها، ومعانيه ترتدي عباءة مطرزة بالسعادة، ولكن عندما تلتصق ألفاظه بمعانيه فإنها ترسل حزنا صافيا إلى عيوننا وقلوبنا!! قبل البدء في تذوق الحزن اللذيذ، في بعض ومضات الدكتور جمال الجزيري، وربطهم بمراحل الحزن المختلفة وتطورها، أحب أن أبين أن ومضات الدكتور جمال الجزيري مرت بكافة مراحل الحزن الخمس على اختلافها، وفي مواقع مختلفة وحالات نفسية وذهنية مختلفة في المكان والزمان الخاص الذي خلق فكرة الومضة، وكأنه يتقلب حسب الحاجة الذهنية والاجتماعية والإنسانية، لتطورات القلق والكآبة والشعور باللاجدوى، في داخل الإنسان المعاصر، فهو يطرح في ومضاته كافة الأسئلة الوجودية الممكنة، لذا لا غرابة أن تلتقط ومضاته مشاهد مختلفة سريعة ولكن عميقة التأثير فينا، وتؤرخ وتؤطر وتحدد بها الكثير من حالات آلامنا وأوجاعنا المتكررة التي تراوح مكانها، ولكنها في نفس الوقت تتحرك بسرعة لا متناهية، عبر مشاعرنا المتناقضة وأحاسيسنا المتنافرة مع بعضها!! 7 7
  • 9. فسر إيفا نيكولافيتش في خاطرتها )فخ قراءة - لماذا نفرط في كتابة الحزن؟( سبب تشبع نصوص الكتاب بحزن لا ينتهي، وكأن الكتابة أصبحت مصدرا للكآبة بدلا من أن تكون لغة تواصل وانفتاح ذهني على العالم، فتقول:) للمستائين لماذا نفرط في الكتابة عن الحزن، ولا نذكر الفرح في نصوصنا أبدا إلا قليل. لسنا أنانيين كما ندعي حين نفسر هذا بأننا نخشى أن تنفد سعادتنا إن كتبنا عنها. أبدا هذا كلام أدبي ظالم فقط لنتجاوز به الأشياء التي نعجز عن تفسيرها. ردات فعل الفرح واضحة يمكن التعبير عنها بالأفعال، الضحك، الرقص، الاحتضان، الهدايا، الزيارات، الأحاديث الطويلة، وأفعال أخرى كثيرة، ليس من بينها الكتابة لأن الفرح يكاد يكون محسوس، وطبيعي جدا أن تكون سعيدا وفرحا، فلا يخلق فرحك أسئلة طويلة عن سببه كالحزن المباغت الذي هو محفز الكتابة الأول. وإن فكر أحدهم أن يترجم سعادته بالكتابة سيكتفي بأول جملتين ثم يعجز، لا يجد ما يمكن أن يقوله لأن هناك ما يمكن أن «يفعله » ويكون أصدق في التعبير. لأن الفرح يعاش كله بالصخب وإلا لمر باردا بلا طعم، بينما الحزن تظل بعض بقاياه – وإن أشبعه صاحبه بكاء ونحيب – تعاش في الخفاء، الحزن طويل، عميق، وإن انتهى فبواعثه كثيرة جدا ومن المحال التخلص منها، كما قلت في الأعلى، نخلة، وربما ملعقة. قد يكون صرير الباب، أو حتى حذاء يرتبط بذكرى آفلة تجدد أحزان قديمة، هنا أنت بحاجة لأن تكتب، وستجد نفسك – كل مرة تمر فيها بباعث – مضطرا لأن تكتب بالتأكيد عن هذه الأحزان القديمة، عوضا عن أن المجال في اللغة أوسع وأبسط عند الكتابة عن الحزن. يكفي أحدهم أن يكتب: «أنا سعيد » فنكاد نراه يقفز فرحا فقط من هذه الكلمة لنفرح معه ونباركه، بينما الحزين يظل يكتب، ويكتب، ويكتب ويبقى يلازمه شعور بأن لا أحد ولا حتى هو نفسه استطاع أن يقدر حجم هذا الحزن والألم الذي يشعر به من خلال ما كتب فيستمر في الكتابة نصا بعد نص بقوالب كثيرة وربما مكررة حسب موهبة الكاتب بالطبع، ويظل الاحساس بما كتب قاصر وناقص. السعادة وقتية، الحزن طويل الأمد لتجدده. نسمة هواء عابرة تحمل رائحة طعام كانت تطبخه أمك المتوفاة كفيلة بأن تجدد شعورك بالفقد وكأنك للتو عرفت بخبر وفاتها( قامت )إليزابيث كيوبلر روس( بعرض تحليلي لنموذج كيوبلر روس المشهور بـمراحل الحزن الخمس في كتابها » عن الموت والوفاة »، وتصف الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع الحزن الناتج عن مصائب؛ كأن يكون الشخص قد شُخص بمرض خطير، أو عانى من خسارة كارثية، أو فقدَ شخصـًا عزيزًا مما أدى إلى صدمة نفسية. وقد وجه الكتاب الوعي العام إلى أهمية التعامل بحساسية أكثر مع الافراد في هذه الاوقات. 8
  • 10. إن المصائب متنوعة، وتأخذ أشكالاً مختلفة وأقنعة متغيرة، فإن كانت إليزابيث روس ركزت في شرح مراحل الحزن الخمس، على أساس المصائب النفسية، فإنها تنطلق من واقع محدد للحياة، الذي يحتوي على أشكال أخرى للحزن وعلى أنواع مختلفة من مسبباته، وكذلك يفعل الأدب، إنه انعكاس لنفسية وحالة الكاتب، حين يمارس فعل الكتابة بكل ما فيه من وعي أو عدم وعي غير مقصود، فإن أشياء عديدة تتسرب من روحه ونفسه إلى يديه وحروفه ومعانيه، حتى ولو لم يكن يقصدها، ولكنها بالتأكيد تقصده وتفضحه بكل سهولة!! جمال الجزيري لا يختلف عن الآخرين إلا بحساسيته الشديدة للحزن، والتي تقطر من كلماته ومعانيه مهما حاول إخفاءها بالمعنى الشامل والنهائي للنص، فحزنه يفضحه في كل مرة يتواصل فيها مع الحياة عبر الورق !! في هذه الرحلة الحزينة عبر ومضاته، سنستخدم أجنحة الخيال ونسافر عبر حزن ومضاته، ونتوقف عند كل محطة استراحة من مراحل الحزن، التي قد تصبح ألف مرحلة ومرحلة في ذات يوم قريب !! -1 المحطة الأولى: مرحلة الإنكار: ويكون مجرد مرحلة مقاومة نفسية لواقعية المصيبة لاإراديا للتخفيف الذاتي من الشعور الأولىّ بالصدمة «أنا بخير « ،» لا يمكن أن يحدث هذا، ليس لي » وهو مجرد دفاع مؤقت للفرد؛ هذا الشعور عامة يُستبدل بالوعي الشديد بالمواقف والأفراد... ويتخيل الفرد حينها أن المصيبة ما زالت في مرحلة الإنقاذ وان من الوارد استرجاع ما فقد )وفى بعض الأحيان لا يصدق فكرة الفقد في حد ذاتها ويحاول اقناع نفسه بأن الخبر ليس أكيدا، كنوع من إعطاء النفس بعض الأمل في احتمالية النجاة. جمال الجزيري يمارس في هذه المرحلة الإنكار من أوسع أبوابه غير المغلقة في عينيه، فهو في ومضة )صهد( يستخدم كلمة )إشراق( و)شمس( لوصف المرأة التي لا تمل انتظار عودة ابنها من غربته، كي ينير لها ظلمة الحياة من بعد غيابه عنها، مع أن الراحلين حين يرحلون لا يغادروننا وينتقلون للسكن في قلوبنا، فهي بمجرد تخيل شمس ابنها تحرقها حرارة وجوده في خيالها، ومع ذلك تبقى تنتظر ابناً قد لا يعود، إنها حالة إنكار متكاملة لظروف الحياة القاسية التي تدعونا إلى اليأس مرغمين، ولولا هذا الإنكار لما انتظرت ولما تجسد الأمل في قلبها!! )صهد( انتظرت الأم إشراق شمس ابنها من غربته. لفحها الصهد ومازالت تنتظر. وفي ومضة )قهقهة( يصنع إنكاراً من نوع مختلف، إنه إنكار الادعاء والتجاهل، فيتناسى الشيء كي ينساه، مع أن كلَّ نفسٍ يأخذه من الحياة يذكره به !! الهموم تهزمه كل لحظة، وهو ينظر إليها ببرود ويبتسم، إن القارئ لن يصدقه أبداً، فالنص يفيض بحزن الانكسار والهزيمة، مما يجعل القارئ يتذكر بعض همومه ويحاول أن يبتسم، ولكنه سيفشل بالتأكيد، وسيضحك بأعلى صوته، لأن شر البلية ما يضحك!! )قهقهيعرف من هو ومن أين أتى؟ وما المصير، وماذا وراء هذا الوجود؟ وإلى أين نذهب، وهذا يدخل في ما أطلق عليه بعض علماء النفس 9
  • 11. المعاصرين )قلق الوجود(، كما أطلقوا عليه )عصاب اللامعنى(!! )لقاء( قال: « إنني أنا « قلت: « بالتأكيد هو » لكننا عندما التقينا تأكدت أنني لم أعرفه يوما. -2 المحطة الثانية: مرحلة الغضب: وهي المرحلة التي تلي تأكد الوعي النفسي بحقيقة وقوع المصيبة، وانتهاء احتمالية انكارها، أو استبعادها، وهي مرحلة من التذمر «لم أنا؟ هذا ليس عدلاً « ،» كيف يحدث هذا لشخص مثلى؟ ،» «مَن المُلام على ذلك؟ »: وما إن يدخل الفرد المرحلة الثانية حتى يدرك أن الانكار لا يمكن أن يستمر؛ بسبب الغضب الذي ينتاب الفرد يصبح من الصعب جداً رعايته لما يكنه من مشاعر ثورة. يقول توم جيتس :)الغضب هو الشكل المطور والجبان عن الحزن، فمن السهل أن تظهر بشكل الغاضب بدلاً من الظهور بمظهر الحزين!!( ويقول هوراثيوس :)الغضب هو جنون مؤقت!!( وكذلك يفعل جمال الجزيري، فهو لا يخجل عن الإفصاح عن حزنه وهو في قمة غضبه، كما جاء في ومضة )صورة( وومضة )ركوب(، فهو يُعقْلن غضبه الشديد بإبرة حزنٍ مخدرة شديدة الفعالية، عندما يقف على جهة مضادة من الآخر، وينظر إليه ويتأمل فيما يفصل بينه وبين الآخرين، من مشاعر وذكريات وكرامة جريحة، إنه الغضب المكتوم بأيدي طهارة الحزن المقدس، الذي يخدش جروحه التي اختفت ظاهريا ويوقظ النائمة منها في الذاكرة، إنه الغضب بقالب من الوحدة الاختيارية، التي لا تشبه الانعزال، فهو يريد استرجاع الذكريات الأليمة عن طريق الصور وكأنه يريد أن يلمس ذكرياته أو على الأقل يشعر بألمها مجدداً !! )صورة( واقفُ بجهة. واقفةُ بأخرى. وما بيننا أنين ونبضات فرح وكرامةُ جريحة. )ركوب( أقلب صوري. علمها يبتهج بيدي. يخفق قلبي. أدمع. يتلعثم لساني. في ومضة )خريطة الروح( نرى الغضب المشبع بالتحدي، في لحظة حزن قاسية، تجعل المجابهة وحتى الموت وسيلة للخلاص، إنها ثورة الحزن التي تطل برأسها إلى الحياة، من رحم اليأس وخيبات الأمل المتكررة، الحزن يسبب الملل من الخوف، فالخوف أكثر ما يكره الحزن، لأنه يغلق منفد الحزن الوحيد ويفضحنا، الخوف يغلق العينين ويجعلها فارغة إلا من الارتعاش !! الحزن يجابه الخوف بالغضب، لأن الخوف يؤثر على تفكير الإنسان فيبقى متردداً، لا يستطيع اتخاذ أي قرار، ويعاني في داخله من صراع مرير مع الذات والحياة !! )خريطة الروح( حاصرني واقتلني كما تشاء.. بالروح النازفة مني حبر قلم يرسم خريطة وطن ويشكل ملامح البلاد. 10
  • 12. - المحطة الثالثة: مرحلة المساومة: فقط دعني أعيش لرؤية أطفالي يكبرون. « ،» سأفعل أي شيء من أجل أن تعود لي »: المرحلة الثالثة تحتوي على الأمل بأن الفرد يمكنه فعل أي شيء لتأجيل الموت/الفقد، أو استرجاع ما فقد أو التعويض عنه. جمال الجزيري في هذه المرحلة، يبدو كمن يؤمن بمقولة الشاعر واسيني الأعرج: )يحدث أن ننسى ذاكرتنا، وننغمس في أحزان التفاهات اليومية!!(، ولكنه يرفض أن يساوم إلا بشروطه هو، فحزنه يأبى القهر، ولكنه يرحب بالأمل حتى ولو كان ليس أكثر من خدعة عابرة!! في ومضته )نكاية( تساومه وتراوده نفسه الأمارة بالسوء، فيدخل في مساومة سريعة في داخله بحثاً عن النفس المطمئنة، فلا يجد سوى النفس اللوامة، فيقرأ المعوذتين ويصلي ركعتين، وينام ويحلم بيوم جديد، إنها مساومة الرضا الداخلي والهدوء الذي يأتي بعد العاصفة !! )نكاية( راوده في آخر الليل: «كأنك تدعو حجرا ». قرأ المعوذتين، وتوضأ لركعتين. في ومضته )ناصح( مساومة من نوع آخر، إنها مساومة الحاجة والشعور بالهزيمة المطلقة، وغض البصر مرغماً عن التناقضات التي تعصرك وتمتصك حتى التلاشي، في أسلوب حياتهم اليومي الذي ترفضه صامتاً، ويشير كل جزء من كرامتك الذبيحة إليه !! )ناصح( نصحني بأن أساير الفرص وألون وجهي، واستأذن ليذهب لحلقه عن فلسفة القيم. في ومضته )ومضة( مساومة الخيال، وابتكار الوهم وشرب كأس الأمل المفتعل، فإن لم تأت الحقيقة إلينا، لا بأس بأن نقسم لأنفسنا أنها كانت قبل قليل تركع أمامنا !! )ومضه( نور تجلي لي. قبضت قبضة من أثره ودوَّنتُه بأنفاسي. -4 المحطة الرابعة: مرحلة الاكتئاب: «سأموت على أي حال، ما الفائدة من أي شيء سأفعله؟ « ،» لقد رحلت/رحل، لماذا أستمر بعده/عدها؟ »: يبدأ الفرد في المرحلة الرابعة في فهم حتمية الموت/الفقد/الظروف القاهرة، ولهذا يصبح المرء أكثر صمتــًا، ويرفض مقابلة الزوار، ويمضي الكثير من الوقت في البكاء، تسمح هذا المرحلة للفرد بقطع نفسه عن الأشياء/الأشخاص المحبوبة له. لا ينصح أن تتم محاولة إبهاج الفرد الذي يمر بهذه الحالة؛ لأنها حالة يجب أن يمر بها ويتعامل معها. 11
  • 13. جمال الجزيري يعمل بالحكمة المجهولة النسب :)الحزن ينظر إلى الوراء، والقلق ينظر حوله، والإيمان يتطلع( ) Sorrow looks back, worry looks around, faith looks up ( لذا فهو يحمل نفسية شفافة من زجاج، ولكنه زجاج ضد الكسر، قد لا يكون منيعاً أمام الحسرة، كما في ومضة )حسرة( ولكنه دائماً يضع الأهداف ويعمل من أجلها، قد يصاب بخيبة الأمل، ليس بسبب الفشل، ولكن بسبب تجاوز قطار الحياة والعمر الذي لا يتوقف لأحد، وكأنه يحيا في زمن لم يولد فيه أو أتى مبكراً، وهذا أهم سبب للشعور بالاغتراب والكآبة، وهذا هو بئر الحزن الذي لا ينضب أبداً!! )حسرة( وضعت هدفي نصب عيني. حققته كما أردت. اكتشفت أن الطريق فاتتني. في ومضته )طين( نلمس بعيوننا كآبة من نوع آخر، كآبة تتعلق بفلسفة الوجود نفسه، والبحث عن الذات، مرحلة عشق صامتة للتلاشي والانعزال، مرحلة اعتراف ضمني بفشل التواصل مع الذات والمحيط، في لحظة يأس قاسية، فأفكار وأفعال الآخرين قد لا تؤذينا بمقدار ما تشككنا بأنفسنا وبآرائنا !! )طين( نمزج تفاهات الطين ونشكل منها نوراً للبشر. لم يحتمل نورنا. حاول أن يطفئَها بطفحِ فمِه. في ومضاته )توعد( و)أم المسرح( و)واردها( تُكشِّر الكآبة عن أنيابها ومخالبها الحزينة، ولكنه دفاع عن النفس فقط، وليس بقصد الهجوم أو المباغتة، إنه دفاع اليأس أو التهديد بالمقاومة، فالشعور بالعجز يفتح نافذة الحزن على مصراعيها، لكل طيور الخوف التي تحلم في السكن في اقفاص القلوب الدافئة، لذا تأتي الومضة كشريط سينمائي، أو صورة متحركة تعكس مشاهد متداخلة، يجمع بينها خيط خفي، وإن كانت تبدو بعيدة في الزمن والمكان، إلا إن الحزن هو سيد الموقف فيها، فهو الرائحة !! )توعد( قبر وقبر وبينهما قبر. يتساقط المطر. تطرح الأرض رؤوسا متوعده. )أم المسرح( خشبة مسرح. إعصار صناعي. تبديل أقنعة. جمهور غارق. إعصار حقيقي. جوقَةٌ مطارَدَة. )واردها( أرض قاحلة. غليان. ينابيع .. أرض نابته. سماسرة ماء. غليان. -5 المحطة الخامسة: مرحلة التقبل: «ما حدث حدث، ويجب أن أكمل الطريق « ،» لا فائدة من المقاومة، من الأفضل أن استعد لما سيأتي »: تمد المرحلة الأخيرة الفرد بشعور من السلام، والتفهم للفقد الذي حدث/ القادم. عامة سيفضل الفرد في هذه المرحلة أن يُتركَ وحيداً، بالإضافة لذلك قد تنعدم لديه مشاعر الألم، وتعد هذه المرحلة نهاية الصراع. 12
  • 14. جمال الجزيري هنا ينتقل بين مفهومين لتقبل حالة الحزن، بين ما يقوله آمبروس بيرس: )المصائب نوعان: حظ عاثر يصيبنا وحظ حسن يصيب الآخرين!!( وبين ما يقوله توماس جيفيرسون: )أنا مؤمن جداً بالحظ، وكلما عملت بجد أكبر كلما حصلت على المزيد من الحظ!!(، فهو يسعى للتصالح من نفسه، كي يتفرغ للخصام مع العالم وإقلاق راحته كما يشاء وكما يريد !! جمال الجزيري إذا توقف لحظة عن القلق، فهذا يعني، ومضات جديدة بنَفَسٍ يتصالح مع القارئ، ويزرع فيه الأمل، ولكنه يبقى كعادته دائماً يأتينا بثوب حزين !! في ومضته )ربيعي( ومع كل الأمل الذي يشع عبر كلمات النص، إلا أنه يُصرُّ أن يأخذه من أغنية حزينة تدمي قلوبنا، إنه ماهر جداً في زرع الحزن في حقول قلوبنا وإطعامنا فاكهة الحزن اللذيذة مرغمين !! )ربيعي( استمعت لأغنية حزينة تقلب الوجع وتعلو بالرأس. انفرج قلبي واحتضنت غدي. وفي ومضة )قافلة( يظهر التقبل على شكل وهم يصنعه بيديه، ليخبرنا أن عصير التجاهل، قد يتغلب ولو لوقت قصير على نكهة الحزن في كل شيء فينا وحولنا !! )قافلة( أتيقظ لحظة. يصدمني الغياب ويعصف بي النوم، فأعود لتناومي كأن القافلة تسير. وفي ومضة )قناع 12 ( يحاول أن يمارس فن التقبل، على كل شيء يتحرك فينا ويبعث على الشعور بالخوف والحزن، وعلى فكرة القبول بالآخر مهما كان مجهولاً لدينا، كوسيلة لاكتشاف راحة الذات، والخلود إلى الطمأنينة حتى ولو كانت الرحلة تسير خلف بوصلة معطلة!! )قناع 12 ( تتأمل صورة رجل باسم بفزع. تحترق غضبا وانفعالا. تلقي بنفسها في بحار أوهامها. وفي نهاية هذه الرحلة التي أفكر بأن لا أسميها حزينة، مع أنها تسافر عبر أجنحة الحزن، إلى فضاءات جمال الجزيري الحزينة والشاسعة، أتذكر كلمات نور البواردي :)كيف سأقول للحزن )وداعاً( دون أن أبدو خائنة للعشرة؟!( فكيف سنقول للدكتور جمال الجزيري :)وداعاً( ونحن لا نفكر في مفارقته في الأصل، ولكنْ ما يجبرنا على الابتعاد عن ومضاته، ولو لفترة قصيرة، هو كلمات عبده خال في )الأوغاد يضحكون( :)إذا كثرت أحزانك.. نم !!( .. وهو كذلك.. أنا ذاهب إلى النوم الآن، مع أنني أعلم جيداً، أني سأحلم بكلمات جمال الجزيري الحزينة مرغما !! محمود الرجبي المراجع أسعد الجبوري. «مشروع للتجريب في حساسية اللغة http:// .» www.alimbaratur.com/index.php?option=com_ 773=content&view=article&id 13
  • 15. إليزابيث كيوبلر روس. عن الموت والوفاة. إيفا نيكولافيتش. «فخ قراءة - لماذا نفرط في كتابة الحزن؟ » 8 مارس /http://azo0of.wordpress.com .2014 B%D8%A7%D8%85%D9%84%D9%/08/03/2014 -B7%D8%B1%D8%81%D9%86%D9%-A7%D8%0 8A-%D9%81%D9% -A9%D8%A8%D8%A7%AA%D8%D8%83%%D9 /2-86%D9%B2%AD%D8%D8%84%D9%A7%D8% جمال الجزيري. فتافيت الصورة. القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة ]فرع ثقافة القاهرة[، 2001 . جمال الجزيري. 34« ومضة ». ومضات مايو 2014 . الكتاب الأول في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 11 - 15 . جمال الجزيري. 81« ومضة ». ومضات يونيو 2014 . الكتاب الثاني في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 5- 15 . جمال الجزيري. 92« ومضة ». ومضات يوليو 2014 والأرشيف. الكتاب الثالث في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 14 - 25 . جمال الجزيري. 68« ومضة ». كتاب ومضات أغسطس 2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 5- 19 . د. خيري دومة، تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998 . داود سلمان الشويلي. «القصة الومضة ... ملاحظات أولية .» السبت 28 يونيو http://althakife.blogspot. .2014 html.7888_blog-post/06/2014/com د. سعيد علوش، في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، سوشبريس، الدار البيضاء، 1985 . د. محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة: أصولها، اتجاهاتها، أعلامها، منشأة المعارف، الإسكندرية، .1983 ولسن ثورنلي، كتابة القصة القصيرة، ترجمة، د. مانع حماد الجهني، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 1992 . هورست ريديكر. الانعكاس والفعل. 14
  • 16. كلمة ونظرة عين تعليق على ومضة جمال الجزيري بقلم أ.د بهاء محمد مزيد ..رئيس قسم اللغة الإنجليزية. جامعة سوهاج. مصر د.جمال الجزيري الومضة هناك ... سألها بعفوية: «من أين أنتِ؟ » تلعْثَمَتْ. ردَّتْ بحيادٍ: «من هُنَا »، وعيناها تشردانِ بعيدً ا. )جمال الجزيري( أخرجني هذا النّص القصير المكير من حالة وخم ألمت بي وهكذا تفعل النّصوص الجميلة وقليلة ما هي. أرغمني أن أوجّه وجهي حيث تشير تعابير الإشارة فيه. )سوف تبقى التعابير الإشارية deictic مفتاحا من مفاتيح كنوز اللغة البشريّة.( عنوان الومضة «هناك » يحيل إلى مكان بعيد - بعيد من نقطة الحدث، من حيث الغائب الذي يشير إليه الضمير المستتر «هو » والغائبة التي يشير إليها الضمير المتّصل «ها » في «سألها » وتاء التأنيث في «تلعثمت » و »ردّت » والضمير المتّصل «ها » في «عيناها ». وقد يكون بعيدا منك وأنت تقرأ فيشير إلى حيث يقع الحدث/ الحوار. إجابتها لم تكن عفوية كما كان سؤاله فقد تلعثمت قبل أن تجيب. إجابتها في ظاهرها بسيطة شافية كافية – «من هنا ». من المفترض أن يفهم السائل أنّ المسئولة تنتمي إلى المكان الذي يقع فيه الحوار، من النقطة التي جمعته بها. غير أنّ لغة الجسد وتعبير العينين يربك حساباته وحسابات القارئ. كيف يمكن أن تتصالح اللغتان لغة الحروف والكلمات ولغة العينين؟ هل تريد أن تقول «أنا من هنا حقّا لكنّني أتطّلع إلى هناك. لا أنتمي إلى هنا بل إلى مكان بعيد »؟ أم تريد أن تقول «أنا حقّا من هناك، من مكان بعيد، غير أنّه منّي قريب - فتشير إليه وكأنّها تعيش فيه «هنا »؟ لا بأس بأيّ من التفسيرين ولعلّ بلاغة الومضة تكمن في بقاء الإشارة عالقة بين «هنا » و »هناك »، بين مكان ينتمي إليه الجسد ومكان يهفو إليه القلب والروح. 15
  • 17. اللغة الأدبية أ.د. بهاء محمد مزيدـ رئيس قسم اللغة الإنجليزية ـ جامعة سوهاج ــ مصر اللغة الأدبية مفهوم مائع لا سبيل إلى تقييده ولا يمكن النّظر إليه بمعزل عن السياق والسياق من بين أركانه غايات النّص والمشاركين في الخطاب والجنس الأدبي/ الخطابي وغير ذلك. تستطيع مفردة دارجة أن تكون أدبيّة في موقف ما وقد تكون كلمة فخمة عتيقة نافرة في سياق آخر .... أراك يا صديقي انجرفت إلى مناقشة اللغة الأدبية بمعنى اللغة المؤدّبة ولم يكن هذا ما أوحى به تساؤلك من البداية. أرى أن نفصل بين الموضوعين ... كما اتفقنا اللغة الأدبيّة هي اللغة التي تحقق غايات النّص الأدبي. على سبيل التفصيل ينبغي النّظر إلى لغة النّص من خلال الزمان والمكان فلا يليق أن يقول زوج لزوجته في المطبخ «تبًّا لك يا امرأة » ثم الزمان فلا يليق أن تجد في نص يكتب عام 2014 مفردات تعود إلى الجاهلية إ لاّ على سبيل المحاكاة )الباروديا( أو التّناص والمفارقة التاريخية. ثم المشاركون في الخطاب فلغة النادل لا تشبه لغة العالم ولا تشبه لغة السياسي ولا تشبه لغة السكارى. ثم غايات النّص وأهدافه وغرضه بالمعنى القديم لمفهوم الغرض الشعري. ثم تتابع فقرات النّص وأجزائه وهنا تكمن أهميّة الملائمة ومراعاة مقتضى الحال والمقام. ثم نغمة النّص والإيقاع الذي يهيمن عليه فما يليق بالفكاهة لا يليق بالإقناع لا يليق بالإخبار وهكذا. ثم أدوات النصّ في تحقيق بلاغته وغاياته ومنها الاستعارة والسرد والوصف والحوار ثم القواعد التي تحكم إنتاج النّص )تذكّر شروط د. جمال الجزيري للومضة على سبيل المثل( والجنس الخطابي الذي ينتمي إليه النّص فليس النثر كالشعر وليست القصيدة كالقصّة القصيرة ولا كالومضة. هذا تبسيط مخلّ أرجو أن تسنح فرصة لتطبيقه وتفصيله. 16
  • 18. د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر د. جمال الجزيري الأدب والتمرُّد إلى روح أستاذينا شكري عيَّاد وأمين الخولي التمرُّد الأدبي يعني أن يتمرد الأديب على شكل ما أو عنصر ما من عناصر النوع الأدبي. وهذا يستتبع بالضرورة أن يكون قد هضم هذا الشكل أو العنصر واستوعبه جيدا بحيث يدرك أوجه قصوره وكيف أنه لم يعد قادرا على أن يلبي الحاجة التعبيرية الحالية للأديب. أن تتمرد يعني أن تستوعب كل ما سبقك وتحاول التعبير من خلال إطاره فتجده غير قادر على أن يوفي رؤيتك الأدبية حقها، ومن هنا تفكر في تطوير هذه الأشكال أو العناصر أو الأساليب من داخلها، لا أن ترفضها لمجرد أنك لا تستوعبها أو أنك لم تطلع عليها أو أنك لا تجد الوقت للإلمام بها وهنا تجد نفسك في نقطة الصفر وتعرض نفسك للسخرية من القارئ. هناك شكليات متعلقة باللغة لا يمكنك التمرد عليها مثل استعمال علامات الترقيم وبناء الجملة والتشكيل وأدوات التعريف والتنكير ومعظم القواعد اللغوية، لأنها هي التي تم التعارف عليها بوصفها أدوات للتعبير ونقل المعنى اللغوي. لو استعملت الفاصلة المنقوطة محل الفاصلة مثلا، ستقع في خطأ لن يغفره لك أحد لأن كل منهما له وظيفته وإذا تبدل ستتبدل الوظيفة ويتبدل المعنى وسيحدث خلط ولبس بالتأكيد لدى القارئ وأول تفسير منه سيتمثل في أن هذا الكاتب جاهل لا يلم بأدوات لغته. ونفس الأمر بالنسبة للسرد، فقد تتغير وظيفة السرد وغاياته وحتى شكله، لكنه يظل عنصرا أساسيا في النصوص التي تتخذ السرد عنصرا يمدها بهويتها ويميزها عن الأنواع الأدبية الأخرى. المنجزات التي تم الوصول إليها أوو تحقيقها في نوع أدبي ما تصير أقرب للمسلَّمات في هذا النوع. السرد الأخلاقي مثلا الذي كان يستعمل السرد لمجرد توصيل قيمة أخلاقية أو التعبير عن فكرة لم يعد له مجال في الأدب الحديث. ولذلك عندما يعود الكاتب إلى جعل النص السرد وسيلة للتعبير عن مغزى أخلاقي مباشر، لن يكون نصه أدبيا. اختلاف وسيلة التعبير وبيئة التعبير يؤثران على شكل التعبير ذاته. الثقافة الشفاهية لها وسائلها التي تختلف بالتأكيد عن وسائل الثقافة الكتابية. عندما يكون المؤلف حاضرا بجسده وسط جمهور ويتناول موضوعا يعرف هذا الجمهور أبعاده، يمكنه أن يتجاهل بعض عناصر الموضوع لأنها معلومة بالضرورة لكل أفراد هذا الجمهور. أما عندما يتحرر النص من سلطة المكان وسلطة الزمان في النص المكتوب، فلابد أن تكون كل عناصره التي تضمن بقاءه موجودة فيه. 17
  • 19. الأدب بطبعه نوع من التمرد، لكنه تمرد واعٍ يقوم على معرفة وثيقة وتفصيلية واستيعابية لما يتم التمرد عليه. عندما نشرت «فتافيت الصورة » في 2001 وكنت قد كتبت نصوصها في السنوات العشر السابقة على تاريخ النشر، كانت معظم قراءاتي كلاسيكية ومعظم النصوص التي كنت أقوم بدراستها وتحليلها بحكم عملي ودراستي كلاسيكية أيضا وكنت أستوعبها جيدا، لكنني عندما بدأت الكتابة كنتُ أشعر بأن هناك شيئا ما ناقصا في هذه الكتابات الكلاسيكية وأنني لا أستطيع أن أعبر عن عالَم أكبر مني ولا أستطيع أن أتفاعل معه إلا جزئيا إلا عن طريق النصوص القصيرة جدا التي تقتنص زاوية ضيقة أو صغيرة للنظر هنا أو هناك دون أن تستطيع أن تحيط بهذا العالم علما أو دراية شاملة. أظن أن القصة الومضة والقصة القصيرة جدا تنبع من هذه الزاوية. أن تخطأ في اللغة أو تستعمل تعبيرات لغوية مباشرة تهدف إلى نقل فكرة مباشرة، أو تسيء استعمال أدوات الترقيم أو لا تستوعب إطار الشكل الذي تكتب فيه أو تتعالى على التعليقات التي تشير إلى خطأ بيِّن - فهذا جهل ولا علاقة له بالتمرد. التمرد من الخارج وقوف على الشط دون تجربة ولا يُعتَد به. التمرد من الداخل يتم بناء على خبرة ومعرفة ودراية واطلاع وقراءة وهضم واستيعاب وإدراك لجوانب القصور، وهو الذي يستحق اسم التمرد لأنه لا ينم عن جهل. 18
  • 20. عباس طمبل ـ السودان العلاقة العضوية بين القصة الومضة والقصة القصيرة جدًا ..قراءة نقدية في ومضة )مشاعر نقدية(.أ محمد سعيد ـ مصر وقصة قصيرة جدا.)تمنع( أ.جمعة الفاخري ـ ليبيا 19 توطئة: في هذه المقالة سأكمل ما بدأته في العدد الثالث من مجلة سنا الومضة الالكترونية )أغسطس 2014 ( عن العلاقة العضوية بين القصة الومضة والقصة القصيرة جدًا، وقمت باختيار قصة بعنوان )تمنعٌ( من مجموعة الأديب الليبي جمعة الفاخري )عناق ظلال مراوغة( الصادر عام ) 2004 ( وقصة ومضة للكاتب المصري محمد سعيد بعنوان )مشاعر نقدية( نُشرت بكتاب ومضات أغسطس 2014 . نجد أن القصة الومضة والقصة القصيرة جدًا، في الكثير من الأحيان يفصل بينهما زمن الحدث والتوسع في السرد وترك الراوي الحرية للشخصيات التعبير عما بداخلها وتقديم الحدث من زاوية أوسع من القصة الومضة التي تقضي التكثيف الأشد، فربما تأتي المقدمة والعقدة في جملة واحدة، ويقدم بعدها مباشرة الراوي الحل. أولا: القصة القصيرة جدًا تمنع اِحْتَوَتْهُ بِعَيْنَيْهَا .. اِنْزَلقَ بَصَرُهُ نَحْوَ وَجْهِهَا الْبَهِيِّ .. تَبَاعَدَتْ شَفَتَاهَا عَنْ بَعْضِهِمَا .. تَخَلَّصَتَا مِنْ عِنَاقٍ صَامِتٍ .. سَطَعَتْ مِنْ ثَغْرِهَا ابْتِسَامَةٌ صَافِيَةٌ .. حَاوَلَ أَنْ يَرَدَّ لَهَا الْهَدِيَّةَ .. اِلْتَصَقَتْ شَفَتَاهُ بِبَعْضِهِمَا .. اِزْدَادَتَا تَشَبُّثًا بِالْعِنَاقِ .. تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ ابْتِسَامَتَهُ فِي مَكَانٍ مَا .. ــــــــــ نجد في هذه القصة القصيرة جدا أن البدايةَ حدثيةٌ، فبدأت القصة بالجملة الفعلية التي تتكون من فعل وفاعل ومفعول به، الفعل الماضي )احتوته(، ونجد أن المفعول به هو الرجل الذي عاد عليه ضمير الهاء في احتوته، والفاعل هو تلك المرأة الجريئة التي يعود لها ضمير الهاء في بعينيها. انزلاق البصر قد يحيل إلى فعل آتى رغما عن هذا الرجل وأنه غير مرتِّب لهذه النظرة لوجهها الجميل، ربما يكون مسلوب الإرادة وتعرض لصدمة من قبل ولا يقوى على تحمل صدمة أخرى..
  • 21. تباعد الشفتان والعناق الصامت يوحيان بأن هذه المرأة هي من امتلكت زمام المبادرة.. عكس ما يُنظر لها، فالنظرة المتعارف عليها عن المرأة في المجتمعات العربية وحسب العادات والتقاليد تفرض على المرأة التمنع وعدم المبادرة والإفصاح عن مشاعرها للرجل حتى ولو بالنظر. ونجد أن هذا الرجل حاول رد الابتسامة ومبادلتها العناق، لكنه على ما يبدو مسلوب الإرادة لا يملك مشاعره، أو ربما يتمنع من القرب من هذه المرأة والاستجابة لها لأن مشاعره ليست ملكه، فربما قلبه وعقله في مكان آخر مع من يحب ، وربما هو مشغول بأشخاص آخرين ومكان آخر ولا يستطيع أن يبتسم لها لأنه موجود بجانبها جسدا فقط، وروحه في المكان الآخر وأنه صادق المشاعر لمن يحب، وقد يكون شخصا مهموما بموضوع آخر، ولا يهمه من يقف بجانبه، أو أنه تعرَّض لموقف من قبل كصدمة عاطفية ولا يريد تكرار تلك التجربة. المفارقة هنا ربما لم تظهر بالمعنى المفهوم، حيث لا يشترط وجود مفارقات القصة القصيرة جدا والومضة، فهنا سار الحدث كما تأمله المرأة وحاول الرجل أن يتجاوب معها بالفعل لكن ذكرياته منعته من المواصلة. ولم تحقق الابتسامة ونظرات الاحتواء النتائج التي كانت تتمناها، لذلك عندما أراد أن يبتسم لها أدرك أن سعادته موجودة في مكان آخر عند أشخاص آخرين. المدي الزمنى للنص في القصة القصيرة جدا ركز على فترة زمنية قصيرة ربما امتدت لعدة دقائق، ما بين الاحتواء بالعيون والعناق الصامت ونسيان مشاعره في مكان ما وانتهاء الحدث على غير المتوقع وسيره في اتجاه عكسي لتوقعات الشخصية المحورية. مكان الحدث هنا غير معلوم بالضبط أين هو، لكن يبدو أنه في أي مكان عام يتواصل فيه الناس مع بعضهم البعض، فمن الممكن أن يكون مكتبا أو مستشفى أو حديقة عامة. زمن الحدث هنا الزمن الماضي. الناظر لأسلوب السرد هنا يجد القصة مروية بضمير الغائب المفرد، واستعمال هذا الضمير قد يعطي خصوصية للنص، المنظور السردي. 20
  • 22. هذه القصة مروية من منظور خارجي لراوٍ لا يشارك في الأحداث، ولا يوجه الشخصيات ولا يفرض عليهم وجهة نظره، بل كأنه يقف في منطقة محايدة وينقل لنا الأحداث بشكل تلقائي، عدا الجملة الأخيرة )تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ ابْتِسَامَتَهُ فِي مَكَانٍ مَا(. وهي خاتمة للنص مروية من منظور داخلي على شخصية الرجل في هذه القصة، لتكشف لنا أنه مهموم وترك فكره في مكان آخر. العنوان )تمنع( يوحي بأن المجتمع أصابه شرخ في سلوكه وتغير حاله، وقد كانت المرأة هي المتمنعة والخجولة، والرجل المبادر بنظرات الأعجاب والسؤال عندما تعجبه أمراه. لكن هنا في هذه القصة قد خرقت نظرة المجتمع السائدة للمرأة حسب متغيرات السلوك العام، وهو سلوك معظم نساء هذا المجتمع في الآونة الأخيرة، إذ نجد أن الخجل والحياء قد رحل من وجوه معظم النساء في هذا الزمان، على عكس ما كان في السابق حيث لا تبادر عادة المرأة بنظرات الإعجاب، كانت تنتظر من الرجل أن يبادر. ثانيًا: القصة الومضة مَشاعِر نقدية قال منكسرًا: لم أعد أمتلك سوى قلبٍ يحبك. أجابته: إذًا.. فلتُوْصِ إليّ ببيع أعضائك!! ـــــــــــــ تعكس هذه الومضة للكاتب المصري محمد سعيد حالة منتشرة في المجتمعات العربية التي لا تعترف إلا بالمال فقط. بدأت هذه الومضة بالبداية الحدثية حيث نقل لنا الراوي الحدث مباشرة على غرار الحوار المسرحي، ونجد أن هذا العاشق المسكين ربما لا يمتلك المال إنما قبله كي يقدمه لهذه المرأة، في سبيل إسعادها. لكن يبدو أن هذه المرأة يسيطر على عقلها طغيان المادة أكثر من اهتمامها بالعلاقات الإنسانية النبيلة. 21
  • 23. )لم( حرف الجزم الذي يؤكد أنه لم يعد لديه غير ذاك القلب المخلص الوفي لمن يحب حتى عندما فقد الأمل في هذه الحياة. وربكا كان الانكسار حدث بفعل الصدمات التي تعرض لها وربما لم يستطع الوفاء بوعده لهذه المحبوبة أو الزوجة التي تعشق المال فقط. أو من زاوية أخرى ربما كان هذا الرجل صاحب ثروة ضخمة وخسرها تحت أي ظرف من الظروف نظرًا لمتغيرات كثيرة في المجتمع فرضت عليه هذا الوضع الجديد الذي لم تحتمله الزوجة المادية التي تريد المال ولا شيء غيره، لذلك حتى بعد أن يموت تريد المقابل من أعضائه البشرية. عندما ننظر إلى المدي الزمني للحدث، نجده يمتد فترة زمنية قصيرة ما بين قوله لم يعد يملكه غير قلبه الجريح وبين إجابة المرأة المتمثلة في طلبها منه أن يكتب لها وصية ببيع أعضائه. الشخصيات نستشفها من خلال السياق السردي، أنه رجل محب لا يملك سوء قلب منكسر وامرأة – زوجة أو محبوبة – مادية عاشقة للمال. البداية حديثة حيث ينقل لنا الراوي الحدث من خلال الفعل المنفي لم، فالرجل لم يعد يملك في هذه الدنيا سوى مشاعره الصادقة فقط وحبه لهذه المرأة. والنهاية حديثة توحي بأن الشخصية المساعدة لا تقبل هذا الحب بل تريد المقابل ولا شيء غيره. مكان الحدث غير معلوم في النص، لكن يمكننا أن نستدل عليه أنه مجتمع مادي لا يعترف بالأخلاق النبيلة، وامتداد أواصر العلاقات الحميمة، وقد ينتشر فيه الفقر والجهل والمرض، مما ينتج عن ذلك الأنانية وتقديس المصلحة الشخصية. الناظر للمدي الزمنى للنص، يجده الزمن الماضي غير المحدد. العنوان )مشاعر نقدية( يوحي بأن المجتمع مادي، وقد يدفع ثمن ماديته أشخاص نبلاء اعتادوا على العطاء بلا حدود وتقديم التضحيات وهو نعت لهذه المشاعر القاسية. الناظر لأسلوب السرد، يجد الومضة مروية بضمير الغائب المفرد. المنظور السردي منظور خارجي، فعند الوصية لهذه الشخصية ببيع الأعضاء يمكن لأي شخص أن يري هذا المحب فعل ذلك، عدا البداية في قول الراوي )قال: منكسرا( يمكننا أن نقول هنا إ المنظور خارجي، ربما توجد علامات خارجية للانكسار يستطيع أن يراها أي شخص وتظهر على ملامح وجهه، أو نبرة صوته وبالتالي يمكننا أن ننظر إليها على أنها تنتمي للمنظور الخارجي. 22
  • 24. وهي مشاعر خاصة بالنقود والانكسار، وهي حالة داخلية وبالتالي في الظاهر منقولة من منظور داخلي على الشخصية، لكن الانكسار والفرح والحزن والغضب وغيرهم يمكن أن تكون لهم في الغالب مظاهر خارجية، تمكن الملاحِظ من أن يستشفها دون أن يدخل داخل الشخصية يعني مثلا: يمكنك أن تقول: «قال غاضبا » وأنت تراه أمامك غاضبا بالفعل، وهنا لا تستعمل المنظور الداخلي وإنما الخارجي لأنك تراه أمامك غاضبا. الراوي هنا ينقل مشهد الحوار مباشرة بدون تمهيد وبالتالي السرد يكون بطريقة مباشرة على غرار المسرح والحوار المسرحي. العنوان )مشاعر نقدية( هنا عنوان آت نعت لهذه المشاعر السلبية، ومثل عتبة أولى جيدة مهدت بشكل محايد لفهم نص الومضة المستقل عن العنوان عضويا. المفارقة هنا ربما تكون منظورية بنظر الشخصيتين لبعضهما بعضا، فجملة «فلتوص لي ببيع أعضائك » ربما توحي بأن هذه المحبوبة أو المرأة تعرف طبيعة هذه الشخصية، وهي تنظر للعلاقة بينهما نظرة مادية بحتة، هو يشكو لها همه وهي تستغل هذا الهم، ولا تخفف عنه بل تزيد همه أكثر وتتخلى عنه أو تريد أن يوصي لها ببيع أعضائه وكأنها تستعجل موته. مراجع جمعة الفاخري. عناق ظلال مراغة. الطبعة الثانية. الإسكندرية: الدار العالمية للنشر والتوزيع، 2014 . محمد سعيد. «مشاعر نقدية ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: د. جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجال لنشر الالكتروني، 2014 . ص 62 . 23
  • 25. عباس طمبل د.جمال الجزيري ارتباك النص: ملاحظات نقدية على ثلاث ومضات قصصية مقدمة: سنتناول في هذا المقال ثلاثة نصوص نُشرت في «ومضات أغسطس »2014 ، وهو الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني التي تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. وكنا نأمل بعد نشر هذه الومضات على المجموعة أولا أن يتم الحوار مع كُتاب هذه النصوص للوصول إلى الصيغة المثالية التي تتبناها المجموعة، وهي تأكيد نظرتها للقصة الومضة التي تنطلق من مفهوم أن نص القصة الومضة يجب أن يحمل مقومات السرد القصصي، من عنوان محايد منفصل تمامًا عن النص بحيث يؤدي وظيفة العنوان المتعارف عليها في علم السرد، والمتن يجب أن يكون نصًا سرديًا يحمل كل مقومات البقاء ومكتمل البنية الجسدية ويُفهم بعيدًا عن عنوانه. أو لاً : نص بعنوان )ناقم( للأستاذ حسن الفياض. قرأ كتابًا عن أمجاد العرب؛ طفِق يحفر قبرًا لأحفادهم. ـــــــ أول ما يستوقف القارئ في هذا النص العنوان الذي وظفه الكاتب بطريقة خاطئة، إذ يعتبر العنوان )ناقم( في هذه الومضة جزءًا لا يتجزأ من البنية الجسدية للنص، وهذا مخل بوظيفة العنوان إذا يقول «جيرار جينيت » إن الوظيفة الأساسية اللازمة للعنوان في النص الأدبي في المقام الأول هي وظيفة التسمية والتعيين التي تساعد القارئ علي امتلاك مفتاح الدخول إلى عالم النص، وينبغي على العنوان أن يغطّي جانبا من جوانب النص بأي شكل من الأشكال كأن يشير إلى جانب من جوانبه الشكلية أو يشير إلى جانب من الموضوع الذي يتناوله أو يرمز للحالة العامة التي يجسدها النص ويكون بمثابة المبدأ الرئيسي أو الفرعي الذي تقوم عليه التجربة المسرودة في النص بالنسبة للومضة هنا. وهنا نجد العنوان يقوم بوظيفة التسمية لأنه عنوان أولا وأخيرا، ويكننا عندما ننتقل للنص نجد أن هذا النص يقوم على العنوان كما سنبيّن لاحقا في هذه المقالة.. 24
  • 26. من المشاكل التي يقع فيها الكثير من كُتاب القصة الومضة، كتابة العنوان قبل كتابة نص الومضة ومن هنا يأتي الخلل، فمن المفترض أن تتم كتابة النص أولاً ثم يأتي بعد ذلك اختيار عنوان رمزي محايد حسب وظيفة العنوان في النص الأدبي، ولابد أن يكون النص مكتملا وتتحقق فيه جميع السمات النصية التي يتناولها جمال الجزيري في مقالة منفردة منشورة في هذا العدد من المجلة أيضا: التماسك، الترابط، الإخبار/الإبلاغ، الموقفية/المقامية/المقام/مقتضى الحال، التناص، القصدية، القبول. وهذه سمات عامة لابد أن تتوفر في كل نص سواء أكان أدبيا أم لا. أما بالنسبة للنص القصصي، والومضة نص قصيي في الأساس، فلابد أن تتوفر فيه سمات أخري خاصة بالنوع الذي تنتمي إليه بالإضافة إلى هذه السمات النصية العامة. فلابد أن تكون أطراف الحدث معلومة في الومضة ولابد أن يكون الحدث مكتملا بحيث لا يحتاج القارئ إلى اللجوء إلى عامل خارجي لفهمه، ولابد أن يكون السرد هو السمة الأساسية للنص وليس مجرد أداه يستعين بها الكاتب لتوصيل فكرة، فالفكرة في النص السردي تنبع من الحدث ذاته ولابد أن يظهر لنا الراوي الحدث أمام أعيننا بطريقة مجسّدة بفتح اسين وكسرها تمكِّنُنا من أن نستشف فكرته أو أفكاره، لا أن يطرح الكاتب الفكرة بشكل مباشر. ومضة «ناقم » لحسن الفيَّاض لا تلتزم بهذا المفهوم للنص بوجه عام ولنص الومضة بوجه خاص. فنظرا لتغييب عناصر مهمة من مقومات القص في ومضة «ناقم »، نجد أنفسنا هنا أمام نص لا نعرف الكثير من سماته ولا نعرف أطراف الحدث. ولا يقوم الكاتب بتجسيد الحدث أو عرضه أمامنا. من الذي قرأ أمجاد العرب؟ وعن أي أمجاد يتحدث الكاتب؟ في أي مجال من مجلات العلوم مث لاً ، أم مجال الحراك السياسي والديني والثقافي أم في أي مجال آخر؟ فلقد كانت أمجاد العرب كثيرة في كل المجالات ـ الطب والفلك والكيمياء والأدب والفلسفةـ على سبيل المثال. ثم هل من المفترض أن تكون قراءة هذه الأمجاد بشكل عام مصدرَ فخر ومدعاة للتحفيز لاستعادتها أم مدعاة للانتقام من أحفاد العرب؟ ما يدعو هذا الفاعل الُمغيَّب في النص أن يحفر قبرا للأحفاد؟! هل هذا القبر هو قبر العار والخزي؟! كل هذه أسئلة تدور في ذهن المتلقي. هذا على مستوى النص بشكله الحالي، وهو شكل يدعو للتساؤل هنا: هل يوجد سرد هنا أم أن الكاتب ألح على الفكرة فقط؟ هل النص متماسك لغويا؟ نعم متماسك لغويا هل النص مترابط؟ لا يوجد ترابط هنا لأن الفكرة التي يقوم عليها غير منطقية أو لا تنبع من موقف يمكننا أن نتبين ملامحه من السياق، فالشخصية الوحيدة التي تظهر في النص هي شخصية من قرأ ومن حفر. . أ.حسن الفياض 25
  • 27. ما السمات النفسية لهذه الشخصية؟ هل هي مجنونة مثلا بحيث تؤدي بها قراءة التاريخ الذي لا يخصها في الغالب إلى الانتقام من أحفاد شخصيات ذلك التاريخ؟ هل هي نظرية المؤامرة؟ هل هي هلوسة؟ الحدث لا يستقيم منطقيا، ولا توجد مبررات تقنعنا بمنطقية الحدث، لأننا أمام شخصية غير محددة السمات ولا يرسم الكاتب ملامحها أو يلقي الضوء على جانب منها يستطيع أن يقنعنا بمبررات سلوكها. فعندما يكون النص السردي ناقصا من حيث السياق ودالة اللفظ لا تؤدي قراءته إلى معنى واضح ومفهوم، يقع المتلقي في فخ الافتراض والتخمين. ومنطيقًا القارئ ليس ساحرًا كي يدخل في ذهن أي كاتب ويعرف ماذا يريد إيصاله من رسائل تحملها نصوصه وما الهدف من كتابته لهذه النصوص؟ ثانيًا: نص بعنوان )فقير( للأستاذة فرات المدني. توسدَ الجوع فراشاً، كتبَ على بابه: «أدعوكم لوليمة .« ــــــ هي نفس إشكالية نص )ناقم( وينطبق عليه القول بالضبط من حيث من هو الفاعل الذي توسد الجوع فراشًا؟ وهل توسُّده للجوع يجعله يدعو الناس لوليمة؟ لماذا دعاهم؟ هل هذه إشارة إلى عفة النفس لديه من أن يكون الجوع هو فراشه ورفيقه أم إشارة إلى بخل الأغنياء في إنقاذه من فقره وجوعه ومن هنا أراد أن يقدم نفسه وليمة لتتخم بطونهم؟ هل على سبيل إظهار قوة العزم وعزة النفس التي تجعل الفقراء لا يسالون الناس إلحافًا؟ الحدث لابد أن يحتوي على منطقه الخاص ومبررات قبوله لدى القارئ والاقتناع به والاندماج فيه. «توسد الجوع فراشا » عبارة استعارية تدل على أن فلانا جَاعَ. ما علاقة الإحساس بالجوع والدعوة لوليمة. الشخصية غير معلومة في النص والشخصيات التي يخاطبها غير معلومة أيضا. هل «سيشمُّ القارئُ على ظهر يده » كما يقول التعبير المصري أم سيُنَجِّمُ أم سيسأل عرَّافا ليعرف المشار إليه هنا وهناك؟ ربما يقول قائل إن الفاعل في الجملة الأولى الاستعارية هو الفقير الوارد في العنوان. العنوان ليس جزءًا من النص، والنص لابد أن يمتلك كل العناصر الكافية لكونه نصا كما أشرنا أعلاه عند تناول ومضة الأستاذ حسن الفياض، بحيث يستطيع بهذه السمات والمقومان أن يكون قابلا للبقاء والتداول بين القراء بوصفه نصا لا يحتاج إلى وجود المؤلف بجانبه ليشرح لكل قارئ المقصود بهذه الإشارة أو تلك. أ. فرات المديني 26
  • 28. يُفترض أن الجملة الثانية من هذا النص تقيم علاقة تضاد مع الجملة الأولى، بمعنى أنها من المفترض أن تفصح عن ضمير المخاطب هنا حتى نعرف هوية هؤلاء الذين يخاطبهم الجائع بحيث يمكننا أن نقيس دلالة سلوكه وتعبيره بالمقارنة بهم. الهاء في «بابه » غير محددة وكذلك الكاف في «أدعوكم ». وكيف يدعوهم الجائع لوليمة؟ هل هذه الدعوة مصيدة مثلا بحيث يدخلون – من هم؟ - من باب – باب بيته؟ باب خيمته على الرصيف؟ الومضة تتحدث عن افتراش الجوع فقط ولا تذكر مكانا يمكن أن يلعب دورا في فك شفرة النص – من «بابه » ويتوسدون الجوع مثله مثلا؟ أو يشفقون عليه؟ أو يحسون بألمه؟ وماذا لو استجاب فقراء مثله لهذه الدعوة؟ أليس ما يقوم به في هذه الحالة يزيد ألم هؤلاء الفقراء؟ ماذا لو فهم مارٌّ هذه الدعوة فهما حرفيا وعندما لم يجد هناك وليمة قام بالتشاجر مع صاحب الدعوة مثلا وقَتَلَه؟ الجملة الأولى تقول إنه توسد الجوع فراشا، ومن المفترض أن تستثمر الجملة الثانية دلالات هذه الجملة الأولى وتبني عليها بحيث تقدم لنا حدثا له علاقة بالتوسد والفراش. توسُّده للجوع يدل على أنه نام على جوعه. والتوسُّد لا يكون فِراشًا وإنما يكون وسادة: توسَّد الوسادةَ، توسَّد ذراعيه، توسَّد قالبَ الطوبِ، توسَّد حذاءَه، الخ. وهذا التوسُّد هنا يعني نومه. كيف كتب على الباب الذي لا نعرف كَنْهَهُ؟ يُفترضُ أنه ينام جائعا. وحتى لو كان النوم لم يقربْه بعد، من المفترض أنه يكتب على الفراش الذي قلنا إنه ليست له علاقة بالتوسد أصلا. هل الفراش له باب؟ إذن هو متسوِّل في أغلب الأحيان: فرش على الأرض/الشارع/الرصيف فراشا ونام عليه كتب هذه العبارة لدعوة الناس للتصدق عليه. ما دلالة الوليمة هنا؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا لأن النص غير مكتمل وبه الكثير من الفجوات أو الثغرات أو مواطن الخلل التي تجعلنا لا نملك إلا التخمين في أفضل الأحوال أو إلى صرف النظر عن النص بالمرة. ثالثا: نص بعنوان )مكايدة( للأستاذ عثمان عمر الشال أظهرت انزعاجها و تذمّرها من تلك النّظرات ، وذلك العواء ، ولكن لا تنكري أنّك منتشيه بجمالك الذي سحر الرجال . ـــــ هذه الومضة افضل من الومضتين السابقتين من حيث استقلالية العنوان عن متن القصة، لكن بشكل عام أرى أن في هذه الومضة معضلة أخرى يقع فيها الكثيرون من كُتاب الومضة القصصية، إلا وهي تكثيف قصة قصيرة جدًا وحذف جمل منها حذفًا قد يكون عشوائيًا يؤدي في نهاية الأمر إلى إرباك القارئ، وقد يحدث خل لاً واضح في استعمال الضمائر والتحول في الزمن السردي من الماضي إلى زمن آخر بطريقة غير متقنة. أستاذ /عمر عثمان الشال 27
  • 29. وهذه الومضة اقرب إلى القصة القصيرة جدًا لتعدد أحداثها، بحيث لا يحتمل نص الومضة نقل أكثر من حدث في متنها نظرًا لزمن الحدث القصير الذي يحتمله المدى الزمنى للنص. وتعدد هنا حدث ـ الانزعاج والتذمرـ من نظرات الرجال لهذه المرأة التي بدأت مبتهجة بجمالها الفاتن وسعيدة باهتمام الرجال بجمالها، هل الحدث ينحصر في المكايدة بالجمال الفاتن وحده أم تداخلت الأحداث كالتذمر والانزعاج والعواء واستمتاعها بلحظات المعاكسة المستمرة كلما سارت في الطريق؟ هل تقبل الومضة كل هذه الأحداث؟ طبيعة القصة الومضة تدل على أنها لا تحتمل التوسع في زمن الحدث أو تعدد الأحداث. ويجب أن يلتقط الراوي حدثا واحدا خاطفا من منظور محدد سوءا أكان المنظور خارجيًا أو داخليًا. المفارقة تقوم علي تلك المرأة الجميلة رغم تذمرها لكنها تستمتع بالإطراء والمدح ومطاردة الرجل لها والتلذذ بنظرات الإعجاب في عيونهم وكل الرجال معجبون بجمالها الفاتن.. ومن الملاحظ هنا أن الضمير الذي يتم استعماله في السرد ليس متسقا طوال الومضة، فنصفها الأول منقول بضمير الغائب ويتكلم الراوي عن هذه المرأة كأنها تنتمي إلى عالم لا يشارك فيه هذا الراوي. ولكنه ينتقل في النصف الثاني إلى استعمال ضمير المخاطب وكأنها حاضرة أمامه ويخاطبها مباشرة، الأمر الذي ينم عن خلط يتعلق باستعمال ضمير السرد. فضمير الغائب يفترض عدم مشاركة الراوي في الحدث، وعليه أن ينقل هذا الحدث كما هو بدون تدخل سواء أكان هذا النقل خارجيا بتسليط الضوء على ما تفعله الشخصية أو الشخصيات المشاركة في الحدث أم داخليا بأن ينقل لنا هذا المحدث من منظور إحدى الشخصيات وكأنه يرى الحدث بعينيها. أما ضمير المتكلم والمخاطب فيفترضان مشاركة الراوي في الحدث مشاركة كلية أو جزئية، رئيسية أم ثانوية، أي أن الراوي يكون شخصية في العالم الذي تلتقط الومضة جزءا أو لحظة منه. وهذه المشاركة تفرض وجودها على المنظور المستعمل في السرد. ولذلك لابد هنا من أن يكون الضمير المستعمل في سرد الحدث متسقا: إما أن يحافظ الراوي على ضمير الغائب طوال النص، وهنا سنفهم أن المنظور المستعمل في النصف الثاني من الومضة بداية من «ولكن » منظور داخلي ينقل من خلاله الراوي ما يدور في نفس الشخصية بعد أن أظهرت تذمرها. وبذلك ندرك أن ضمير الغائب طوال النص يدل على عدم مشاركة الراوي في الحدث. والاحتمال الثاني يتمثل في استعمال ضمير المخاطب طوال النص، وهنا يتحول النص إلى ما يشبه المسائلة من قِبل الراوي للمرأة، ولابد أنه يعرفها معرفة وثيقة تتيح له أن يخاطبها هكذا فيما يشبه المسائلة أو على الأقل العتاب. أما النص بشكله الحالي فيدل – بشكل افتراضي – على أن النص جزء مقتَطَع من نص طويل فيه تنوع في استعمال ضمائر السرد واكتفى الكاتب بجملة من هنا وجملة من هناك. 28
  • 30. مراجع حسن الفياض. «ثلاث ومضات ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص .47 عمر عثمان الشال. 3« ومضات ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص .45 فرات المدني. «فقير ». ومضات أغسطس 2014 . الكتاب الرابع في سلسلة كتاب الومضات الشهرية الالكتروني. سلسلة شهرية تصدر عن مجموعة سنا الومضة على الفيسبوك. تحرير وتقديم: جمال الجزيري. الجيزة: حمارتك العرجا للنشر الالكتروني، 2014 . ص 62 . 29
  • 31. الأدب والنقد والمبدع : نظرة تاريخيةوعصرية ـ دكتور .جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر هناك فرق بين الأدب بمعناه العام والأدب بمعنى الفنون الأدبية المعاصرة. الأدب بمعناه العام قد يرد بمعانٍ كثيرة في المعاجم المختلفة قديما وحديثا، مثل: « -1 الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس سُمّيَ به لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إلى المَحَامدِ وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ »، كما ورد في تاج العروس، ومن الواضح أن الأدب هنا يتخذ معنى تعليميا اجتماعيا ودينيا مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الحث على الفضائل والنهي عن الرذائل. ويضيف تاج العروس: الأَدبُ يَقَع على كل رِيَاضَةِ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضِيلَةِ من الفَضَائِلِ ومثله في التهذيب وفي التوشيح: «هو استعمالُ ما يُحْمَدُ قَوْلاً وفِعْلاً أَو الأَخْذُ أَو الوُقُوفُ مع المُسْتَحْسَنَات أَو تَعْظِيمُ مَنْ فوقَك والرِّفْق بمَنْ دُونَكَ »، ومن الواضح هنا أن هذا الكلام يعني التأدب والتهذُّب بمعناهما الأخلاقي والسلوكي. ويضيف تاج العروس أيضا: «الأَدَبُ في اللغة: حُسْنُ الأَخلاق وفِعْلُ المَكَارِم وإِطلاقُه على عُلُومِ العَرَبِيَّة مُوَلَّدٌ حَدَثَ في الإِسلام ». ومن الواضح أن هذه المعاني تتعلق بالأصل اللغوي المشتقة منه الكلمة - ولا أقول المصطلح - لأن المصطلح من المفروض أن يكون أكثر تخصصا. « -2 جُملة ما ينْبَغي لذي الصِّناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي، وأدب الكاتب »، كما ورد في المعجم الوسيط، وأظن أن المقصود به هنا أخلاقيات المهنة أو الحرفة أو الصناعة، ويحمل أيضا معنى أخلاقيا. « -3 الجميلُ من النَّظم والنَّثر »، كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. وهذا معنى أكثر تحديدا وتخصيصا. ليس كل ما يكتب من شعر ونثر أدبا، فبعضه ينتمي للأدب وبعضه الآخر يخرج من نطاق الأدب. ولكن تظل كلمة «جميل » مبهمة: هل تدل على جمال الفكرة أم على جمال الصياغة أم على جمال الشكل الفني أم على براعة الكاتب في توظيف أسلوبه لخدمة الشكل الفني/النوع الأدبي الذي يكتب في إطاره؟ 3030
  • 32. « -4 كل ما أنتجه العقل الإنْسَاني من ضُروب المعرفة ،» كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. وأظن أن هذا التعريف أو المعنى الفرعي لكلمة أدب يساوي العلم أو المعرفة بوجه عام أو كل ما يؤدي إلى تطوير حياة الإنسان وشخصيته وبالتالي يتلاقى مع المعنى الأخلاق والتهذيبي الوارد في رقم 1 أعلاه. « -5 علوم الأدب عند المتقدِّمين تشمل: اللغة والصَّرف، والاشتقاق، والنَّحو، والمعاني، والبيان والبديع، والعَروض، والقَافِية، والخَطّ، والإنشاء، والمحاضرات »، كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. ويتلاقى هذا التعريب مع «علوم العربية » في تاج العروس المذكورة في نهاية البند رقم 1 أعلاه. وهنا يدل على كل ما يمكّن الكاتب - أيا كان نوع كتابته - من استعمال اللغة استعمالا جيدا والتعبير عن المعاني التي تخطر في ذهنه بأفضل صياغة ممكنة. وأظن أن هذا التعريف تأثر بحركة الترجمة في العصر العباسي واشتقاق كلمة أدب في اللغات الأوربية من كلمة الحرف في اللغة اللاتينية التي تعني الرسالة والأدب والثقافة وبالتالي يصير الأدب في الثقافتين العربية والأوربية قرينا بحرفة الكاتب أيا كان ما يكتبه. ويضيف الدكتور أحمد مختار عمر في معجم اللغة العربية المعاصرة أن مصطلح «علوم الأدب » يدل على كل ما يجعل الكاتب أو المتكلم ينجو بنفسه من الأخطاء اللغوية مثل علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة. « -6 وتطلق الآداب حديثا على الأدب بالمعنى الخاصّ، والتاريخ والجغرافية، وعلوم اللسان، والفلسفة »، كما ورد في المعجم الوسيط أيضا. وهنا تدل الكلمة في صيغة الجمع على الآداب بالمعنى الحديث الضيق والمحدد، كما تشمل العلوم الإنسانية في مقابل العلوم البحتة كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك وما إلى ذلك. « -7 والأَدَبُ الظَّرْفُ وحُسْنُ التَّناوُلِ »، كما في لسان العرب. ويرتبط ذلك بالمعنى الوارد أعلاه في رقم 3، وإن كان يركز أكثر على أسلوب معالجة الفكرة وجماله وجودته. -8 يعرّف الدكتور أحمد مختار عمر في معجم اللغة العربية المعاصرة كلمة «أدب » بأنها تطلق على فنون الشعر والنثر ويضيف أنواعا لها مثل الأدب القصصي والأدب الروائي وأدب الرحلات وأدب المناسبات. يمكننا أن نقسّم هذه التعريفات إلى ثلاثة أقسام: أ- الأدب بمعناه الأخلاقي العام الذي يدل على التأدب والتهذب وحسن الخلق وكل ما يؤدي إليهم من علم ومعرفة ومهارات وثقافة. ب- الأدب بمعناه اللغوي الذي يتمثل في كل معرفة تمكّن الكاتب - أيا كان ما يكتبه - من أن يعبر عن فكرته تعبيرا لغويا سليما. ج- الأدب بمعناه الفني الخاص المتمثل في الأنواع الأدبية الحديثة من شعر وما يندرج تحته من أنواع فرعية، وسرد/قص وما يندرج تحته من أنواع فرعية، ومسرح وما يندرج تحته من أنواع فرعية. 31
  • 33. ما يهمنا هنا هو النوع الأخير وخاصة ما يندرج تحت الأدب القصصي من ومضة قصصية أو قصة ومضة. وبالتالي لابد أن نميّز الأنواع الأخرى من الكتابة التي لا تنتمي للأدب بمعناه الضيق المذكور والتي قد تتوسل بالسرد لتوصيل فكرتها. وفي رأيي أن التوقيعات الأدبية والنصوص التي تقوم على الحكمة أو المثل أو القول البليغ لا تنتمي للأدب بمعناه الضيق ولكنها تنتمي للأدب بمعناه الأخلاقي التعليمي الاجتماعي. وأظن أنه بعد انحصار كلمة أدب في ثقافتنا المعاصرة في معنى فنون الأدب القصصي والشعري والمسرحي لا يمكننا أن نستخدم كلمة أدب لوصف ذلك النوع من الومضات البليغة التي تقوم على حكمة أو قول أو مثل يستخدم القصة كمجرد وسيلة لتوصيل الفكرة. ولابد من الاحتفاظ بمصطلح القصة الومضة لذلك النوع الذي يتفرع من القصة القصيرة جدا ويتميز بالإيجاز والاختزال وتوظيف القص توظيفا فنيا في أضيق مساحة لغوية ممكنة لا تؤدي إلى الابتسار أو الغموض بحيث يكون القص هو أداة التعبير وغايته وبعد ذلك يتم استنتاج الفكرة من السياق القصصي المتكامل. ومن الملاحظ أيضا أن كلمة الأدب تتضمن بالضرورة اتقان اللغة نحوا وصرفا وكتابة وإملاء وجماليات ثقافية وفنية وتعبيرية وأسلوبية، ومن هنا على كاتب القصة الومضة أن يلمّ بأبعاد اللغة وفنياتها وجمالياتها وتطورها الثقافي والأسلوبي والبلاغي. مصطلح الأدب اقتصر في اللغة العربية المعاصرة على الأدب بمعناه النوعي: فنون الأدب الثلاثة وما يندرج تحتها من أنواع فرعية، وهي: الشعر والسرد والمسرح. قد تتضمن الومضة القصصية بمعناها الفني على حكمة وعلى قيمة أخلاقية وعلى... ولكن ذلك لابد أن يُستَشَفَّ من السياق الفني، لا أن يتم التعبير عنه بشكل مباشر. لا توجد مشكلة في الغرض الأخلاقي في حد ذاته، فالغرض الأخلاقي مثله مثل الغرض السياسي أو النفسي موجود في كل الآداب. المشكلة في افتراض بعض الكتاب أن الأدب ما هو إلا تعبير عن حكمة أخلاقية. ومن وجهة نظري، يمكن للكاتب أن يعبر عن أي شيء بشرط أن يأتي هذا التعبير بشكل مباشر من خلال مقتضيات النوع الأدبي الذي يكتب من خلاله. الأدب بوجه عام رؤية خاصة ومميزة للحياة. وفن السرد خصوصا يقوم على تجسيد مواقف حياتية أو ما وراء حياتية متميزة، والفكرة تأتي لاحقا بحيث يستشفها القارئ من السياق وبنية النص. ولو كان النص جيدا ربما تكون هناك عدة أفكار تتشابك ببعضها البعض وتسمح بقراءة النص من أكثر من زاوية. أما من يصر على الفكرة أولا ويحددها ثم يقول سأكتب ومضة عن كذا، فأظن أنه لا يفهم جوهر الأدب ولا يكتب أدبا. من ينظر إلى الأدب على أنه حكمة الأجداد ودروس مفيدة يعيش في زمن هؤلاء الأجداد وبالتالي لا يتمثَّل إيقاع العصر ولا الإيقاع النوعي/الأدبي/التعبيري المتخصص المقترن بالوعي بالأطر الأسلوبية والتعبيرية للأنواع الأدبية بشكلها المعاصر الذي يتغير على الدوام لأن مفهوم المعاصرة مفهوم متغيِّر ومتحوِّل بطبعه، فما كان معاصرا منذ مائة سنة ليس هو المعاصر لنا الآن. وحتى المعاصر لنا الآن يفترض انقساما في مفهوم «نحن » وما يستتبعه ذلك من رؤى متغايرة لدى الأجيال المتعاصرة. فالمعاصر بالنسبة لابني غير المعاصر بالنسبة لي، ورؤية ابني للأسلوب الأدبي ولحساسية العصر تختلف عن رؤيتي بالضرورة. 32
  • 34. الأدب والقواعد ليست للأدب عموما قواعد بالمعنى المتعارف عليه في العلوم الطبيعية مثلا. القواعد الأدبية في اللغة الإنجليزية مثلا يطلقون عليها اسم conventions بمعنى أعراف أو تقاليد وبطبيعتها خاصة بزمن معين ومجتمع معين وتتغير من وقت لآخر حسب تغير مقتضياتها في المجتمع الأدبي أو المجتمع العام. وأرى أن القواعد مجرد إطار عام يتحرك في داخله الأديب، أو هي على وجه الدقة وعي نوعي يستطيع أن يكوّن فكرة عامة عما يميز نوعا أدبيا عن نوع آخر وعن السمات التي تمنح كل نوع هويته، وهي سمات في تطور مستمر، على الأقل على مستوى الوظيفة، فمفهوم الشخصية في النص السردي على سبيل المثال في تغير مستمر ووظيفة الشخصية في الومضة القصصية غير وظيفتها في الرواية على سبيل المثال، والأديب المتميز هو الذي يستطيع أن يغير الأعراف الأدبية، وهو ما أطلق عليه أستاذنا الدكتور شكري عياد رحمه الله اسم «الكاتب الخروجي »، بمعنى من يخرج على الأعراف الأدبية ويضيف لها إسهامه الخاص. وأرى أن حصر الومضة على سبيل المثال في تقنيات بعينها مثل المفارقة والنهاية غير المتوقعة والدهشة أمرٌ يضرها أكثر مما يفيدها. فحصرها في المفارقة والإدهاش وما إلى ذلك جعل الكثيرين من الكتاب يستحضرون هذه المفاهيم ويجسدونها في نصوصهم دون أن تكون نصوصهم أدبية أو قصصية بالأساس، دون أن يعوا جوهر المفارقة ذاتها، وهي مفهوم له دلالات متشعّبة وتناولتها في مقالة مستقلة. الومضة بحكم اشتقاقها اللغوي لقطة فارقة في حياة إنسان يمسك بها الكاتب ويجسدها في نص قصير. الإبداع بوجه عام أرحب من أي تقنين أو وضع قواعد خانقة له. وأؤكد ما قلته من قبل من أن الغرب لا يسميها قواعد ولكن يسميها «أعراف » مثلها مثل عادات المجتمع قابلة للتغير والتطور والموت والحياة. وقال الشكلانيون الروس بمفهوم المهيمن أو المسيطر أو السائد، فما يهيمن على نوع أدبي معين من تقنيات الآن قد يتغير بتغير الظروف وأحوال المجتمع والإبداع والتذوق ليخرج ما كان مهمشا ويصير هو السائد، وهكذا إلى أن يخرج عنصر لم يكن في الحسبان ويصير هو المهيمن. شخصيا، كتبت الومضة قبل أن يظهر اسمها ولم أكن أطلق عليها ومضة آنذاك بل قصة قصيرة ونشرتها في مجموعات ضمن القصص القصيرة وتحت مسماها. فليبقَ الإبداع وليذهب المتحذلقون والمدعون والنصابون النص الأدبي لابد أن يكون مكتملا في حد ذاته وله طبيعة سردية بعيدا عن التجريد والوعظ والحكمة والإرشاد والمباشرة، أي أنه نص يستلهم طبيعة الأدب أيا كان توجه الكاتب أو أسلوبه. لكن أن ينظر الكاتب إلى الأدب على أنه توصيل معلومة أو حكمة بطريقة مباشرة فهذا ليس أدبا حسب ما تعلمتُه من مختلف الفنون والآداب العربية والعالمية. كيف يمكن لأديب أن يجهل ماهية الأدب؟ الأدب تجسيد ونظرة متميزة للكون والحياة. التجريد والوعظ والإرشاد والنظرة الأخلاقية السطحية للحياة لا علاقة لهم بالأدب. فالنص الذي يقوم على مجرد الفكرة ليس أدبا، فهو مجرد تعبير عن فكرة بشكل مباشر، فوظيفته هنا إخبارية أو تبليغية بالأساس، فهذا النص يهدف لتوصيل معلومة وهنا يلتقي مع النصوص العلمية والتعليمية الذي يهدف الكاتب من ورائها إلى توصيل معلومة أو فكرة ما للقارئ. 34
  • 35. وبناء على ذلك تكون الشخصيات المجردة التي يستعملها بعض الكتاب في ومضاتهم مثل الفضيلة والرزيلة والشيطان وإبليس والأمانة وما إلى ذلك شخصيات لا تصلح أن تكون شخصيات في نص أدبي جيد، فمجالها في الأدب التعليمي والمسرح التوعوي مثلا. كما أن طبيعة الومضة تقتضي التمكن من جوهر الأدب أو الإمساك به، فلا مجال سوى للتكثيف والإيحاء وإيراد المواقف الإنسانية الوامضة حقا. وأي موقف في حياتنا يمكنه أن يصير موضوعا للومضة بشرط أن يكون هذا الموقف له دلالة إنسانية وموحيا ويرتبط بجوهر حياة الإنسان والقضايا الفعلية التي يواجهها في حياته ويمكن للقارئ أن يجد فيهما عمقا إنسانيا. لكن أن يسرد الكاتب موقفا لا يتم رصده من زاوية محددة ولا يكون له مغزى إنساني عميق، فهذا نوع من الابتذال. «شرب، فارتوى »، موقف يتكرر كل يوم مليارات المرات، وهو مجرد سلوك يعزز غريزة البقاء، وليس فيه فن في حد ذاته، مع العلم بأن موضوع الارتواء ذاته يمكنه أن يكون موضوعا فنيا بامتياز إذا التقطه الكاتب من زاوية محددة وخصصه بحالة فنية معينة، كأن يقول: «طال انتظارها لابنها. أحسَّتْ بالعطش وبأن ابنها عطش في غربته. روتها مكالمة منه اعتذر فيها عن عدم مجيئه »، فهنا تحول العطش والارتواء إلى حالة فنية في موقف يتكرر كثيرا في حياتنا المعاصرة التي تجبر فيها لقمةُ العيش الإنسان على الاغتراب عن أقرب الناس إليه. الكتابة رغبة وجود وبدونها ستجد أن هناك شيئا ناقصا في حياتك. والكتابة الأدبية بالفعل رغبة وجود قبل أي شيء آخر. الأدب لا توجد له قواعد. الأدب له جوهر، وهو أن أسلوبه ليس نفعيا مباشرا أو يلح على الفكرة وليس هدفه الأساسي توصيل المعلومة كما في المقالات والكتب غير الأدبية. الأدب مغامرة وانطلاق ورؤية خاصة للعالم ولابد أن يكون أسلوب الكاتب مميزا. ومع المران يمكنني أن أعرف أن هذا الأسلوب خاص بالكاتب الفلاني حتى لو لم أقرأ اسمه. الأدب تفرُّد ولا يُعقل أن نجد عدة نصوص مرسلة في نفس اليوم تحثنا على الفضيلة بشكل مباشر مثلا. أنا شخصيا لا أدري لماذا بدأتُ الكتابة منذ 1991 ولكنني وجدتُ «قلمي يأكلني » كما في التعبير العامي «يدي تأكلني » ووجدتني أكتب ولا أعرف ماهية ما أكتبه. وكانت النصيحة الأساسية التي يوجهها لي من سبقوني للكتابة آنذاك أن أقرأ أكبر عدد من النصوص السردية ساعتها لأنني بدأت بكتابة القصة وأن أتأمل أسلوب الكاتب وكيف يجسد الموقف وكيف أنه يبتعد عن المباشرة في التناول. كيف لكاتب ومضة - وما أدراك ما الومضة - أن يضع الشيطان أو الفضيلة أو الرزيلة شخصية في «ومضته »؟ هذه الشخصيات لم تظهر في الأدب منذ اختفاء المسرح الكنسي في أوربا في القرن الثالث عشر تقريبا. ولا يتم إظهارها في الأدب إلا لتجسيد رؤية فلسفية للحياة كما فعل جوته أو كرستوفر مارلو في فاوستاس أو فاوست 35
  • 36. ملاحظات حول العلاقة بين المبدع والناقد المبدع الحقيقي يرحب النقد لأن النقد ضوء يتم تسليطه على نصه ويحدد له الطريق. أنا شخصيا عندما أعرض نصوصي على صديق مثلا، أول ما أطلبه منه: «ما الذي لم يعجبك في النص ولماذا؟ » وإذا أبدى الصديق إعجابه بنص أسأله نفس السؤال: «ما الذي أعجبك فيه ولماذا؟ » حتى أستطيع أن أعرف موقع قدمي على خارطة الإبداع وأعرف ما الذي ينقصني حتى أتفادى الخطأ حاليا بأن أعيد النظر في مواطن الخلل في نصي ولاحقا بأن أستفيد من ملاحظة هذا الصديق أو الناقد. ويمكن لأي أحد أن يستفيد من أي أحد. والحوار ذاته - أيا كانت محتوياته ونتائجه - سيكون مفيدا للطرفين. أظن أن من يبتعد ويرفض النقاش والحوار والنقد ربما لا يملك حجة أو ربما لم يكن مبدعا أصيلا. فالمبدع الأصيل لا يغضب من النقد أو الحوار أو النقاش لأنه يعلم جيدا أن كل ذلك يصب في مصلحته في النهاية وهو المستفيد الأساسي لأنه سيوظف النقاش في تحسين أسلوبه والتمكن من أدواته لاحقا. من المفروض أن العلاقة بين النقد والإبداع علاقة تكاملية وعندما تكون هذه العلاقة قوية تفيد الطرفين. ولكن لابد من التفريق بين النقد الرسمي المنشور في الكتب والمجلات وبين النقد على الصفحات المخصصة للإبداع على الفيسبوك. النقد المنشور في الكتب نقد متخصص وغالبا ما يكون مكرسا لتناول قضية أو ظاهرة ما. ونظرا لارتفاع تكلفة الطباعة فإنه يقتصر في الغالب على النشر في دور النشر الحكومية ونادرا ما تجد ناقدا ينشر كتبه النقدية على حسابه الشخصي. أما دور النشر الخاصة، فإنها تكتفي بالنشر لكبار النقاد حتى تضمن توزيعا معقولا للكتاب. وبالنسبة للمجلات المتخصصة أيضا، فإنها تنشر في الغالب لكبار النقاد أو المشهورين منهم سواء أكانوا صغارا أم كبارا. أما النقد المنشور تعليقا على نصوص أدبية في الصفحات والمنتديات الخاصة بالأدب، فلابد أن نميز بين المجاملات والانتقادات من جهة والنقد بمعناه الحقيقي الذي يحاول أن يتلمس روح النص من جهة أخرى. والكثير من النقد على النصوص عبارة عن لفت انتباه لأخطاء لغوية وأسلوبية وإملائية ونحوية، وهذا ما يغضب الكثيرين من الكتاب على الصفحات الافتراضية لأن بعض الكتاب يظنون أنهم بمجرد فوزهم في مسابقة هنا أو هناك قد وصلوا لقمة الإبداع ولا يحق لأحد أن يعلق على نصوصهم تعليقات تبرز سلبياتها. كما أن بعض المجموعات الأدبية على الفيسبوك يقتصر فيها النقد على المجاملات والشللية والإعجاب، وهذا ليس نقدا بالمفهوم الدقيق، لأن النقد حوار عميق مع النص ولا يعترف بالتربيطات ولا بالمجاملات ولا بمجرد الثناء. الثناء الحقيقي يعني أن أثني على نص وأبيّن سبب ثنائي عليه. 36
  • 37. لا أظن أن تدهور العلاقة بين الكاتب والناقد ترجع إلى اختلاف المدارس الأدبية والنقدية، فالمدارس بوجه عام مجرد زوايا ننظر من خلالها للنص ولا تعادي بعضها بعضا كما هو شائع، فالعلاقة بين المدارس النقدية علاقة تكاملية. والنص الأدبي الجيد يمكن قراءته من أكثر من زاوية حسب خصوصية النص ذاته وحسب ما إذا كان ما في النص يتيح هذه القراءة أو تلك، أي أن النص يفرض طريقة قراءته في غالب الأحيان. ولابد أن نقر هنا بأن الإبداع هو الأصل الذي يدور حوله النقد وبالتالي قد يشغل النقد مرتبة ثانية على المستوى الظاهري. ولكن لابد أن يكون النص إبداعا أولا - سواء أكان جيدا أم تعتريه بعض المشاكل ترجع إلى أن لكاتب مازال مبتدئا مثلا أو في طور تجريب لم تتشكل ملامحه تشكلا كاملا بعد - حتى نسمي ما يُكتب عنه نقدا أدبيا بالمعنى الحقيقي لكلمة نقد. وعندما يكون الإبداع جيدا والنقد جيدا يتساوى الطرفان وتتساوى حاجة كل منهما للآخر. ودور الناقد تجاه الأديب دور تاريخي منفتح على كل ما هو جديد. ولا توجد «قواعد » أو «شروط » للنقد ولا للأدب كما بيَّنَّا أعلاه، فكلنا نعرف أن مقومات الأدب والنقد ما هي إلا أعراف أو تقاليد أو عادات جمالية تتغير من عصر لآخر ومن ثقافة لأخرى وبالتالي لابد من الانفتاح في الرؤية بحيث يستطيع الناقد أن يحاور النص بناء على معطياته الخاصة دون أن يفرض عليه رؤية أو شروطا مستمدة من خارجه. النقد إنصات لروح النص وبيان لما إذا كان الأديب استطاع أن ينصت هو أيضا لروح التجربة ويعبر عنها تعبيرا يوفيها حقها ويليق بها أم لا. وإذا كان النقد صادقا لا أظن أن الأديب الحقيقي سيضيق به لأن النقد أولا وأخيرا عين أخرى للأديب، أو هو صورة النص في عيون الآخر، وكلنا كأدباء نحتاج إلى تلك النظرة الغيرية حتى نستطيع أن ندرك مدى نجاحنا أو تعثرنا في تجاربنا الأدبية. وبالرغم من فوضى النشر على المواقع الالكترونية وربما في الواقع الورقي للإبداع والنقد على السواء، لا أظن أن أي ساحة أدبية في أي وقت تخلو من الإبداع الجيد والنقد الجيد. أحيانا النشر والنقد تسودهما الشللية والترويج لما هو دون المستوى لدواعي العلاقات الشخصية أو المصالح. ولكن أظن أن انتشار وسائل النشر البديلة على صفحات الفيسبوك والمنتديات وغيرها في السنوات الأخيرة يعطي فرصة للمتميزين أن ينشروا إبداعاتهم، ولكنه في الوقت ذاته للأسف يعطي فرصة للمدعين بالنشر والانتشار أيضا، وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى النقد لكي يقوم بدوره التاريخي ويتابع ما ينشر على الصفحات ويبين جماليات النصوص المتميزة بحيث تكون مثالا يُحتذى به ويقوّم أيضا مسار الكتاب المبتدئين . 37
  • 38. وهنا أودّ أن أنوّه إلى المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق إدارة أي مجموعة أدبية على الفيسبوك، خاصة المجموعات المكرّسة لفن لم يتم ترسيخه وتأصيله نقديا بعد مثل فن الومضة القصصية. الإدارة مسئولية، ومن يؤسس مجموعة للومضة على سبيل المثال لابد أن يكون واعيا بهذه المسئولية وواعيا بجوهر الفن السردي بوجه عام وبالقضايا النقدية الخاصة بالومضة بوجه خاص. ولذلك لابد أن يتريث في نشر النصوص ويلتزم بالجدية النقدية في التعليقات على النصوص المنشورة ويطرح على المجموعة من آن لآخر قضايا يستشعرها من خلال تجربته في إدارة المجموعة وتمس مشاكل حقيقية يعاني منها الأعضاء في نصوصهم. كل تجربة أيا كانت لها إيجابياتها وسلبياتها. وأظن أن السلبيات هنا ترجع إلى عدم متابعة النقاد لما ينشر والإدلاء بدلوهم لتصحيح الوضع. وشئنا أم أبينا، المرحلة الحالية مرحلة رقمية والكترونية وستعمل في المستقبل على تغيير ملامح خريطة الأدب. النقطة الإيجابية التي ألمسها هي أن مفهوم النخبة ذاته وأدبها بدأ يفقد الكثير من معناه وبدأت حدود الأدب تتزحزح عن موضعها: بمعنى أن هذا الانتشار الرهيب للأدب والتفاعل معه على الفضاء الالكتروني - أيا كانت سلبياته - يصب في صالح الأدب بوجه عام لأن طبيعة الوسيلة المنشورة عليها النصوص هنا تقتضي إشراك القارئ في النص، وهو إشراك خاص بمفهوم التوسع. نعرف طبعا أن هناك مفهوم في علم لغويات النص يتعلق بما إذا كان النص خاص أم عام: بمعنى هل أكتب بلغة يقتصر فهمها والتفاعل معها على جمهور مخصوص أم أقوم بتوسيع الدائرة كي يستطيع أكبر عدد ممكن من القراء التفاعل مع النص. والمثال التقليدي هنا هو كتاب عن الهندسة على سبيل المثال، هل أكتبه بحيث يفهمه المتخصصون في الهندسة فقط أم أقوم بتبسيط المصطلحات وطريقة العرض بحيث يستفيد منه القارئ غير المتخصص في الهندسة؟ ما أراه حاليا على الشبكة هو أدب وسيط ما بين الأدب الشعبي الذي لا يلتزم بالأصول الأدبية المتعارف عليها والأدب الرسمي. وأكاد أجزم أن هذا الأدب الوسيط سيتطور مع مرور الزمن بحيث يطور الأدب الرسمي ذاته ويعيد له جمهوره الذي أفقدته النخبة إياه. يلزم فقط المتابعة النقدية الموضوعية التي تستعمل لغة تجعل الأديب يتقبل النقد ويطور من أدواته وأسلوبه. وعلى مدير المجموعة المتخصصة أو العضو أو الناقد أن يحلل النص تحليلا كاملا يبرز إيجابياته ويسلط الضوء على سلبياته بطريقة يقبلها الكثيرون بحيث يوضح ما إذا كان هذا النص أو ذاك مكتملا سرديا وفنيا أم لا، بدءا من العنوان الذي يسيء الكثيرون فهمه مرورا بعلامات الترقيم التي يسيئون استعمالها أيضا وحتى النص ذاته وبيان ما إذا كان نصا يمتلك سياقا فنيا يجعله قابلا للحياة والاستمرار أم لا. ولذا أرى أن المتابعة النقدية هي أهم شيء حاليا، لأن هذا الاتجاه في الكتابة المتمثل في الومضة القصصية سيستمر شئنا أم أبينا لأنه مرتبط بطبيعة العصر: فهل نتركه يستمر بعيوبه أم نقوم بتصحيح مساره بحيث يصب في صالح الأدب في النهاية؟ 38
  • 39. الناقد والإنصات لصوت النص الناقد عندما ينصت للنص تمام الإنصات الذي يستحقه يستطيع أن يسمع صوته الخاص ويستطيع النص أن يصير تام الحضور في ذهن الناقد ووجدانه. تناولتُ هذا الإنصات النقدي بالتفصيل في كتابي «الحوار مع النص: جماعة بدايات القرن نموذجا » ) 2002 (. وأعني به أن يدع الناقد أحكامه المسبقة مقولاته النقدية جانبا، وينصت باهتمام لصوت النص الداخلي ويتأمل أسلوبه وبناءه وصياغته بحيث يستطيع أن يوفيه حقه ويشتق جمالياته من داخله بدلا من أن يقوم بإسقاط – بمعنى الإسقاط في علم النفس – مفاهيمه الخاصة عليه أو يصدر عليه أحكاما لا تتسق مع طبيعة النص الخاصة. وعدم إصدار الأحكام الآن من الفطنة النقدية، ليس فقط في الومضة القصصية وإنما في كل الأنواع الأدبية والفنية وكذلك في مناحي كثيرة من حياتنا التي يغطيها الضباب. وإن كانت هذه المناحي لا يمكن التحقق منها نظرا لتضارب مصادر المعرفة وعدم الاتصال المباشر بالحدث، فعلى الأقل في القصة الومضة تمكِّننا المتابعة التحليلية المتأنية من خلال القراءات والنقد أن نكوِّنَ صورة ذهنية عنها تبلور في أذهاننا مفهوما واضحا لها وعنها. ومن وجهة نظري، لا يمكنني تكوين هذه الصورة الذهنية إلا من خلال تحليل مئات الومضات والتحاور معها وبعد ذلك أدخل في طور التأمل لما أحلله ولما أتابعه وهو تأمل نقدي سيمكنني من أن أغربل الصورة في ذهني وأتوصل إلى تصور صافٍ لها. وهذه الصورة الذهنية في حالة صيرورة أو تغير وتطور مستمرين، بمعنى أن نقدها متطور مثلها بالضبط لأنها لم تتخذ أشكالا سردية راسخة أو قارة حتى الآن، فأمامها طريق طويل من محاولة الاستفادة من كل الفنون السردية: المكتوبة والشفاهية والمسموعة والمرئية. ولذلك يكون التنظير للومضة القصصية تنظيرا جزئيا في هذه المرحلة، لأن الومضة ذاتها في طور ترسيخ ذاتها والاستفادة من وسائل التعبير الأدبية والفنية الأخرى. كما أن الحوار يتخذ شكلا آخر في النقد المنشور في المجموعات المخصصة للقصة الومضة على الفيسبوك، خاصة في مجموعة سنا الومضة التي أشرف بإدارتها وتأسيسها مع الأستاذ عصام الشريف والأستاذ عباس طمبل. فكثير من الومضات غث. ولكن إذا قلت لصاحبه إنه غث مباشرة سيقول لي إنك لا تفهم في الومضة وإنك ناقد متزمت وما إلى ذلك. وبالتالي ليس أمامنا إلا الحوار من الداخل - إذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير - وأقصد به أن نقوم بتحليل الومضة تحليلا موضوعيا حواريا لا يجرّح في أحد ويبين للكاتب كيف أن النقطة الفلانية مثلا لا تخدم الومضة أو كيف أن هذا النص غامض ولا توجد فيه مبررات بقائه فنيا أو كيف أن استعمال علامات الترقيم أضر بالنص أو كيف أن الرؤية الفنية متناقضة أو كيف أن استعماله للغة يتنافى مع العنوان الموضوع على الومضة ويشطبه، وما إلى ذلك من قضايا نقدية تتكشف أثناء التحليل. السرد. 39
  • 40. وكثيرا ما يفهم الكتّاب موضوع الإيجاز والحذف في الومضة القصصية فهما خاطئا. بالنسبة للحذف، الكثير من النصوص تعتمد على الحذف وهو حذف يقوم في الغالب على المعرفة اللغوية والنحوية والسياقية والفكرية والثقافية المشتركة بين الكاتب والقارئ ولابد من وجود علامات ودلائل داخل النص تمكّننا من تقدير المحذوف وإلا صار النص مبهما وبالتالي انتفى عنه الترابط والتماسك والإخبار وما إلى ذلك من السمات التي تجعل الكلام المكتوب نصا قابلا للبقاء على مر الزمن بعيدا عن مكان كتابته وزمانه ومؤلفه. د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـمصر مقدمة سأتناول في هذه المقالة مفهوم العنوان في النص الأدبي من الناحية النظرية وأتمنى أن أستطيع أن أتناول في مقالة قادمة العنوان في الومضة القصصية تطبيقيا من خلال تحليل مجموعة كبيرة من عناوين الومضات القصصية المنشورة على مجموعة سنا الومضة وفي سلسلة كتابها الشهري الذي يقوم بتجميع النصوص المنشورة كل شهر على المجموعة في كتاب الكتروني مستقل. في لسان العرب: «عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَناً وعُنُوناً: ظَهَرَ أَمامك؛ وعَنَّ يَعِنُّ ويُعُنُّ عَنّاً وعُنوناً واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض ». ومن هذا التعريف ندرك أن هذا الفعل يقترن بالظهور والإظهار والعَرْض. ويقول لسان العرب إن أصل كلمة «عنوان » هي «عُنَّانٌ » وقلبت إحدى النونين واوا وقد تُقلب أيضا إلى «لام »: عُلْوَان ». ويقول لسان العرب أيضا: «عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنيناً وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إذا عَنْوَنْتَه، أَبدلوا من إِحدى النونات ياء، وسمي عُنْواناً لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ من ناحِيتيه ؛» وكذلك: «ويقال للرجل الذي يُعَرِّض ولا يُصرِّحُ: قد جعل كذا وكذا عُنْواناً لحاجته »؛ وكذلك: «وكلما استدللت بشيءٍ تُظهره على غيره فهو عُنوانٌ له «. إذن العنوان في اللغة العربية يقترن بالظهور وبالتعريض والتلميح وعدم التصريح وبالاستلال والإبراز. أي أنه يظهر فوق النص ويبرز بوصفه يشغل حيزا مستقلا عن النص ويرتبط بعدم المباشرة بالنسبة للنصوص الأدبية وهي محل كلامنا هنا. العنوان في الومضة ـ مقد م ة ن ظ ر ي ة ـ د . جم ا ل ا لج ز ي ر ي 40
  • 41. العنوان والنص: العنوان إذن جزء منفصل عن النص ولابد أن يكون النص مكتملا بدونه، فمثلا إذا كان هناك ضمير غير محدد في الومضة ولا يمكن فهمه إلا من خلال العنوان فلابد من التصريح بما/بمن يشير إليه الضمير داخل الومضة. يأتي العنوان منفصلا بمعنى أن العديد من الومضات إذا قرأناها بمعزل عن العنوان لا تكون مفهومة وتعتمد على العنوان في إنتاج معناها ومغزاها. ولابد أن يكون النص مكتملا في حد ذاته. فمثلا في ومضة لحسناء الرامي نُشِرَتْ على مجموعة سنا الومضة في بداية تأسيسها بعنوان «قناع « :» أزاله لرؤية وجهه الحقيقي؛ فتشظت المرآة ،» إذا لم نر العنوان سيؤدي ضمير الغائب المتصل بالفعل «أزاله » إلى الإبهام والغموض المستفحل وقد يؤدي إلى الشك فيما إذا كانت هذه ومضة تتناول موضوعا متسقا ومترابطا أم لا. وعليه، فليضع الكاتب العنوان الذي يراه مناسبا بشرط أن تكون الومضة مكتملة من داخلها وليست في حاجة إلى معين خارجي يساعدنا في فهمها. العنوان مؤشر على النص وليس مفتاحه. لابدل لنص أن يتسم بالنصوصية textuality ، أي أن تتوافر فيه كل السمات التي تجعله نصا دالا قادرا على الإيحاء بالمعنى من داخله وليس في حاجة إلى العنوان لكي يبني دلالته. وتناولنا هذه السمات في مقالة مستقلة مخصصة لمفهوم النص وكيف يكون الكلام المكتوب نصا مكتملا في حد ذاته. العنوان يُبرز سمة من سمات النص سواء أكانت هذه السمة تتعلق بالمضمون أم بالشكل أم بعلاقة النص بما هو خارجة من خلال التناص وما إلى ذلك. ولكنه لا يمكنه أن يكون بديلا عما هو داخل النص. ولا ننسَ أن النصوص قديما كانت بلا عنوان ومع ذلك كانت مكتملة. الشاعرة إميلي ديكنسون على سبيل المثال لم تضع عنوانا واحدا لأي قصيدة من قصائدها وقام الناشرون بوضع عناوين لهذه القصائد مستمدة عن السطر الأول من القصائد، وكذلك سونيتات شكسبير ليست لها عناوين ووضع الناشرون لها أرقاما بدلا من العناوين وقصائد شكسبير وديكنسون من أفضل القصائد في الشعر الإنجليزي وداخلها كل مقومات حياتها. لابد أن يكون العنوان متسقا مع النص، بمعنى أن العنوان وجهة نظر ننظر منها للنص ولابد أن تكون هذه الوجهة أو النظرة موجودة بالفعل كأحد احتمالات قراءة النص. ولذلك وجب على الكاتب أن يتحقق من أن النص مكتمل في حد ذاته بعيدا عن النص الذي كان في ذهنه ساعة الكتابة أو قبلها، بمعنى أن يتحرر النص من سلطة مكان وزمان كتابته ومن سلطة الكاتب بوصف ذهنه ووجدانه حيزا تدور فيه أحداث النص. وربما لهذا السبب تكلّم رولان بارت ونقاد كثيرون من بعده عن موت المؤلف، وهو من وجهة نظري موت رمزي لأنه سيساعد الكاتب على البعث الأدبي والحياة المتواصلة من خلال نصوصه المتكاملة التي لا تحتاج إلى وجوده شخصيا ليفسر لكل قارئ ما يقصده بهذا العنصر أو التعبير أو ذاك. 41
  • 42. وأرى أن الوظيفة الأساسية الوحيدة للعنوان هي التسمية، خاصة في النصوص القصيرة. فعندما يكون لكاتب ما عشرة نصوص طويلة يمكنه أن يختار لكل منها عنوانا مميزا يتسق مع موضوعها أو شكلها أو أي جانب من جوانب النص. أما بالنسبة للنصوص القصيرة، فيميل الكاتب لأن يعطي للنص عنوانا مختلفا عن عنوان النص الآخر، تمييزا له لا أكثر ولا أقل. فعندما تكون لدي 500 ومضة على سبيل المثال، لن يكون هناك مجال لتسمية كل نص اسما يتفق مع شكله أو مضمونه، فالهم الأساسي بالنسبة لي في هذه الحالة أن أميز النص القصير عن غيرة، خاصة وأن الكاتب قد يكتب تحت تأثير حالة معينة أكثر من نص يلتقط كل منها زاوية من زوايا هذه الحالة وبالتالي يجدر بنا – إذا اتبعنا الطريقة التقليدية في العنونة – أن نضع الاسم نفسه لكل النصوص المكتوبة تحت تأثير حالة واحدة. ولكن الكاتب في هذه الحالة يميز بين هذه النصوص بعنوان مختلف لكل منها حتى ولو كان العنوان عبارة عن كلمة مستمدة من النص، وقد يميز بينها بأن يضع نفس العنوان للنصوص التي تتناول زوايا مختلفة لتجربة واحدة ثم يضع رقما مختلفا بعد العنوان: قناع ) 19 ؛ قناع ) 2(؛ قناع ) 3(، الخ. ولا يمكن منطقيا أن أرجع إلى عشرات أو مئات النصوص القصيرة في كل مرة لكي أضع لكل نص عنوانا يليق به، فالذاكرة البشرية لها حدودها وطاقتها. وعند التصنيف في كتاب فقط يمكن للكاتب أن يجمع النصوص التي تنصاع لرؤية إخراجية معينة في كتاب، وبالتالي قد يغير عنوان نص وجد أن نصا آخر أخذه. العنوان في الغالب يتم وضعه بعد كتابة النص. والكاتب في الغالب لا يضع عنوانا ثم يقرر أن يكتب عنه. ففي الوضع الطبيعي تتم كتابة النص أو تسجيله على الهاتف أو خطوره ببال أو نفس أو مخيلة الكاتب. وعندما يتشكل النص في شكل نهائي يرضى عنه المبدع، يضع صاحبه له عنوانا. ولابد للعنوان إذا كان يصف النص ولا يقتصر على مجرد التسمية أن يتماشى مع ما هو موجود في النص بالفعل، لا مع ما هو موجود في ذهن الكاتب، فاللغة ذاتها بمخزونها الثقافي والاجتماعي والأدبي والنحوي والتركيبي وما إلى ذلك لها مفارقاتها الخاصة وحياتها الخاصة وعندما تجتمع جملة مع أخرى يمكن لإحداهما أن تغير من معنى ووضع الأخرى تماما. والكلمة ذاتها لها حياتها الخاصة وتاريخها الخاص ولكنها عندما تدخل في علاقة شراكة مع كلمات أخرى لابد أن تتولد علاقات بين الكلمات قد تضيف لمعنى الكلمة وقد تسلبها معناها وقد توجه التعبير أو التركيب نحو معنى مختلف تماما عما كان في ذهن الكاتب. وقس على ذلك توظيف جماليات الشكل الأدبي والتاريخ الأدبي والبيئة الاجتماعية التي يُكتب فيها النص. أنا شخصيا كتبت كتابا كاملا عن ثلاث قصائد من ديوان للشاعر المصري السمَّاح عبد الله الذي يتخذ عنوان «خديجة بنت الضحى الوسيع » وصدر في عام 1988 وقرأتُ هذه القصائد على ضوء أحداث ثورة يناير 2011 بمصر ووجدت في القصائد ما يساعدني على هذه القراءة. 42
  • 43. . ولا يمكننا أن ننسى دور القارئ في إنتاج/تأويل/إعادة صياغة النص وتحويل المنظور الذي يمكن النظر إلى النص من خلاله. وهناك تجارب تاريخية في النقد الأدبي تثبت تحرر النص من مؤلفه، كأن يعطي الأستاذ مثلا بعض القصائد لطلابه دون أن يذكر لهم اسم المؤلف أو الفترة الزمنية التي كتبت فيها القصيدة ويكتشف بعد ذلك أن كل طالب نظر للنص من منظور مختلف تماما بعيدا عن وجهة النظر التي قد يحددها العنوان أو عن ربط النص بالفترة الزمنية التي كتب فيها. بالنسبة لي شخصيا، كثيرا ما حدث معني أن يحدثني صديق مثلا عن نص لي ويقول لي: أنت تتناول هنا كذا وكذا. ولا أملك إلا الابتسام، لأن ما يقوله لي لم يخطر ببالي عندما كتبت هذا النص، وأبتسم لأن الكتابة لها منطقها الخاص واللغة أكبر من قائلها، وعندما أرجع لنصّي بوصفي قارئه وليس كاتبه أكتشف إمكانية ومنطقية قراءة صديقي بالرغم من أنها لم تخطر لي على بال – على الأقل على مستوى الوعي – عند الكتابة. ونرجع للعنوان، لا توجد مشكلة في أن يكون العنوان كلمة من النص ولي نصوص كثيرة جدا يكون عنوانها كلمة أو عبارة مأخوذة من النص ذاته. هناك فرق بين من يضع قواعد للنقد أو للأدب - والأدب ذاته يستعصي على القواعد وفي الغرب لا يطلقون عليها قواعد بل يطلقون عليها اسم «أعراف » قابلة للتغير بتغير الظروف والأحوال والمجتمعات والعصور والذائقة وما إلى ذلك، وحاول البنيويون أن يضعوا قواعد لما اسموه بعلم الأدب وفشلوا - وبين الأديب الذي يكتب نصا إبداعيا حقيقيا ويضع له عنوانا يتناسب معه. من واقع تجربتي الشخصية، لا أستطيع أحيانا أنا أضع العنوان المناسب للنص لأن العنوان الذي أريد وضعه وضعته لنص آخر لي من قبل مثلا. وبالتالي أختار عنوانا آخر. والعنوان من وجهة نظري يمثل منظورا أو إطلالة ننظر منها على النص وندخل إلى النص من خلال الزاوية التي يفتحها لنا هذا العنوان. وهنا لابد أن يكون ما يمثله العنوان حاضرا في النص، بمعنى أن النص لابد أن يكون مكتملا ومكتفيا بذاته وصالحا للبقاء والحياة في أذهان القراء بدون الحاجة للرجوع للعنوان، لأن الوظيفة الأساسية للعنوان هي التسمية، كما ذكرتُ أعلاه وكما نعرف هذه التسمية قد تجمع في ثناياها صفات المُسمَّى وقد تقتصر فقد على تمييز هذا النص عن نص آخر. وهناك نصوص عناوينها عبارة عن أرقام مثلا بالرغم من أنها لا تتناول موضوعا رياضيا على سبيل المثال. وهناك العناوين الوصفية التي تصف موضوع النص مثلا مثل غربة أو خيانة أو وحدة أو انتظار وما إلى ذلك أو تصف شكل النص كأن نقول «ومضة « ،» رباعية ،» «خماسية « ،» مناظر « ،» مشاهد « ،» قصة قصيرة « ،» مقطوعة ،» «شذرة « ،» مقطع »، على سبيل المثال. وهناك عناوين تكون بأسماء شخصية من الشخصيات الموجودة في القصة أو الرواية مثلا مثل «الزيني بركات » أو «سارة » أو «زينب والعرش .» 43
  • 44. وهناك عناوين تصف المكان مثل «بين القصرين « ،» السكرية » وما إلى ذلك العنوان من أصعب مراحل كتابة النصوص القصيرة جدا، خاصة إذا كان النص يحمل أكثر من دلالة. والعنوان بوجه ما يمثل وجهة نظر أو يفتح لنا زاوية يمكننا أن ننظر من خلالها للنص، ولكنه لا يستطيع أن يستوعب كل النص على أية حال. ولكل ذلك لا أرى مبررا لأقوال النقاد بأن العنوان جزء لا يتجزأ من النص. العنوان لابد أن يكون منفصلا ولابد أن يكون النص مكتملا بدونه. فالعنوان يُبرز فقط جانبا من جوانب النص دون أن يحتوي النص أو يستوعب ثراءه. وفي كل الأحوال. بعد هذه الفقرات التي تناولتُ فيها رؤيتي للعنوان بناء على منجزات الورشة النقدية التي تم عقدها لأكثر من شهرين متواصلين أسبوعيا على مجموعة سنا الومضة بعد تأسيسها بأسابيع قليلة وبناء على الدراسات التطبيقية التي تناولت العديد من الومضات للعديد من أعضاء سنا الومضة وتم نشر بعضها على سنا الومضة ذاتها ونشر معظمها في مجلة سنا الومضة الالكترونية، سأنتقل الآن إلى تناول العنوان من خلال بعض كتاباتي السابقة على تأسيس سنا الومضة ومن خلال كتاب عتبات النص أو محيطات النص لرائد الكتابة عن العنوان، ألا وهو الناقد الفرنسي جيرار جينيت. دراسات سابقة لي عن العنوان ذكرت في دراسة لي بعنوان «مشروعية دراسة عتبات النص: قراءة في روج أبيض لزاهر الغازيابي 1999( » ، وزاهر الغازيابي عضو الآن في سنا الومضة( تقسيم جيرار جينيت لما يطلق عليه «محيط النص paratexte » إلى «إطار النص péritexte » و »فلك النص « .épitexte » وإطار النص هو كل ما يؤطر النص مثل الإطار بالنسبة للصورة، أي الغلاف بكل ما يحتويه، وصفحة العنوان، والإهداء، والعناوين الداخلية والرسومات والتوضيحات، الخ. أما فلك النص فهو كل ما يدور في فلك النص وذو علاقة به قد تقوى أو تضعف مثل الدراسات النقدية وكل ما يتناول النص أو يقترب منه كالإعلانات والحوارات الصحفية والأعمال التي ترتبط بالعمل بشكل أو بآخر كعلاقة التناص التي يقيمها عمل آخر مع هذا العمل » )ص 126 (. وفكرة المحيط ذاتها تدل في الإنجليزية والفرنسية والعربية على أن العنوان مجاور للنص أو قريب منه، فالكلمة الإنجليزية والفرنسية paratext, paratexte تتكون من مقطعين: المقطع الأول عبارة عن سابقة أو مقطع سابق مشتق من اليونانية القديمة بمعنى «بجانب » أو «فيما وراء » أو «ملاصق لـ » والمقطع الأساسي كلمة بمعنى النص. أي أن محيط النص أو ما شاع باسم عتبات النص ليس جزءا من النص وإنما يقيم معه علاقة مكانية وفكرية ومعرفية تقترب أو تبتعد حسب نوع تلك العتبات أو العناصر المحيطة بالنص. 44
  • 45. فالعنوان مثلا أقرب هذه العناصر مكانيا للنص، ولكن المقالة النقدية التي تتناول موضوع النص مثلا أقرب معرفيا للنص من العنوان لأنها تسهب في تأويل الأفكار التي يطرحها النص. صورة الغلاف مثلا – وأستحضر هنا صورة غلاف مجموعتي «فتافيت الصورة » والمكون من صور وجوه وأشجار وورود تم تقطيعها ونثر أجزائها في صورة الغلاف – توصل الفكرة الفنية التي تكون وراء تقسيم المجموعة والمراوحة بين الومضات القصصية والأقاصيص – توصلها بطريقة سريعة وبالتالي تكون أقرب لتمثيل روح المجموعة ككل. وهذا الجانب البصري في الغلاف يدعمه بعد ذلك عنوان المجموعة – «فتافيت الصورة » – من خلال التأكيد اللغوي على الدلالات التي تم نقلها بصريا للقارئ حتى قبل أن ينظر إلى العنوان. وكلمة المحيط في اللغة العربية تدل على البيئة والوَسَط اللذين ينشأ فيهما الشخص/النص، ولا تخفى علينا دلالة تأثير هذه البيئة على الشخص/النص، ولكنها ليست دلالات حاسمة أو فيصلية، يمكن للشخص أن ينشأ في بيئة سلبية ولكنها يمتلك رؤية إيجابية لنفسه وللحياة. ويمكن لمقال نقدي ينتمي إلى فلك النص – الذي هو جزء من محيط النص – أن يصور النص تصويرا جذابا يغوي القارئ لأن يشتري الكتاب مثلا، ولكن ذلك القارئ قد يكتشف ذلك الخداع بمجرد أن يبدأ في قراءة النص وبالتالي ينظر هذا القارئ لمحيط النص نظرة سلبية نظرا للتضارب بين محيط النص والنص ذاته. ويمكن للناشر مثلا أن يلعب دورا – سلبيا أو إيجابيا – في تشكيل محيط النص، فعند نشر ديواني الأول على سبيل المثال، أرسلتُ الديوان للناشر بعنوان «لا تنتظر أحدا يا سيد قصيد » وكأنني أخاطب في العنوان شخصا اسمه «قصيد » تذكيرا للقصيدة المؤنثة. ولكن الناشر لم يستوعب العنوان وظن أن به خطأ لغويا أو أن الألف واللام سقطتا سهوا منّي وقام بإضافتهما – «لا تنتظر أحدا يا سيد القصيد » – بحيث جعل المخاطب «سيد القصيد » بمعنى الشخص الذي يمسك بذمام القصيدة، وهذا ليس مقصودا ولا يمكن لشاعر ينشر ديوانه الأول أن ينظر لنفسه على أنه سيد القصيد. وحدث أيضا أن قمتُ بترجمة كتاب إسرائيل شاحاك إلى العربية وعنوانه: «التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: وطأة ثلاث آلاف سنة » ولكن الناشر وجد أن ذلك العنوان لن يجذب زبائن كثيرين للكتاب، فنشره بعنوان: «اليهودية أيديولوجية قاتلة: التاريخ اليهودي وسطوة ثلاث آلاف سنة ». وحدث أيضا أنني كتب جزءا من مسودة دراسة لي عن فكرة الزمن في ديوان أحد الشعراء وحفظت الملف مبدئيا بعنوان «هوامش حول فكرة الزمن عند.... » وتناولت فيها أحد دواوين ذلك الشاعر ولم أوثق المراجع إلا جزئيا داخل النص على أساس أنني لم أستكمل الدراسة وسأقوم بإعداد قائمة كاملة بالمراجع وسأقوم أيضا باختيار عنوان مناسب للدراسة بعد الانتهاء منها وبعد تناول دواوين أخرى لنفس الشاعر، وأرسلتها لذلك الشاعر لأخبره بأنني بدأت بالفعل في كتابة دراسة عن دواوينه، وفوجئت بنشرها بنفس العنوان المبدئ الذي كان بغرض حفظ الملف وليس نهائيا. فهل في هذه الحالات الثلاث يمكننا أن نقول إن المؤلف قصد استعمال هذه العناوين وإنها تمثل النص خير تمثيل؟ 45
  • 46. ؟ أظن أن الإجابة بالنفي، وصار العنوان مجرد اسم للنص في جميع الحالات، وهو اسم ربما تضادَّ مع فكرة المؤلف من وراء العنوان كما في «لا تنتظر أحدا يا سيد القصيد » أو تم وضعه بغرض دعائي وترويجي كما في «اليهودية أيديولوجية قاتلة » أو تم تثبيته كعنوان بسبب التعجل في النشر كما في «هوامش على فكرة الزمن » الذي لا يمثل الدراسة خير تمثيل لأنه عنوان مبدئي وعام ولا يحدد طبيعة المقصود بالزمن في الدراسة. ذكرتُ في رسالتي للدكتوراه ) 2002 ( أن العنوان يشير إلى شيء غير ذاته، ولابد من وجود بعص الروابط التي تجعلنا نُنشئ علاقة بين النص والعنوان )ص 10 (. والعنوان يميز النص عن النصوص الأخرى ويُبرز سمة من سماته القارة فيه ويكون بمثابة فاصل أو رابط حدودي بين ما هو أدبي وما يقع خارج نطاق النص الأدبي )ص 10 - 11 (. ولا يمكنه أن يُثَبِّت كل جوانب الدلالة أو الإحالة أو المعنى في النص )ص 11 (، بمعنى أنه مجرد إطار للنص – مثل الإطار بالنسبة للصورة – والإطار لا يحدد دلالة النص ولا يفرض عليه شيئا، إلا بعد أن يتأمل المشاهد الصورة مثلا وبعدها ينتقل منها إلى الإطار والحائط المعلقة عليه وما إلى ذلك، وقد يؤدي هذا الانتقال إلى إحداث نوع من الربط بين النص البصري المنظور أو المقروء وبين ما يقع خارج هذا الإطار كما في العناوين التي تحيلينا – عن طريق التناص – إلى خارج النص. وقلتُ أيضا إنه بالرغم من أن العنوان مفروض على القارئ لأنه أول شيء يتلقاه عندما يبدأ في القراءة، لا يمنع ذلك القارئَ من أن يلعب دوار إيجابيا في الاستجابة للنص وتلقيه، ويحاول القارئ أن يتصوَّر العلاقة بين دلالة العنوان والنصِّ الذي لم يدخل فيه بعد. ولكنه مجرد تصوّر ومرحلة أولى من مراحل التأويل، فالقارئ لا «يستهلك » النص أو يتلقاه تلقيا سلبيا، فبناءً على ثقافة كل قارئ وخلفيته المعرفية والأعراف الأدبية التي يتبناها، يقدم كل منهم تأويلا خاصا للنص )ص 12 (. وذكرتُ في رسالة الدكتوراه أيضا أن فعل العنونة أو وضع عنوان للنص لا يُشترط أن يقوم به المؤلف، فربما يقتبس المؤلف كلاما مذكورا على لسان شخصية من الشخصيات داخل النص مثلا، وفي هذه الحالة لا يمكننا أن نقول إن العنوان يمثل وجهة نظر المؤلف، فهو هنا يمثل وجهة نظر شخصية من الشخصيات وقد يتبنى المؤلف وجهة النظر هذه وقد لا يتبناها، وهنا نجد أن العنوان يُبْرِزُ صوت هذه الشخصية أو تلك، ويتم استبعاد المؤلف الذي قرر طواعية الاختفاء من الصورة، وربما يسمح المؤلف لشخصية من الشخصيات بإبراز صوتها من خلال العنوان لهدف جمالي معين. باختصار، يقوم المؤلف بتفويض مهمة وضع العنوان لشخصية من الشخصيات لكي يُظْهِرَ لنا مثلا أهمية كلمات تلك الشخصية بالنسبة للقصة ككل أو لكي يسلط الضوء على وجهة نظر الشخصية )ص 13 (. وخلصت من تحليلي لما كُتب عن العنوان آنذاك إلى أن الوظيفة الوحيدة للعنوان التي يقوم بها كل العناوين على السواء هي وظيفة التسمية، بحيث يُعطي العنوان اسما للنص يميزه عن النصوص الأخرى. وحتى لو حملت بعض النصوص نفس العنوان، فاسم المؤلف هنا يميز هذا النص عن ذاك )ص 14 (. 46
  • 47. العنوان والتسمية أشرنا مرات كثيرة من قبل إلى أن وظيفة العنوان الأساسية هي التسمية - مثل الاسم بالنسبة للشخص - ولكن تختلف طبيعة التسمية في العنوان عن طبيعة تسمية الأشخاص، فتسمية الأشخاص تعتمد في الأساس على التمنّي من قِبل الوالدين أو من يقوم بتسمية الطفل، والتمني هنا يعني أن الوالدين أو من يقوم بدورهما يختار اسما يظنه ميمونا أو يحمل دلالة شخصية بالنسبة لمن اختار الاسم وقد يحمل دلالة دينية أو اجتماعية أو سياسية وما إلى ذلك من توجهات لدى واضع الاسم. أما العنوان بوصفه اسما للنص، فلابد أن يكون للنص من عنوانه/ اسمه نصيب، بمعنى أن يدل العنوان على النص دلالة جزئية أو كلية أو يشير إلى أحد جوانبه سواء أكان ذلك يتعلق بالشكل أو بالمضمون أو بعلاقة النص بنصوص أخرى وما إلى ذلك. والاتكاء على العنوان وجعله عنصرا تركيبيا لو استغنى عنه النص ضاعت فكرة نصوصيته أو كونه نصا من أخطر العيوب التي يقع فيها كتاب الومضة: تجد الكاتب مثلا يضع عنوانا - كأن يكون اسم شخصية أو لقبها على سبيل المثال - ويستخدم ضمائر داخل النص غير واضح المحال إليه فيها وينتظر من القارئ أن يفهمها على ضوء العنوان. من المفروض أن العنوان ينتمي إلى محيط النص وليس للنص ذاته، وبالتالي لابد أن يكون النص نصا أولا وأخيرا، بمعنى أن تتوافر فيه العناصر السياقية والحدثية والسردية التي تمكنه من الاعتماد على نفسه وتمكن القارئ من التعامل مع النص على أنه قائم بذاته وعلى أنه كيان متكامل لا يحتاج إلى غيره ليتسق تأويله. أسبقية النص على العنوان عملية العنونة عملية لاحقة على الإبداع، ولا يمكنها أن تسبق فعل الإبداع. ومن الناحية التاريخية، لم يأخذ العنوان اهتماما كثيرا من قبل المبدع في بداية الأمر لدرجة أن العديد من القصائد والملاحم التي كتبها الشعراء في العصور القديمة لم يكن لها عنوان وكانت تتم الإشارة إليها ببحرها الموسيقي مثلا أو قافيتها أو مقطع من أول بيت فيها وما إلى ذلك. ويحضرني هنا مثلان وهما قصائد وليم شكسبير وقصائد الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون التي عاشت في القرن التاسع عشر، وكنتُ قد أشرتُ إليهما من قبل في هذه الدراسة. فوليم شكسبير لم يضع عنوانا لأي قصيدة من سونتاته وقام النقاد والناشرون بعد ذلك بترقيم هذه القصائد وطبعها في كتاب ولكن القصائد مكتملة في حد ذاتها وتتبع المعمار الفني للسونيت. وإيميلي ديكنسون كتبت مئات القصائد ولم تنشر في حياتها إلا قصائد قليلة جدا ربما تُعد على أصابع اليد الواحدة. واهتم بها النقاد بعد وفاتها ونشروا كل قصائدها. ونظرا لأن ديكنسون لم تكن تضع عناوين لقصائدها، قام النقاد بوضع السطر الأول من كل قصيدة عنوانا لها، وكل قصائد إيميلي ديكنسون قصائد متكاملة ورائعة بعيدا عن العنوان. وكما أن العنوان معرّض للإضافة، هو معرّض للحذف أيضا ونرى ذلك في الأعمال التي كانت لها عناوين طويلة جدا - حيث أن أسلوب العنونة قديما، خاصة في الأعمال النثرية - كان يعتمد على اختيار عنوان طويل ربما يصل إلى عدة أسطر، ونلاحظ ذلك في الأعمال التراثية العربية وفي الأعمال الغربية التي تنتمي لما قبل القرن العشرين. 47
  • 48. وقام النقاد أو القراء أو الناشرون بعد ذلك باختصار هذه العناوين الطويلة حتى تناسب ذائقة العصر الحالي وتقوم بدور الإشارة الموجزة للنص من خلال عنوان مختصر. ونخلص من كل ذلك إلى أن الكاتب عليه أن يصيغ نصه أولا ويسعى لأن يكون هذا النص مكتمل العناصر التي تؤهله لأن يكون نصلا مستقلا وقابلا للحياة بعيدا عن عنوانه وعن كاتبه، أي أن يتحرر النص من سلطة العنوان وسلطة الكاتب في آن. وبعد ذلك تأتي المرحلة التالية المتمثلة في اختيار عنوان مناسب للنص. جيرار جينيت في الإنجليزية يستعمل رتشارد ماكسي – الذي كتب الكلمة الافتتاحية للترجمة الإنجليزية لكتاب جرار جينيت - مصطلح الوسيلة أو الأداة الحدية أو الحدودية liminal devices للإشارة إلى العنوان والإهداء والتمهيد والهوامش والعناوين الداخلية وتوقيع المؤلف وكل ما «يتوسَّط العلاقات الكائنة بين النص والقارئ » )ص 11 (. ويسميها في موضع آخر «العناصر المحيطة بالنص paratextual » elements )ص 12 ( ويصفها في موضع آخر بأنها «الأعراف/ التقاليد الأدبية والطباعية التي تتوسط بين عالم الطباعة وعالم النص » )ص 17 (. نستشف من ذلك أن العنوان يحيط بالنص أو يقع في محيطة ولا يمثل لبنة عضوية من لبنات بناء النص: إذا أزلنا العنوان، سيصير النص نصا يشتمل على كل عناصر بقائه ووجوده في قابل الأيام بعيدا عن سلطة العنوان وسلطة المؤلف وسلطة المكان والزمان. ويعزز ذلك وجود العنوان في المنطقة الحدودية أو الحادية التي تفصل بين النص وما هو خارجه تماما، فالعنوان بصريا – خاصة في العناوين الداخلية في الكتاب أو في عناوين النصوص القصيرة المفردة – أقرب شيء للنص. ومكانه هذا يجعل منه عتبة يلجها القارئ – بحكم موقع العنوان قبل النص – قبل أن يدخل للنص. وأتذكر هنا تعليق أحد أعضاء سنا الومضة على تعليق تناول كلمة يضعها منفصلة في بداية النص وقال إنها عتبة ثانية بعد العنوان الذي هو عتبة أولى من وجهة نظره. لو تبنَّيْنَا الاستعارة المعمارية التي تصوّر العنوان على أنه عتبة، سيكون منطقيا أن البناء له عتبة واحدة وإلا تعثر القارئ في كثرة العتبات. وأؤكد على أن وصف العنوان بالعتبة استعارة مكانية لا أكثر، فعندما تمت ترجمة كتاب جيرار جينيت إلى اللغة الإنجليزية تُرجم بـ P-Paratexts: Thresholds of Interpretation أي محيطات النص: عتبات التأويل. والترجمة الحرفية للمصطلح هي النصوص المحيطة، ولكن الترجمة الأقرب للمعنى هي محيطات النص ويمكننا في العربية أن نقتصر على صيغة المفرد بحيث نشير إلى كل ما يحيط بالنص من عناصر باسم محيط النص. وهو المعنى الذي يقصده جيرار جينيت ويؤكد عليه في متن الكتاب. وربما كان هذا هو السبب الذي دفعني للقول أهلاه بأن العنوان مجرد وجهة نظر يمكننا أن ننظر من خلالها إلى النص. 48
  • 49. . والمقصود بعتبات التأويل أن العنوان والإهداء والغلاف والتمهيد والدراسات حول النص وما إلى ذلك ما هي إلا وسائل مساعدة تساعدنا في تأويل النص وقد نستشف بعد قراءة النص ذاته أن الكاتب يستعمل العنوان استعمالا ساخرا أو يقوم على المفارقة. كما يمكننا أن نكتشف أن المقالة المكتوبة حول نص ما تقوم على المجاملة وتعطي النص ما لا يستحق وعندما نبحث داخل النص ذاته عما يقوله الناقد فيها لا نجد شيئا منه. ولذلك علينا أن نعتمد حتى في تأول النص على القرائن السياقية الموجودة داخله بالفعل. عتبات جيرار جينيت يقول جيرار جينيت في بداية كتابه «عتبات » الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية بعنوان «النصوص المحيطة/محيطات النص: عتبات التأويل » بأن «العمل الأدبي يتكوّن – كليًّا أو جوهريًّا – من نصٍّ يمكن تعريفه – في حدِّه الأدنى – بأنه سلسلة تطول أو تقصر من العبارات اللفظية التي لها دلالة بشكل أو آخر » )ص 1(. وهذا يعني أن النص هو مجموعة الجمل التي يتكوّن منها بعيدا عن العنوان. ولكن جينيت يسارع بقول إن النص نادرا ما يتم تقديمه هكذا دون أن تزيِّنه أو تدعِّمه أو تصاحبه مجموعة من الأشياء القولية الأخرى مثل اسم المؤلف والعنوان والتمهيد والرسوم التوضيحية. ويسمي هذه الأشياء حالات إخراجية productions ويضيف: «وبالرغم من أننا لا نعرف دائما ما إذا كانت هذه الحالات الإخراجية يمكن النظر إليها على أنها تنتمي للنص أم لا، فإنها تحيط بالنص على أية حال وتمدّه/تمطّه/توسّعه، وذلك بغرض أن تقدّمه بالمعنى المعتاد للفعل وكذلك بغرض أن تجعله حاضرا، لتضمن حضور النص في العالم وتضمن تلقِّيهِ واستهلاكه في شكل كتاب )على الأقل في عصرنا الحالي » )ص 1(. وتتفاوت هذه الحالات الإخراجية المصاحبة للنص في مداها وفي مظهرها وتشكّل «النص المحيط بالعمل » the work›s paratext )ص 1(. ويعرّف جينيت محيط النص بأنه «ما يُمَكّن النص من أن يصير كتابا ومن أن يتم تقديمه بهذه الصفة للقراء وللجمهور بوجه عام » )ص 1(. ويؤكد جينيت على أن النص المحيط ليس مجرد حدٍّ مغلَق، بل هو أقرب للعتبة التي تقدّم لنا فرصة للدخول إلى النص أو الرجوع والإحجام عن الدخول فيه. وهو بذلك «منطقة غير محدَّدَة » بين الداخل والخارج، منطقة لا يوجد لها حدٌّ على الجانب الداخلي )المتوجه نحو النص( أو على الجانب الخارجي )المتوجه نحو الخطاب الذي يدور في عالمنا حول النص(، وهو حافة، وهنا يستشهد جينيت بمقولة لفيليب لوجين: «حافة النص المطبوع التي تتحكم في الواقع في مجمل قراءتنا للنص .» 49
  • 50. ويصف جينيت هذه الحافة بأنها تنقل لنا تعليقا يخص المؤلف أو على الأقل يرتضيه المؤلف بشكل أو بآخر، وهذه الحافة تكوِّن منطقة بين النص وخارج النص off-text ، وهي منطقة لا تدل على الانتقال من النص إلى داخله فحسب بل وتدل أيضا على التعامل transaction مع هذا النص: أي أن هذه الحافة مكان متميز بوصفه مكانا للتداولية والاستراتيجية، أي كيف يتم تداول النص أو كيف يحدد المؤلف الغرض من النص وكذلك كيف يُعتبر النص المحيط خطة أو استراتيجية يضعها المؤلف لبيان طريقة تداول النص من وجهة نظره. وتعتبر هذه الحافة من وجهة نظر جينيت أيضا مكانا للتأثير على الجمهور، وهو تأثير – سواء أسأنا فهمه أم أحسنَّا فهمه – يبتغي التلقّي الأفضل للنص وقراءته قراءة أكثر ملاءمة للنص )أكثر ملاءمة بالطبع من وجهة نظر المؤلف وأعوانه(. ويؤكد جينيت على أن كتابه لم يقتصر على تناول هذا التأثير، فباقي الكتاب سيتناول وسائل ذلك التأثير وطرقه وآثاره )ص 1- 2(. ويضيف جينيت أن محيط النص يتكوّن عمليا من مجموعة غير متجانسة من الممارسات والخطابات التي لا حصر لها وتنتمي لكل العصور )ص 2(. ويضيف أيضا أن النص المحيط مقصود من جانب المؤلف ويتحمّل مسئوليته )ص 3(. وفي موضع آخر يصف جينيت النص المحيط بأنه عبارة عن رسائل محيطة بالنص ويلفت انتباهنا إلى أن هذه الرسائل ليست إلزامية أو ثابتة أو واجبة في كل النصوص، ففي بعض الفترات التاريخية لم يكن إلزاميا أن يتم وضع اسم المؤلف أو أن يتم وضع عنوان للنص )ص 3(. كما يلفت جينيت انتباهنا إلى أن طرق ووسائلَ محيطِ النص تتغير على الدوام بتغيُّر الفترة التاريخية والثقافة والنوع الأدبي والمؤلِّف والعمل والطبعة )ص 3(. وإذا كان جينيت قد قال ذلك عام 1987 في الطبعة الأولى من كتابه باللغة الفرنسية، فلا شك أن التغيرات التكنولوجية والرقمية والوسائطية التي طرأت على عصرنا بعد ذلك التاريخ ستفرض متطلباتها وآثارها على ما يحيط بالنص من رسائل وعناصر وعتبات. ويقسّم جينيت دراسة هذه العناصر إلى دراسة سماتها المكانية والزمانية الجوهرية والتداولية والوظيفية. ويقول بأن تعريف العنصر المحيط بالنص يتكون من تحديد موقعه وتاريخ ظهوره أو تاريخ اختفائه وطريقة أو صيغة وجوده وسمات موقف الاتصال الذي يوجد فيه ما بين مرسِل ومستقبل والوظائف التي تهدف رسالة هذا العنصر إلى تحقيقها )ص 4(. ويقسّم جينيت عناصر محيط النص حسب موقعها من موقع النص ذاته: حول النص وحسب ما إذا كان في نفس الكتاب أم توجد مسافة تُبْعِدُه عن الكتاب. ويوجد العنوان والتمهيد وعناوين الفصول الداخلية والهوامش داخل الكتاب ويطلق عليها جيرار جينيت إطار النص peritext . أما العناصر التي توجد خارج الكتاب فتشمل الحوارات مع الكاتب واليوميات والخطابات وما إلى ذلك، ويطلق عليها جيرار جينيت فَلَك النصّ peritext )ص 4- 5(. 50
  • 51. ويلاحظ جيرار جينيت أن عناصر محيط النص قد تختفي في أي وقت بسبب قرار يتخذه المؤلف أو بدون تدخل من المؤلف أو بسبب عوامل الزمن. ويدّلل على ذلك بالعناوين الطويلة التي كان الكتاب يضعونها لكتبهم قديم واختصرتها الأجيال اللاحقة في عناوين مختصرة وكذلك بالتمهيد الذي كان يُكتب للروايات مثلا وتم حذفه من الطبعات اللاحقة )ص 6(. ويلاحظ جينيت أن محيط النص في كل أشكاله عبارة عن خطاب يستند إلى غيره في الأساس وإضافي ومكرّس لخدمة شيء غيره وهو النص الذي يمثل السبب في وجوده بالأساس. وأيا كان التوظيف الجمالي أو الأيديولوجي الذي يوظّف به المؤلفُ عناصر محيط النص، يظل محيط النص تابعا للنص على الدوام ودوره الوظيفي هذا يحدد جوهرَ جاذبيتِه ووجودِه )ص 12 (. وظائف العنوان عند جيرار جينيت يعرض جينيت وظائف العنوان كما وصفها النقاد قبله وهي أن العنوان -1 يسمّي العمل؛ 2- يحدد موضوعه؛ 3- يغري الجمهور. ويذكر أن هذه الوظائف ليست إلزامية في كل العناوين باستثناء الوظيفة الأولى وهي وظيفة التسمية والتي يمكن أن تقتصر على رقم يميز العمل عن غيره من الأعمال. ويتحدث عن الكتب التي تشترك في نفس العنوان وفيها يظل العنوان غامضا، فعندما تذهب إلى مكتبة تبيع الكتب وتسأل البائع عن العنوان سيرد عليك بسؤال مستفسرا عن اسم المؤلف على سبيل المثال )ص 76 (. وبالنسبة لوظيفة تحديد الموضوع، تتفاوت هذه الوظيفة من التحديد المباشر للموضوع إلى التحديد الرمزي، الأمر الذي يفرض على القارئ واجبا تأويليا حتى يربط العنوان بالنص )ص 76 - 77 (. ويلاحظ جينيت أن هذه الوظائف الثلاث ليست وافية، فهناك عناوين قد لا تكشف عن مضمون الكتاب وتكتفي بالكشف عن شكله كأن يكون العنوان «قصائد » أو «قصص » على سبيل المثال، وبالتالي يذهب جينيت إلى وجوب إدخال وظيفة رابعة بعد الوظيفة الثانية أو دمجها بها بحيث تكون: 2- يحدد موضوع العمل أو شكله أو كليهما معا )ص 77 (. ومن هنا يقسّم جينيت العناوين إلى عناوين موضوعية أو فكرية thematic titles تشير إلى فكرة العمل وموضوعه وعناوين شكلية formal أو نوعية generic تشير إلى شكل العمل أو نوعه الأدبي )ص 78 (. ويرى جينيت أن العنوان «اسم » للكتاب ويعيّنه بأدق طريقة ممكنه بما يمنع اللبس. ويلفت النظر إلى أن فعل التسمية يتمثل في فعلين مختلفين. أولهما يتمثل في اختيار اسم للشخص أو تعميده ويتم ذلك بناء على شيء ما كأن يكون الاسم مفضلا أو يتم بناء على توافق أو وفقا لما جرت عليه العادة. ولكن بعد أن يقترن الاسم بالشخص سيستعمله الجميع كاسم يشير إلى الشخص بعيدا عن الدافع وراء اختياره، فهناك فرق بين التسمية بمعنى استعمال اسم والتسمية بمعنى التعميد وإعطاء اسم )ص 79 - 80 (.. 51
  • 52. (. ويسري نفس الشيء من وجهة نظر جينيت على عناوين الكتب. فعنوان الكتاب مجرد وسيلة لتمييزه عن الكتب الأخرى مثل رقم الإيداع أو رقم طلب الكتاب وفهرسته في مكتبة ما، والهدف منه هو التسمية والتعيين والتحديد لا أكثر وبذلك تكون التسمية أو التعيين هي أهم وظيفة للعنوان ولا يمكن الاستغناء عنها)ص 80 (. ويلاحظ جينيت أن العديد من عناوين الأعمال السيريالية تم اختيارها عشوائيا ومع ذلك تقوم بوظيفة التسمية والتعيين مثلها مثل أي عنوان تم اختياره بعناية فائقة، وللقارئ مطلق الحرية - إذا –أعانه خياله – في أن يجد لهذه العناوين العشوائية معنى )ص 81 (. مراج ع Elgezeery, Gamal Mohamed Abdel-Raouf Mohamed. Narrative Aspects in Roger PhD Diss. Ain .1987-1967 McGough’s Poetry Shams University, Faculty of Arts, English .2002 ,Department Genette, Gerard. Paratexts: Thresholds of Interpretation.» Trans. Jane E. Lewin. .1997 ,Cambridge: Cambridge University Press .2001 Digital printing Macksey, Richard. «Foreword». Gerard Genette. Paratexts: Thresholds of Interpretation.» Trans. Jane E. Lewin. Cambridge: Cambridge xi- .2001 Digital printing .1997 ,University Press .xxii جمال الجزيري. «مشروعية دراسة عتبات النص: قراءة في روج أبيض لزاهر الغازيابي ». المؤتمر الأدبي الأول لثقافة القاهرة. الأدب والمستقبل: كتاب الأبحاث. القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة )ثقافة القاهرة(، 1999 . 115 - 137 . ص 135 - 136 . جيرار جينيت. «العنوان: مكانه وزمانه، مرسِلُه ومستقبِلُه ». ترجمة جمال الجزيري. مجلة تواصل: نشرة أدبية غير دورية تصدرها ثقافة القاهرة. عدد فبراير 1999 . ص 36 - 45 . جيرار جينيت. «وظائف العنوان ». ترجمة جمال الجزيري. مجلة تواصل: نشرة أدبية غير دورية تصدرها ثقافة القاهرة. عدد يونيو 1999 . ص 39 - 50 . 52
  • 53. فلسفة الومضة د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر السرد ليس بدعة تبتدعها سنا الومضة. السرد فن راسخ في جميع ثقافات العالم. فقط يحتاج إلى موهبة أدبية أصيلة وقراءة أكبر عدد ممكن من النصوص السردية من مختلف الأنواع والثقافات. وأعني بالقراءة التوقف أمام أسلوب تعبير كل كاتب وكيف ينقل لنا الحدث الذي يسرده والطرق المختلفة لتصوير الشخصيات وكيف ينتقل من حركة سردية لأخرى. الاختلاف بين الأنواع السردية المختلفة اختلاف في الدرجة وليس النوع، كما أنه اختلاف في الرؤية الأدبية. التكثيف مطلوب في كل الأنواع السردية بما فيها الرواية، فلو استطردت في سرد حدث داخل الرواية سيؤدي ذلك إلى الإطناب والإسراف السردي، الأمر الذي سيؤدي بالقارئ إلى عدم إكمال الرواية والنظر إلى الكاتب على أنه لا يحسن استعمال قلمه. التكثيف في الومضة والقصة القصيرة جدا ينبع من رؤية الكاتب للحياة وقدرته على التأمل. هناك أشخاص يكتبون قصصا قصيرة رائعة، لكنهم عندما ينتقلون لكتابة قصة قصيرة جدا أو ومضة تجدهم ينسفون بمبادئهم الفنية وينحدروا إلى قوالب وأكليشهات. التكثيف في القصة الومضة والقصة القصيرة جدا له علاقة بشخصية الكاتب ونفسيته وطريقة تفكيره ومدى قدرته على التأمل وإبصار ما لم يبصر به الآخرون، وقدرته على النفاذ في روح الحدث والظواهر القابلة للسرد من حوله سواء أكانت توجد بشكل مادي أمام عينيه أم بشكل معنوي في ذاكرته وعقله وروحه هو شخصيا. باختصار، إذا كان التكثيف ضروريا في جميع أنواع التعبير الأدبي القولي، فهو أشد ضرورة في الومضة لأنه يتعلق هنا برؤية الكاتب للحياة والعالم من حوله وقدرته على التأمل والتعمق في روح الأشياء والأشخاص والكون، وبذلك يكون تكثيف الكاتب لومضته تكثيفا لغويا ورؤيويا ومنظوريا وحدثيا. لو أردنا أن نحدد بعض السمات للقصة الومضة، ربما نجد أن سمتين أساسيتين يكمنان ورائها: الصراع والاندماج في روح الكون، وهما سمتان قد تبدوان متعارضتان، ولكن كل منهما تستطيع أن تكمن في خلفية ومضة لتجعلها رائعة. الومضة قد تدل على لحظة توتر وصراع محتدم، وحتى إذا لم يظهر هذا الصراع على سطح النص، سيكون بمثابة الروح التي تعطيه هويته وتكمن خلفه بحيث يُظهر لنا النص لحظة الصراع في صفائها بحيث نرى نتيجة الصراع أمامنا ونستشف من سمات الشخصيات وأفعالها وأقوالها مدى عمقها النفسي ومدى أهليتها لهذا الصراع أما الوجه الآخر للومضة، فيتعلق بالتناغم بين الراوي/الشخصية والكون، وهذا نقيض الصراع الوارد أعلاه. 53
  • 54. . وأقصد بالتناغم هنا أن الشخصية لديها القدرة على التأمل الذي يمكّنها من أن تتوغل في روح الكون وتبصر معنى كان غائبا عنها يتعلق بوجودها ومدى متانة أو ضعف الروابط التي تربطها بمفردات الكون وخالق الكون من حولها، بحيث تقدم لنا الومضة روح حدث يتعلق بلحظة وجودية من حياة الشخصين وسط الشبكة التي تربطها بالكون والعالم والحياة. ربما يقودنا ذلك إلى الربط من جديد بين طبيعة الكاتب ومدى قدرته على كتابة الومضة أم لا. أظن أن شخصية كاتب الومضة شخصية قلقة، حساسة، شكَّاكة، لا تقبل الأشياء ولا الظواهر ولا الأحداث على علاتها، وإنما تسائلها وتستجوبها وتستجوب ذاتها وتستجوب اللغة المستعملة في السرد أساسا. كما أنها شخصية عصرية بكل معاني الكلمة - ولا أريد أن أستعمل حداثية أو ما بعد حداثية - فالعصرية هنا تجعل الكاتب يتساءل حول مدى ملاءمة لغة السرد المعتادة لنقل الحدث وسرده بطريقة تناسبه أم لا وتناسب القارئ المعاصر الذي تضاعفت مشاغله في السنوات الأخيرة بوصفه قارئا وبوصفه إنسانا يسعى لتوفير لقمة عيشه وبوصفه موظفا في شبكة إدارية بيروقراطية طاحنة. ويعيدنا ذلك إلى التوتر بين الكاتب الوامض ومجتمعه على المستويات الاجتماعية والثقافية والأدبية والاقتصادية والإدارية والسياسية والدينية وما إلى ذلك. وهو توتر نابع في الغالب عن إدراك الأديب المتسائل والشكاك لفقدان الروح في الأشياء والعلاقات حوله. ومن هنا يسعى في ومضاته لاستعادة هذه الروح وبث الحياة في كل مظهر من مظاهر الكون - وفي نفسه بوصفه عنصرا من عناصر الكون بأثره - حتى يتخلص من التوتر الذي يكاد يؤدي بحياته وحياة المجتمع من حوله. باختصار، الومضة لحظة قلق، لحظة وجود فاعل، لحظة تساؤل، لحظة تأمل، لحظة كشف غطاء بالمعنى القرآني حتى ولو كان كشفا مؤقتا، وأظن أن مفهوم الومضة والوميض يوحي بأنه مؤقت، لأن الضوء الخاطف الذي يبرق في روح الكاتب لا يستمر سوى للحظات، وهو نور يُخرجه من الغيبوبة الإنسانية والثقافية والسردية والاجتماعية بكل ما يشمله المجتمع من ظواهر تستلزم وجوده. وينقلنا ذلك إلى الخروج من النمطية والتقليد اللذين نراهما لدى العديد من كتاب الومضة، إذ نجد هذا الكاتب يعجبه نص لفلان أو علان فيعيد التعبير عنه بمفردات مختلفة. يقول الله سبحانه وتعالى: «ولو شاء ربُّكَ لجعل الناس أمة واحدة »، ويقول أيضا: «جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ». أي أن الاختلاف سنة الكون وحكمة إلهية. 54
  • 55. ويمكننا أن نربط هذا الاختلاف في سياق الومضة هنا بأكثر من طريقة: أولا: تقتضي الومضة نظرا لطبيعة التساؤل والاستجواب التي تحدثنا عنها أعلاه أن يكون الكتّاب متميزين عن بعضهم البعض بحيث يقدم كل منهم رؤية متميزة ومميزة له حتى لو تقاطعت مع رؤية هذا أو ذاك. يمكنني أن أقرأ نصا وأتأثر به. لكن ما طبيعة هذا التأثر. التأثر الفني يعني من وجهة نظري أن فلانا لفت نظري إلى حدث معين أو إلى زاوية معينة لرؤية هذا الحدث. الفنان الأصيل لا يستنسخ غيره. بل يمكنه هنا أن يبصر زاوية أفضل لرصد هذا الحدث أو ذاك، ومن هنا يعمل على بلورة رصده من هذه الزاوية المختلفة التي غابت عن الكاتب الذي أثّر فيه. ثانيا: من توابع الاختلاف أو مستلزماته عند الانحصار في الرؤية الأخلاقية الضيقة وما قد ينتج عنها من عنصرية وتمييز وما إلى ذلك. والاختلاف يتضمن أيضا التطور التاريخي. فمفهوم الأدب في الثقافة العربية أصله غير أدبي بالمرة. فالعرب كانوا يطلقون على النوع الأدبي الوحيد لديهم اسم الشعر، وكانت كلمة أدب تحيا في الثقافة العربية التي كان يهيمن عليها الشعر بوصفها تدل على التهذيب الأخلاقي والتأدب والتأديب. فلقد كان الأدب مفهوما يدل على مجموع الأخلاق والمهارات والمعارف اللازمة لأن يكون الأمير مثلا صالحا للحكم بعد أبيه أو قادرا على مشاركة إخوته أمور الحكم. ومن الملاحظ أن الأدب بهذا المفهوم كان يقتصر على طبقة اجتماعية معينة قادرة على «استئجار » العلماء الذي يزودون أبناءهم بهذا الأدب. أما الأدب بمعناه العام آنذاك أيضا فكان يعني أن يكون الشخص صالحا ومهذبا وقادرا على استيعاب رؤية الجماعة أو القبيلة أو المجتمع، وكان عبارة عن نوع من التنشئة الاجتماعية. لكن مع قدوم العصر الحديث الذي قدِّره البعض بالنصف الثاني من القرن الثامن عشر قبل مجيء الحملة الفرنسية أو الاحتلال الفرنسي لمصر، فبدأت تظهر أنواع أدبية أخرى على الساحة وإن كانت على استحياء، لنجد المسرح والرواية يظهران في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في بعض البلدان العربية وخاصة مصر والشام. وبداية من ذلك الوقت، بدأ مفهوم الأدب ينقسم إلى مفهومين مختلفين تماما: الأدب بمعنى التهذيب والتنشئة واكتساب المعارف الضرورية في مجال معين، والأدب بالمعنى النوعي – الخاص بالأنواع الأدبية – إذ لم يعد الشعر هو النوع الأدبي الوحيد، وظهر له منافسون. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تأصيل مفهوم النوع الأدبي. وصار الأدب بالمفهوم النوعي يدل على الأنواع أو الأجناس الأدبية الرئيسية – السرد والشعر والمسرح – وما يتفرع عنها من أنواع فرعية داخل كل نوع. ويمكننا أن نربط هذا المفهوم النوعي بالاختلاف بين البشر بوجه عام الذي سنه الله سبحانه وتعالى كقانون ينتظم فيه الكون بأسره. 55
  • 56. . النظرة الأخلاقية الضيقة التي تقوم بتصنيف البشر إلى أنواع وقوالب وفئات ليس بغرض التكامل فيما بينها وإنما بغرض التمايز العرقي والديني والاجتماعي والقَبَلي وجنسي وما إلى ذلك – هذه النظرة تتنافي مع مفهوم الاختلاف الناتج عن التنوع والاختلاف الناتج عن التطور التاريخي. ولذلك لا يمكن اعتبار الومضات التي تتبنى هذه النظرة التصنيفية العنصرية أدبا، فما بالك بكونها ومضة بالأساس. فالاختلاف كما سنه الله سبحانه وتعالى يهدف إلى التعارف بين المختلفين وليس لأن يقيم كل شخص أو جماعة حول نفسه/نفسها سياجا يعزله/يعزلها عن الآخرين ويجعله/يجعلها تنظر نظرة تكفير أو إدانة أو عنصرية إليهم. ثالثا: الاختلاف يعني اختلاف ما أسماه أستاذنا شكري عياد رحمه الله «الإيقاع النفسي » من أديب لآخر. فلكل منا حساسيته وتركيبته النفسية والذهنية والوجدانية والاجتماعية والفكرية والثقافية والرؤيوية وما إلى ذلك. ولذلك لابد لكل منا أن يسعى لأن يترك بصمته الخاصة على الومضة هنا، بحيث إذا قرأت ومضة ما أستطيع أن أعرف من خلال قراءتها المتأنية أنها لفلان لأنها تتميز بكذا وكذا. وأظن أن هذا هو المعنى المقصود بحرية الإبداع: أن يستطيع الكاتب أن يعبر عن حريته وعدم خضوعه أو تقليده لفلان أو علان، أن يستطيع أن يصنع أسلوبه الخاص به الذي يميزه عن الآخرين فنيا ورؤيويا وتركيبيا وأسلوبيا ولغويا. لا يعقل أن تكون آلاف الومضات لعشرات وربما لمئات الكتاب مكونة من فعل ورد فعل. لا يعقل أن تكون الفاصلة المنقوطة عنصرا مقدسا من الومضة عند عشرات بل ومئات الكتاب. لا يعقل أن نقرأ عشرات ومئات الومضات مكونة من التركيب «فلان الذي فعل كذا حدث له كذا ». هذه قوالب، وروح الفن بوجه عام والوميض بوجه خاص تستعصي على القوالب الجامدة لأن هذه القوالب تزهق روح النص وروح كاتبه الإبداعية على السواء. رابعا: الاختلاف يسري على اللغة أيضا. فمفردات اللغة عبارة عن كائنات حية تعيش وتزدهر وتموت. والألفاظ التي تموت لا يمكن إحياؤها إلا بطريقتين: طريقة مؤقتة تتعلق باستعمالها على سبيل التناص المعاصر مع الثقافة التي كانت هذه الألفاظ حية فيها بحيث يُنشئ الكاتب علاقة بين نصه وثقافة تلك الألفاظ حتى ولو بغرض هدم تلك الثقافة أو السخرية منها أو نسفها أو توظيفها في المفارقة أو وضعها تحت ضوء مقارن وما إلى ذلك من أغراض التناص. أما الطريقة الثانية فتتمثل في استحضار تلك الألفاظ بغرض وضعها في سياقات جديدة تكون بمثابة تربة جديدة لها تقوم بتغذيتها وبث الحياة فيها من جديد. ولذلك لابد أن تكون لغة الومضة لغة معاصرة تستعمل الألفاظ التي مازالت حية في اللغة العربية وتطعيمها أحيانا بالمعاني التي اكتسبتها هذه الألفاظ في اللهجات العامية بشرط أن تكون هذه المعاني العامية معروفة لجمهور العربية بوجه عام وإلا وجب وضع هامش يوضحها على أن يكون موضعها في الجملة قادرا على الإيحاء بالمعنى المراد حتى مع عدم وجود هامش. 56
  • 57. واللغة ليست مفردات فحسب، وإنما هي تراكيب وأسلوب وطريقة خاصة في استعمال الألفاظ وتوليفها مع بعضها وصبّها في رؤية نصية إجمالية تجعلنا ننظر إلى براعة الاستعمال اللفظة وبراعة التركيب وبراعة الروح العامة التي تجمع كل ذلك في نص متميز. ولا نقصد بذلك أن يراعي الكاتب الجمال الشكلي والزخرفة اللفظية والمحسنات التعبيرية وما إلى ذلك. فالقبح له جماله داخل النص عندما يكون هذا القبح هو محور النص. فكما أننا نستحسن الحزن الشجي في نص ما في حين أن الحزن تجربة مؤلمة في حياتنا العادية، يمكننا أن نستحسن القبح اللفظي والتعبيري إذا كان هو الطريقة الأمثل للتعبير عن التجربة التي يسردها النص في الومضة. وأظن أننا هنا ينبغي علينا أن نتبنى هذا المفهوم الجديد نسبيا للبلاغة الحديثة. فالبلاغة تتمثل من وجهة نظري في أن كل نص نستعمل فيه اللغة التي تناسبه حسب مقتضيات التجربة وحسب علاقة هذا النص بالنصوص الأخرى ومدى مساءلته لها أو انسجامه معها ومدى مناسبة اللغة والأسلوب بوجه عام للعصر الحديث الذي نعيش فيه، وأقصد بالحداثة هنا المعاصرة بكل ما تتضمنه من معانٍ وحساسيات ورؤى وتذوق فني وتعبيري. كما أن أسلوب التعبير الأمثل يقتضي أن تأخذ كل ومضة الجرعة اللغوية التي تناسبها: فإذا أخذت جرعة لغوية زائدة أخرجتها من إطار الومضة. وإذا أخذت جرعة لغوية ناقصة أفقدتها جمالها وقدرتها التعبيرية وأخرجتها إلى إطار الأقوال الصوفية أو التعبيرات السيريالية أو الأشكال غير الأدبية غير مكتملة السياق. ويمكننا أن نختم هذه المقالة بتناول بعض المفاهيم الخاطئة في أذهان كتّاب الومضة. العنوان عنوان الومضة: يخطئ الكثيرون من النقاد والكتاب في فهم معنى عتبات النص التي تحدث عنها جيرار جينيت. كتاب جيرار جينيت الذي يتناول هذه العتبات يتناولها على أنها عناصر تنتمي لمحيط النص، والمقصود بمحيط النص كل ما يحيط بالنص ولا ينتمي إليه عضويا كالعنوان والإهداء والعناوين الداخلية والغلاف واسم المؤلف والإشارة النوعية ما إلى ذلك من عناصر محيطة بالنص. وعندما تمت ترجمة كتاب جينيت إلى الإنجليزية تُرجم بعنوان «محيط النص ». فمفهوم النص يدل على نص الومضة أو القصة أو... بعيدا عن عنوانها. 57
  • 58. الدهشة المغالطة الثانية تتعلق بعنصر الدهشة الذي يتكلم عنه كل من هبّ ودبّ ونام سنينا ليصحو وعلى لسانه الدهشة. أي إبداع أصيل متفرد مدهش بطبعة، وإن كانت الدهشة في الومضة القصصية أو الشعرية أو قصيدة الهايكو أكثر استحواذا على ذهن المتلقي ووجدانه نظرا لقصر نصوص هذه الأنواع، وهو قصر يتيح للقارئ أن يستوعب النص في لحظة أو عدة ثوان، دون أن يحتاج هذا القارئ إلى تشكّل الدهشة بالتدريج أثناء قراءة النصوص الطويلة. والدهشة في الومضة دهشة إجمالية ناتجة عن الأثر الكلي للنص وتنبع من تميز الزاوية التي التقط منها الكاتب اللحظة السردية وتميزه في التعبير عن هذه اللحظة، أي أن الدهشة نابعة من الإدهاش الذي يمارسه علينا المبدع بتميزه وتفرده وبراعته في السرد وفي جعل عناصر النص متكاتفة مع بعضها البعض. وهناك فرق بين الإدهاش والدهشة: الإدهاش فعل، عمل، التقاط، صياغة، تعبير، وصاحبه الكاتب المبدع. والدهشة أثر يتم على القارئ ينتقل من الإدهاش الخاص بالكاتب فيترسب في ذائقة القارئ ووجدانه. باختصار، الدهشة ليست عنصرا سرديا كان يقوم الكاتب مثلا بإيراد أجزاء سردية غير متوقعة أو غير مبنية على ما قبلها، بل هي عنصر خاص بتلقي النص بعد كتابته. فإذا كان الكاتب يحسن الإدهاش فلابد أن تكون محصِّلة ذلك عند القارئ هي الدهشة. المفارقة وننتقل الآن إلى مغالطة أخرى وهي من أكثر المغالطات شيوعا وانتشارا، ألا وهي مغالطة المفارقة المُفْتَرَى عليها. وسأتناول المفارقة وتعريفها وأنواعها في مقالة مستقلة، وسأكتفي هنا ببعض الملاحظات. تنقسم المفارقة إلى عدة أنواع: 1- مفارقة خاصة بالحدث ويطلق عليها مفارقة الموقف، أي أن نتيجة الحدث أو الفعل لا تترتب على مقدماته. وهذه المفارقة التي يستسهلها معظم كتّاب الومضة ويرون أنها عنصر أساسي فيها من أخطر أنواع المفارقات لأنها قد تُدخل الحدث في إطار الصدفة والحظ وعدم منطقية الحدث ذاته، ولابد أن تكون نابعة من الموقف القصصي وشبه حتمية بحيث تستلزمها طبعة الحدث ومجراه ولا يتم فرضها بالقوة على الحدث المسرود في الومضة 2- المفارقة اللفظية، وتتعلق باستعمال لفظ في غير محله استعمالا متعمدا من قِبل الكاتب بغية زيادة الطاقة التعبيرية للفظ في السياق الجديد ولابد أن يكون لهذه المفارقة مبرر ويتم توظيفها بشكل بارع ولابد أن تكون هناك علاقة ما بين اللفظ والسياق الجديد تستدعي استعماله في هذا السياق. 3- المفارقة القولية، وتتعلق بالقول أو الجملة ككل وليست بلفظ واحد إلا إذا كان هذا اللفظ جملة أو يحل محل جملة كاملة. وتعني هذه المفارقة أن القول أو الجملة لا يقصد بها المعنى المباشر لها أو له وإنما عكسه تماما أو معنى آخر غير وارد في القول أو الجملة. ولابد هنا أن يكون المخاطب بالقول على وعي به ويربطه بالسياق الوارد فيه ليستشف من خلاله المعنى المراد. 5858
  • 59. - مفارقة التلقي وتعني أن السؤال أو الكلام الموجه لشخصية ما داخل النص يحمل معنى مباشرا لا سبيل إلى تأويله تأويلا مضادا وإنما لا يستطيع المخاطب أن يفهم معناه ويفهمه على وجه آخر لقصور فيه ربما، ولهذا تم ربط هذه المفارقة بالتلقي. -5 مفارقة الخطاب وتشمل النص ككل بحيث لا يكون النص كله مقصودا لذاته وإنما لخلق عالم آخر موازي من خلال توظيف رمزية اللغة والحدث طوال النص. وفي كل الأحوال لابد أن يلتزم النص بالإطار النوعي المكتوب من خلاله. 6- المفارقة المنظورية وتعني أن المنظور المسرودة منه الومضة يبدو في ظاهره على أنه نوع معين في حين أن التحليل المتأني للومضة يظهر لنا أنه ينتمي لنوع آخر نظرا لاستحالة أن ينتمي هذا المنظور للنوع الأول وفقا لمعطيات حدث الومضة ووفقا للزاوية التي يرصد منها الراوي هذا الحدث. 7- المفارقة المسرحية، وهي مفارقة تم التنظير لها في النقد المسرحي لأول مرة ولكنها موجودة في الأنواع الأدبية الأخرى. وتعني أن الشخصية في النص تقول كلاما لا تفهمه الشخصية الأخرى لأنه يشير إلى حدث سابق لم تكن هذه الشخصية الأخرى مشاركة فيه ولكن المشاهد أو القارئ يدرك دلالة كلام الشخصية الأولى لأنه متابع لأحداث المسرحية أو أحداث النص السردي الطويل نسبيا منذ بدايته. 8- المفارقة السقراطية، نسبة إلى سقراط لأنه كان يستعملها كثيرا، وتعني تظاهر الشخص بالجهل وتوجيه سؤال لشخص هو يعرف إجابته مسبقا بغية إخراج ما في ذهن من أمامه بحيث يتم تفنيد المغالطات التي في ذهنه مثلا أو لأي غرض آخر يقتضيه الحدث والعلاقات بين الشخصيات. كل هذه الأنواع من المفارقة لابد من توظيفها جيدا في النص، وهي لا تخص الومضة والقصة القصيرة جدا فحسب، وإنما يمكنها أن توجد في جميع النصوص. كما أنها ليست سمة أساسية في الومضة، وإن كان الكتاب البارعون يستطيعون استثمار إمكاناتها تعبيرا لزيادة الطاقة التعبيرية لنص الومضة. وإذا استعملها الكاتب لابد أن يقوم بتوظيفها جيدا وأن يخلق السياق المناسب لفهمها واستيعابها بحيث لا تكون عبئا على النص وعلى القارئ معا. 59
  • 60. مفهوم النص الأدبي والومضة القصصية د.جمال الجزيري ـ جامعة السويس ـ مصر حدد علم لغويات النص للنص سمات لابد من توافرها فيه حتى يصير نصا مكتملا وقابلا للبقاء والتداول بين القراء. وسأتناول هذه السمات هنا بالتركيز على النص الأدبي السردي بوجه عام ونص الومضة بوجه خاص. وسأذكر أولا هذه السمات بالتفصيل والشرح ثم أختم هذه المقالة ببعض الملاحظات الخاصة بالومضة القصصية. وهذه السمات سبع سمات، كما يلي: -1 الترابط الترابط يخص الفكرة ويتعلق بالسؤال التالي: هل تترابط الأفكار ببعضها البعض داخل النص؟ ويتعلق الترابط بتسلسل المفاهيم والأفكار والعلاقات الكائنة بينها في عالم النص الذي يكمن خلف السطح اللغوي المتمثل في التماسك المذكور في السمة الثانية أدناه. ويمكننا أن أنه نصفه بتوافق النص مع الموقف الذي يعبر عنه. والمثال التقليدي في ذلك: شربتُ فنجان قهوة. فتحتُ عينيّ واستيقظتُ، ثم نهضت من السرير. هذا المثال سليم لغويا ولكنه غير مترابط لأن الموقف يقتضي أن يستيقظ المرء أولا وقد يشرب القهوة بعدا، ولكن شرب القهوة أثناء النوم مستحيل ولذلك انتفى عن ذلك النص الترابط. باختصار يتعلق ترابط النص بترابط الأفكار أو الجوانب المتعلقة بالفكرة والموضوع بحيث تكون الفكرة منطقية على مستوى المنطق العادي أو المنطق التخييلي. فالنص السيريالي والصوفي والعبثي وما إلى ذلك نصوص لها منطقها الخاص وتنم عن رؤية معينة للعالم، والفكرة الواردة فيه تتسق مع رؤية العالم التي يقوم عليها هذا النص وتتسق مع مكوناتها الداخلية حتى لو تباينت تباينا تاما مع رؤيتنا للعالم أو منطق الحدث في عالمنا الواقعي. المنطق في النص الأدبي منطق تخييلي بحت. ولذلك على الأديب أن يكتب لنا نصا توجد به مقومات وجوده من حيث الاكتمال والترابط الداخلي. -2 التماسك اللغوي يُقصد بالتماسك اللغوي الأدوات اللغوية التي تربط بين عناصر النص ووحداته اللغوية بما لا يدع مجالا للبس أو الغموض المعتم )فالغموض قد يكون مرتبطة بتعدد مستويات المعنى في النص أو بالرمزية أو بإدخال مفردات اللغة في سياق جديدة(. والتماسك هنا يجيب على السؤال التالي: كيف تتماسك أو تلتحم العبارات والجمل ببعضها البعض؟ ويتعلق بمستوى المفردات والتركيب النحوية واللغوية في النص وهل هناك عوامل وروابط تجعلها متماسكة لغويا وغير مفككة. ويشمل ذلك على سبيل المثال أدوات العطف والربط وعلامات الترقيم. فإذا استعمل الكاتب علامة ترقيم في غير محلها وبحث القارئ عن دلالتها في النص وللم يجدها، سيفقد النص صفة من صفاته وبذلك قد لا يمكننا أن نطلق عليه صفة النصيّة. 60
  • 61. -3 الإخبار/الإبلاغ يتعلق الإبلاغ أو الإخبار في لغويات النص بالإجابة على السؤال التالي: بِمَ يخبرنا النصُّ؟ وكيف يتم بناء المعلومة وصياغتها في النص؟ ولابد الا تكون المعلومات التي يحتوي عليها النص قابلة للتكهن بها كلية وإلا صار النص غير مفيد ولا يحمل معلومات جديدة وبالتالي انتفت عنه صفة الإخبارية. فطالما أن القارئ يعرف المعلومات كلها مسبقا، فلن يضيف له النص شيئا جديدا وبذلك لن يجذبه ولن يكون نصا مفيدا بالنسبة له. أي أن المقصود بالإخبار أن يقوم النص بإخباري بشيء جديد أو تزويدي بمعلومة جديدة. هذا بالنسبة للنصوص غير الأدبية التي تهدف إلى تقديم معلومات للقارئ بالأساس. أما بالنسبة للنص الأدبي فلابد أن يقدم للقارئ تجربة جديدة أو على الأقل رؤية جديدة لتجربة معروفة. لذلك لا يُعقل أن تكون عشرات النصوص المرسلة للنشر عن تضحية الأم أو البخيل أو الداعرة أو الفقير أو ... بدون اختلاف في الرؤية أو التصوير أو التقاط زوايا مختلفة لنفس التجربة. -4 القصدية النص عبارة عن فعل من أفعال التواصل «يقصد » المرسل/الكاتب من ورائه أن يكون نصا ينتمي إلى مجال معين كالومضة مثلا ويريد ان يوصل من خلاله رسالة ما، أي أن القصدية في الأساس مسألة هوية نوعية تتعلق بانتماء النص المكتوب إلى نوع معين. وهي مفهوم مراوغ لأنه يرتبط في الغالب بالنسبة للسياق السردي هنا بقصدية كتابة ومضة أو قصة قصيرة جدا أو قصة قصيرة أو رواية. وتنبع المراوغة من أن التصنيف النوعي يأتي لاحقا على الكتابة والإبداع. فهناك الآلاف من النصوص السردية التي يمكن الآن تصنيفها إلى ومضة قصصية ومضة أو قصة قصيرة جدا كانت منشورة في مجموعات قصصية قبل ظهور مفهومي القصة الومضة أو القصة القصيرة جدا نقديا. بالنسبي لي ككاتب، كنت أنشر كل قصصي بمختلف أنواعها تحت العتبة أو الإشارة النوعية «مجموعة قصصية » أو «قصص » سواء ارتبطت بها الصفة «قصيرة » أم لا. وربما كانت هذه التسمية تنبع من رغبة الكاتب في تأكيد أن ما هو منشور داخل تلك المجموعات يمثل مفهومه للقصة دون أن يضع في حسبانه مسألة التصنيف النوعي. ويحدث هذا كثيرا في الفترات الانتقالية بين هيمنة/كمون نوع وظهور نوع آخر، وعلى النقاد أن يتكفلوا بالتمييز النقدي بين الأنواع الناشئة والراسخة لاحقا بحيث يستقرئون من تحليل عدد وفير من النصوص التي تنتمي لنوع معين السمات القارة أو الراسخة أو المميِّزَة في كل نوع والسمات المشتركة بين الأنواع المختلفة. لكن في كل الحالات، الكاتب يقصد أن يقدم هذا النص على أنه نص قصصي أو سردي، أما مسألة التصنيف فتأتي لاحقا. ولابد أن أنوه هنا إلى أنه في حالة رسوخ نوع معين إبداعيا ونقديا، يكون على الكاتب أن يقصد كتابة نصه في إطار هذا النوع حتى لو تمرد عليه من داخله، وقد يؤدي هذا التمرد لاحقا إلى ظهور نوع أدبي جديد. 61
  • 62. -5 القبول يُقصد بالقبول قبول القارئ للنص بصفته ينتمي إلى نوع معين. وهذا القبول مشروط من وجهة نظري. فلا يمكن للقارئ أن يقبل أو يرفض عشوائيا. كما أن مفهوم القارئ هنا لا يدل على أي قارئ، وإنما على القارئ النموذجي أو الافتراضي الذي يُفترض أنه ملم بكل تقنيات وأنواع السرد ويتحدد قبوله بناء على استلهام النص لروح السرد وعلى تميز هذا النص وتقديمه لرؤية فردية متميزة لكاتبه، فالقبول هنا فبول نوعي، نسبة إلى النوع الأدبي محل النظر والقراءة. -6 التناص يقصد بالتناص بمعناه الحرفي تقاطع النص مع نصوص أخرى سابقة عليه سواء أكان هذا النص السابق ينتمي لنفس النوع أم لا، وسواء أكان هذا النص السابق نصا مكتوبا أم شفاهيا أو ثقافيا عاما. فالمقصود بالنص السابق هنا أي شيء أو فكرة أو معلومة أو بنية أو شكل ينتمي للثقافة المكتوب فيها النص اللاحق أو أي ثقافة أخرى. هذا هو التناص بمعناه العام. ما هي النصوص الأخرى التي يتشابه معها هذا النص؟ وأظن ان التناص هنا تناص نوعي أو جنسي يتعلق بالنوع الأدبي مثلا الذي ينتمي إليه النص، ويتعلق بالعلاقة التي ينشئها النص مع النصوص السابقة والمجاورة/ المعاصرة له. بعبارة أخرى، التناص الذي يمثل سمة أساسية من مفهوم النص هنا هو تناص نوعي يتعلق بالعلاقات التي يُنشئها النص مع النصوص التي تنتمي لنفس النوع الذي ينتمي له هذا النص. فإذا كان ومضة، ما العلاقات الشكلية والبنائية والسردية التي تُنشئها الومضة المكتوبة الآن والومضات المكتوبة قبلها؟ هل قامت الومضة الحالية بتوسيع أو تضييق مفهوم الومضة على سبيل المثال بناء على رؤية فنية مختلفة؟ الأمر يتعلق بعلاقة النص الحالي بتراث النوع الذي ينتمي إليه ومدى اتفاقه أو اختلافه مع هذا التراث. ولابد أن ننوه هنا إلى أنه في الفترات الأدبية الانتقالية تكون هذه العلاقة بين النص الحالي وربما نوع آخر، كالعلاقة بين الومضة في بداياتها والقصة القصيرة جدا أو حتى القصة القصيرة، أو العلاقة بين القصة القصيرة جدا في بداياتها والقصة القصيرة. وهنا نستحضر مفهوم «الكاتب الخروجي » الذي تحدث عنه أستاذنا شكري عياد أيضا، أي الكاتب الذي يخرج – بناء على أنه أبصر بما لم يبصر به الآخرون – على أعراف نوع معين بهدف تطوير هذا النوع من داخله بعد أن «يقتله فهما » كما يقول شكري عياد أيضا ومن قبله أستاذنا أمين الخولي رحمه الله، أو بهدف الخروج بنوع أدبي جديد يتفرع عن النوع السابق ويكتسب وجودا مستقلا بعد كثرة الممارسة. 62
  • 63. ى الحال َ ض ُ َ قت -7 الموقفية أو المقام أو م تتعلق الموقفية بالمبدأ العربي القديم «لكل مقام مقال ». ما الذي يبتغيه ذلك النص؟ ويُقصد به العوامل التي تجعل النص ملائما للموقف الذي يعبر عنه. فالسياق يلعب دورا مهما في تأويل القارئ للنص وفهمه له ولابد أن يحتوي السياق على ما يمكّن القارئ من الوصول لمعنى النص حتى يكون نصا مقصودا ودالا. وبالنسبة للنص السردي هنا يمكننا أن نطلق عليه المقام السردي، وأقصد به التجربة السردية التي يسردها الكاتب في نصه. وهي تجربة جديدة بالطبع أو ترصد تجربة قديمة من زاوية جديدة كما بيَّنْتُ أعلاه عن الحديث عن سمة «الإخبار ». وهنا يمكننا أن نطرح عدة أسئلة: هل أستطاع الكاتب التعبير عنها بالطريقة التي تناسبها؟ هل استطاع أن يوظّفها جيدا داخل إطار النوع الأدبي الذي يكتبه؟ هل تميّز عن الآخرين في التعبير وأظهر فرادته الأسلوبية؟ هل الموقف شعري أم قصصي؟ فالملاحظ على بعض الكتَّاب أن الخيط السردي يفلت منهم في الكثير من الومضات. هل استطاع الكاتب أن يلتزم بمنظور سردي محدد يمكننا من خلاله أن ننظر إلى الشخصية والحدث دون أن يفرض الكاتب رؤيته التقيمية أو الاستبدادية مثلا؟ فمن الملاحظ أن الاستبداد الذي يعصف بكل جوانب حياتنا السياسية والاجتماعية والوظيفية والإدارية والاقتصادية والدينية، الخ، ينتقل عند الكثيرين من الكتاب إلى النصوص السردية، فنجد كاتبا مثلا يفسر الحدث الذي يسرده تفسيرا استبداديا ذكوريا على سبيل المثال ويقدم لنا خاتمة لومضته لا تتسق مع معطيات الومضة والحدث ذاتهما، أو أن كاتبة تقدم حدثا ثم تفرض نظرتها النسوية الاستبدادية أيضا على معطيات الحدث وتقدم لنا خاتمة سردية أو قفلة نصيَّة لا تتماشى مع طبيعة الحدث، أو أن كاتبا يصر على تقييم سلوك الشخصية من خلال الراوي غير المشارك الذي من المفترض أن دوره يتمثل في أن ينقل لنا الحدث فقط من منظور خارجي أو داخلي يتعلق بالشخصية ولا ينبغي أن يتعلق بالراوي. كل هذه السمات لابد أن تتوفر في النص حتى يكون نصا حقيقيا مكتملا وقابلا للبقاء بعيدا عن حضور كاتبه وبعيدا عن الملابسات المكانية والزمانية المزاجية التي كُتِبَ فيها هذا النص. بعد تفصيل السمات التي لابد من توافرها في النص كي يكون نصا له حياته الخاصة بعيدا عن كاتبه وعن الظروف والملابسات التي تمت كتابته فيها، ننتقل الآن إلى بعض القضايا المتعلقة بمفهوم النص بالإشارة إلى الومضة القصصية. لابد للحدث في الومضة أن يكون مكتملا ومبرَّرًا. الاكتمال يعني أن النص به من الحدث ما يساعد على تأويله تأويلا واحدا متسقا على الأقل بعيدا عن العنوان وبعيدا عن التخمين، بمعنى أن تكون هناك قرائن في السياق السردي تحيلنا إلى هذا التأويل أو ذاك. أما بالنسبة للتبرير، فلا يمكن أن أقيم شخصية مثلا على أنها كذا، ولكن بدلا من ذلك أبرز هذه الصفة أو تلك من سمات الشخصية أو أفعالها من خلال السلوك الذي تسلكه الشخصية داخل النص. ولذلك على الكاتب بعد أن ينتهي من كتابة نصه أن يقرأه أولا ويرى إن كان مفهوما أم لا. 63
  • 64. اللغة ليست تجميع لكلمات وراء بعضها. لابد أن تكون بين هذه الكلمات علاقات دلالية ومفهومية وتصوُّرية مستساغة. وحتى المجاز ذاته له منطقه الخاص ولا يمكن أن نقوم بإجبار كلمات على التعايش مع بعضها البعض في حين أنه لا يوجد رباط منطقي أو وجداني أو فكري أو نفسي أو... بينها. فإذا كان النص عبارة عن تعليق سياسي مباشر لابد أن طبيعته التعليقية هذه ستُخرجه من إطار النص السردي ومن إطار الومضة القصصية، فالتعليق غير السرد: هناك فرق بين التعبير عن الرأي أو التعليق على حدث وبين تقديم حدث فني مكتمل العناصر في نص الومضة. ولنضرب مثلا بالأحداث في غزة: عندما يتم إدخالها في نص، سيحيلنا النص مباشرة إلى التناص مع حدث سياسي خارجي، والتناص ليست فيه مشكلة في حد ذاته، ولكن التناص له شروطه الفنية ولابد أن يكون النص الوارد فيه التناص مكتمل في حد ذاته ويمكن للقارئ الذي لا يعرف شيئا عن الحدث الذي يوجد خارج النص قراءته قراءة قابلة للتأويل المتسق بعيدا عن الحدث الخارجي، وبعد ذلك يأتي التناص ليضيف تأويلا ثانيا للنص يثريه ولا يقيده. ويمكننا أن نقول نفس الشيء عن النص غير المكتمل في حد ذاته الذي يعتمد على العنوان في فهمه، ورؤية سنا الومضة - ورؤية النقاد في كل مكان في العالم الحديث والقديم على السواء - أن النص لابد أن يكون مكتملا في حد ذاته بحيث لو تمت إزالة العنوان ووضع رقم مثلا بدلا منه أو عدم وضع أي شيء يمكن فهم النص وتأويله تأويلا مترابطا ومتماسكا دلاليا وفنيا. والأمر كذلك بالنسبة للنص الذي يكون عبارة عن حكمة أو مثل أو مقولة أو فكرة وكل هذه العناصر ليست عناصر أدبية وإن كان يمكن للكاتب المحترف أن يقوم بتوظيفها فنيا داخل النصوص الطويلة على وجه الخصوص، فيمكن للكاتب أن يأخذ مثلا موجودا بالفعل ويقوم من خلال الحدث السردي بتفكيك هذا المثل وبيان فساد الأسس الرؤيوية التي يقوم عليها. ويمكن لفكرة الكاتب عن الومضة أن تُخرج كل ما يكتبه من نطاق الومضة والأدب السردي عموما، وذلك عندما تكون فكرة الكاتب عنها فكرة ضيقة مستمدة من مقولات بعض الذي يجعلون أنفسهم أوصياء على الومضة ويسجنونها في إطار التلاعب بالألفاظ والحكمة التي لا تتمثل روح الفن ولا تراعي طبيعة الومضة السردية ولا تنظر للومضة على أنها فن قصصي في الأساس ولا ترى فيه إلا مفارقة أو دهشة أو تلاعبا بالألفاظ. 64
  • 65. ومن نافلة القول إن الأخطاء الإملائية والنحوية والأخطاء في استعمال علامات الترقيم تؤثر بالسلب على رؤية القارئ للومضة، فقصر حجم النص يجعله فاضحا، فلا يعقل أن تكون هناك عدة أخطاء في نص قصير جدا وكلماته معدودة. ومن الملاحظ أن الفيسبوك الذي كان وسيلة ساعدت على انتشار الومضة سيكون سببا في انحطاطها وانحطاط لغتها، فالكثيرون من الكتاب يستعملون الهاتف في إرسال نصوصهم ومن المعروف أن إمكانات الهاتف في الكتابة ووضع الهمزات والتصحيح الآلي وتنسيق النص وما إلى ذلك ضعيفة بالمقارنة بالكمبيوتر، الأمر الذي يؤدي إلى عدم انتباه الكاتب لأخطائه أو إلى عدم قيام المصحح الآلي بتنبيهه للأخطاء لأن الهاتف حسب علمي لا يوجد به مصحح آلي في برنامج الكتابة. ويسري ذلك أيضا على الأخطاء الفنية الأخرى مثل عدم الدقة في استعمال الألفاظ، كأن يستعمل لفظا في غير محله. فقصر النص هنا أيضا سيؤدي إلى لفت أنظار القراء إلى أي سوء استعمال لمفردات اللغة. ولا أتكلم هنا عن المفارقة اللفظية التي تدل على استعمال لفظ ما استعمالا مقصودا في غير سياقه بغية الخروج على الاستعمال اللغوي للألفاظ لتحقيق غاية جمالية معينة. وفي هذا السياق الخاص بالومضة ينبغي علينا أن ننتبه إلى أن افتعال الدهشة أو الاتكاء على المفارقة الشكلية أو التلاعب بالألفاظ، أو انغلاق النص أمام التأويل بعيدا عن العنوان أو عدم تحقيق سياق فني وقصصي يتيح للقارئ أن يتفاعل مع النص تفاعلا فنيا وتذوقيا مكتملا - كل ذلك لا يخلق ومضة جيدة. عندما يصل فهم النص إلى مرحلة التخمين فقط بدون قرائن سياقية تؤدي إلى ذلك، يفقد النص سماته النصية ويتحول إلى شيء آخر ليست له علاقة بالنص السردي الوامض. 65
  • 66. قراءة نقدية في ومضة لبسام جميدة ـوومضة لجمال الجزيري ـ بقلم د. بهاء الدين محمد مزيد ..رئيس قسم اللغة الإنجليزية ـ جامعة سوهاج أستاذ / بسام جميدة يتواصل نضج الومضات على صفحة سنا الومضة واستشرافها آفاقا جديدة. وتنتقل الومضات من مرحلة الاتقان إلى مرحلة التجريب، من الكتابة إلى مرحلة الكتابة عن الكتابة، من الومضة إلى الومضة الشارحة، إذا جاز التعبير. على سبيل التمثيل لا الحصر هاتان ومضتان الأولى لجمال الجزيري والثانية لبسام جميدة. - هل لُغتي مُبهَمَةٌ؟ - بالعكسِ، واضحةٌ جدًّا. - لماذا تتجاهل تعليقاتي بشأن نصِّكَ؟ - أنا! لا أفهمُكَ. )جمال الجزيري: عكس( يتفنن في الكتابة عن وقع حبّات المطر على نافذته، ويتناسى وقع الخناجر على وطنه )بسام جميدة: مطر مطر( في الومضة الأولى طباق بين اللغة المبهمة واللغة الواضحة، بين الفهم والتجاهل، غير أنّ فيها إشارة مهمّة إلى مسألة مهمة تتعلّق باللغة والمعنى وهي المسافة بين معنى الجملة ومعنى المتكلّم أو المستمع، أو ما يريد المتكلّم/ الكاتب للجملة أن تعني وما يبلغ المستمع أو القارئ من ذلك المعنى. معنى الجملة هو ما يتعارف عليه النّاس من دلالات المفردات منفردة وحين تجتمع في نسيج لغوي. إذا قلت «الجو بارد هذا المساء » كانت الدلالة مباشرة «واضحة » على انخفاض درجة الحرارة ذلك المساء. غير أنّ بوسع الكاتب أو المتكلّم في سياقات متباينة أن يضيف إلى تلك الدلال ة د لا لا ت أ خ ر ى ن ف س ي ة أ و و ج د ا ني ة أ و ا ج ت م ا ع ي ةّ . د.جمال الجزيري 66 من الومضة إلى الومضة الشارحة أ.د بهاء محمد مزيد
  • 67. هذا ما ذهب إليه المسئول حين أجاب «بالعكس واضحة جدّا » إذا كنت اللغة «واضحة »، فلماذا «يتجاهل » المسئول تعليقات السائل؟ هنا ربط جائر بين وضوح لغة نصّ ما، وضرورة التعليق عليه، وكأنّ الوضوح مقدّمة منطقيّة «آلية » للتعليق أو التفاعل مع ما هو واضح. من هنا تأتي دهشة المسئول «أنا! » ومن هنا يقع عدم الفهم – والمراد هنا عدم فهم مقصد السائل، لا دلالات الكلمات في ذاتها مجرّدة من الدافعية البشريّة. في الومضة الثانية توتّر بين الكتابة بوصفها فعلا شخصيّا جماليا، متعة في برج عاجيّ، والكتابة بوصفها التزاما ومسئولية اجتماعية، اشتباكا مع الواقع وانغماسا في هموم المجتمع والنّاس. تتصادى فكرة الومضة مع أسئلة قديمة جديدة، منها سؤال الفن للفن والفن للحياة. في الومضة كتابة أخرى عن الكتابة لكن على نطاق أوسع مما نجد في ومضة جمال الجزيري. وفيها طباق بديع بين «حبّات المطر » و »الخناجر »، وبين المحدود الشخصي في «نافذته » والعام الواسع في «وطنه » مع أنّ «النافذة » و »الوطن » لا تنفصلان عن هاء الكاتب الغائب. وفي الومضة عمد وقصد في «يتفنّن » و »يتناسى » فليس «التناسي » كالنسيان وليس «الفنّ » كالتفنّن. كان في مقدور الومضة الثانية أن تصبح أكثر تأثيرا لو لم تقع في شرك القطبية واختزال القضيّة في لونين لا ثالث لهما ولا درجات بينهما ولا تداخل: لون النرجسية المنعزلة ولون الاشتباك الدامي مع هموم الوطن. تستطيع الكتابة عن وقع حبّات المطر على نافذة أن تشير إلى ما يقع خارج البيت. ويستطيع وقع الخناجر على الوطن أن ينتهي إلى هموم شخصيّة صغرى تصبح في مجموعها تعبيرا عن هموم الوطن وأزماته. 67
  • 68. أسماء ... أسماء .... أسماء تعقيب على ومضة )حصن المعرفة( سبُّورةٌ. كتابٌ. وجوهٌ مُستَغْرِبة.. ضغطٌ مُرتفعٌ. أعصابٌ محروقةٌ. صوتٌ مبحوح .. غضبٌ. استفسارٌ. وجوةٌ مستغربة. )جمال الجزيري: حصنُ المعرفة( هذه ومضة أخرى من ومضات جمال اجزيري فيها وفي مثيلاتها سمة أسلوبيّة لافتة وهي الميل إلى البنى والمركبات الإسميّة وغياب البني والتراكيب الفعلية غيابا كاملا. هذا ما نجد في الومضة: اسم مفرد نكرة، اسم جمع نكرة ونعت، اسم مفرد نكرة ونعت، اسم جمع نكرة ونعت، اسم مفرد نكرة ونعت، اسم، اسم، اسم حمع نكرة ونعت. تبقى الأسماء منكرة حتّى في وجود الصفات. ولو حلّ محل الصفة مضاف إليه لزال بعض غموض الأسماء وقلّ أثر تنكيرها. ماذا يفعل التعريف والتنكير؟ يربط التعريف ما يلحق به من أسماء بسياقات محدّدة ويقلل من فرص التأويل ومن مساحات الغموض. لاحظ الفرق بين «سبّورة » و »سبورة الفصل » و »سبورة سوداء .» أمّا التنكير فيترك أبواب التأويل والغموض على مصارعها. وماذا يفعل النزوع إلى التراكيب الإسميّة على حساب البنى الفعليّة؟ أول ما يفعل هو أن يجرّد الأحداث والحالات والأفعال من قيودها الزمانية. لاحظ الفرق بين «أعصاب محروقة » و »أعصاب تحترق » و »أعصاب احترقت » و »أعصاب قد تحترق » أو «أعصاب ستحترق ». التراكيب الأربعة الأخيرة مربوطة بأزمنة هي على الترتيب المضارع والماضي والمستقبل. وهكذا تفعل النزعة الإسمية بعض ما يفعل التنكير مما ورد فيما سبق من إطلاق النّصّ من قيود الزمان والمكان وتوسيع آفاق التأويل. في وسعنا أن نتصوّر سياقا تشير إليه «السبّورة » و »الكتاب » و »حصن المعرفة » و »الاستفسارات » و »الصوت المبحوح » و »الوجوه المستغربة » وليكن فصلا في مدرسة. غير أنّ الومضة ليس فيها ما يشير إلى غير ذلك وليس فيها ما يحيل إلى زمن دون غيره. في هذا السياق تفقد مفردة «حصن » دلالاتها الإيجابيّة على الحماية والرعاية وتنشط دلالاتها السلبيّة على القمع والتقييد – ولعلّ هذا بعض ما تشير إليه علامة التعجّب بعد عنوان الومضة «حصن المعرفة ». في جهة المدرسين «ضغطٌ مُرتفعٌ » و »أعصابٌ محروقةٌ » و »صوتٌ مبحوح » و »غضب ». ومن جهة التلاميذ «استفسار » و »وجوةٌ مستغربة » مرتين، لا فرق في ذلك بين ما قبل الدرس وما بعده. 68 أسماء ..أسماء ..أسماء ..تعقيب على ومضة )حصن المعرفة( لجمال الجزيري ـ بقلم .أ.د .بهاء محمد مزيد
  • 69. 69 مقال عن مجموعة سنا الومضة «نلتقي لنرتقي » تم تأسيس مجموعة «سنا الومضة » في نهاية يناير الماضي تحت شعار «نلتقي لنرتقي » بالتعاون بين القاص المصري عصام الشريف والقاص السوداني عباس طمبل والقاص المصري الدكتور جمال الجزيري. وتم تغيير اسم المجموعة لاحقا إلى «مجموعة سنا القصة الومضة » للتأكيد على الطابع القصصي للومضة باعتبارها خطورة تالية للقصة القصيرة جدا على مسار التكثيف والإيحاء والاكتفاء بعناصر السرد في أوجز صورها وتجلياتها بما يناسب طبيعة عصر السرعة الذي نعيش فيه. ولم تكتفِ المجموعة بنشر النصوص كسائر المجموعات الأخرى، إذ رافق النشر حركة نقدية من خلال التعليقات على النصوص ومن خلال الورشة النقدية التي تَواصل عقدها لأكثر من شهرين أسبوعيا وكل أسبوع يتم تناول حوالي عشرة نصوص بالتحليل النقدي الذي يبين جمالياتها وعيوب الأسلوب، مع التركيز على الطابع القصصي للومضة. كما تم إنشاء مجلة الكترونية باسم المجموعة تقوم بنشر الومضات والمقالات والدراسات النقدية الخاصة بالومضة بغية التأصيل لها نقديا وتنمية جماليات كتابتها. ونظرا لأن الومضة ازدهرت في فضاء الفيسبوك بالرغم من وجودها بالمجموعات القصصية المنشورة من قبل لعشرات وربما مئات المبدعين العرب، تهتم مجموعة سنا القصة الومضة بالنشر الالكتروني بصفته ممثلا لمستقبل النشر في العالم أجمع، وبدأت هذا النشر بمجلة سنا الومضة، وتعتزم المجموعة في الفترة القادمة نشر عدة كتب الكترونية في سلسلتين: أولاهما سلسلة الومضات الشهرية لنشر كافة الومضات المنشورة في المجموعة مع مقدمة نقدية لها بغرض المتابعة النقدية من جهة وأرشفة كل النصوص المنشورة على المجموعة من جهة أخرى. أما السلسلة الأخرى فهي سلسلة كتاب سنا الومضة النقدي، وستشمل دراسات تطبيقية وتنظيرية خاصة بومضات الأعضاء كي يتم التأريخ للومضة وترسيخها والتأصيل لها نقديا. عصام الشريف قاص مصري يكتب القصة الومضة والقصة القصيرة جدا والقصة القصيرة ويعمل الآن على إنجاز بعض المشاريع الروائية. عباس طمبل قاص سوداني يكتب القصة الومضة والقصة القصيرة جدا والقصة القصيرة والشعر وانتهى من كتابة رواية ويعمل الآن على إنجاز رواية ثانية وله العديد من المقالات النقدية والفنية المنشورة. جمال الجزيري قاص وشاعر وناقد ومترجم مصري يعمل بجامعة السويس بمصر. نشر 7 مجموعات قصصية و 8 دواوين شعرية وكتابين نقديين. ويكتب الومضة منذ تسعينات القرن الماضي وله عشرات الومضات المنشورة في مجموعاته السابقة بداية من 2001 .
  • 70. تصميم وإخرا ج مهندس /عباس طمبل ـ السودان